ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص65
اتلاف ماده صلیب
ويمكن الاستدلال على بطلان بيع الصنم والصليب بفحوى صحيحة عمر بن أُذينة، قال: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) أسأله عن
رجل له خشب، فباعه ممن يتّخذه برابط، فقال: لا بأس به، وعن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلباناً، فقال: لا»(64). حيث إنّ
ظهور النهي في المعاملة فسادها، وإذا كان بيع الخشب للمشتري المزبور باطلاً فكيف يكون بيع الصنم أو الصليب منه صحيحاً،
ونحوهما معتبرة عمور بن حريث(65)، ولكن سيأتي أنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع هو كون النهي عن بيع الخشب من المشتري
المزبور تكليفاً وبملاك دفع فساد الشرك وسدّ الطريق إليه، كما لا يخفى.
بقي في المقام أمر ، وهو أنّه قد التزم المحقّق الأيرواني بالصحّة فيما إذا كانت لمادّة الصنم مالية حتّى مع فرض بيعها بعنوان
الصنم، وذكر في وجهها أنّ المنفعة المحرّمة لا توجب بطلان البيع فيما إذا كان في المبيع منفعة محلّلة مقصودة أيضاً، ولا فرق
بين أن يكون كلتا المنفعتين مترتبتين على الهيئة فقط أو تترتب إحداهما على المادة والأُخرى على الهيئة كما في المقام، فإنّ
لمثل الصنم المصنوع من الصفر أو الخشب منفعة محلّلة باعتبار مادّته ومحرّمة باعتبار هيئته، ولا يخفى ما فيه فإنّه يصحّ
البيع فيما إذا كانت المنفعتان مترتبتين على الهيئة، ولا يصحّ فيما إذا كان المترتب عليها هو المحرّم فقط، وذلك فإنّ مع
ترتّب المنفعتين على الهيئة تكون لها مالية شرعاً، فلا يكون أخذ المال بازائها من أكله بالباطل، بخلاف ما إذا لم يكن المترتّب
عليها إلا الحرام فقط حيث لا يكون لها في هذا الفرض مالية، فأخذ المال بإزائها أكل له بالباطل، والثمن وإن لم يقع بإزاء الهيئة فقط
بل بإزاء مجموع المادة والهيئة، إلا أنّ عدم انحلال البيع بالاضافة إليهما يوجب بطلان البيع رأساً، نظير الثمن في مثل الحيوان،
فإنّه وإن وقع في مقابل المجموع إلا أنّه لا يكون البيع بالإضافة إلى الأجزاء الخارجية للحيوان انحلالياً.
ويمكن الاستدلال على البطلان فيما كان لمادة الصنم بعد محو صورتها مالية بفحوى ما دلّ على بطلان بيع الجارية المغنية، حيث
انّ كون الجارية مغنّية إذا أوجب بطلان بيعها باعتبار أنّ الوصف المزبور مادّة ومنشأ في الغالب للّهو الذي فساده دون فساد الشرك
والوصف كما سيأتي لا يقابله الثمن، بل يكون داعياً إلى زيادته، فكيف يصحّ بيع الصنم الذي يقابل فيه الثمن الهيئة التي
منشأ فساد عظيم. واستعماله بين قوم في أمر مباح لا يخرجه عن كونه إله المشركين ومعبودهم، فلا يجوز بيعه وشراؤه حتّى فيما إذا
عدّوه من الأشياء العتيقة وادّخروه في مثل المتاحف لهذا الغرض، ولا يبعد ـ باعتبار كونه مادّة لهذا الفساد العظيم ـ الالتزام بوجوب
محو صورته كما يظهر من كلماتهم.
[1] بأن يزيل الغاصب هيئتها أولاً ويتلف مادتها بعد ذلك، وهذا الحمل تمحّل، أي تكلّف بلا موجب.