ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص46
ولا يخفى أنّ المراد بالعصير في هذه الروايات العصير العنبي فلا يشمل العصير الزبيبي فضلاً عن التمري، والوجه في ذلك
(أوّلاً) أنّ العصير يطلق على مايخرج من الشيء، أي على الماء المتكوّن في داخلالشيء بعد إخراجه، فلا يشمل المخرج من الزبيب
والتمر مما لا يتكوّن في داخلهما، ولذا ذكّر في صحيحة عبدالرحمن ابن الحجاج في أقسام الخمر العصير من الكرم والنقيع من الزبيب
والنبيذ من التمر(55)، وثانياً أنّ حمله على العموم غير ممكن حيث لا يصحّ لأحد الالتزام بحرمة كلّ عصير حتّى مثل عصير
الجزر والبطيخ بالغليان، وحمله ـ على خصوص الثلاثة، أي: عصير العنب والزبيب والتمر بلا قرينة ـ غير ممكن، بل المتيقّن منه
العصير العنبي والعموم باعتبار أفراده كما لا يخفى.
والحاصل أنّه لا يمكن التعدّي عن عصير العنب إلى ماء الزبيب والتمر، بل الأظهر فيهما حلهما حتّى بعد غليانهما، وليس في
البين ما يقتضي حرمتهما بعد غليانهما، نعم ورد في الزبيب ما ربّما يقال بظهوره في حرمة مائه بعد غليانه كموثّقتي عمّار(56)
ولكن بما أنّ المذكور فيهما من الأُمور الكثيرة غير دخيل في حلّ ماء الزبيب قطعاً، ولا مجال فيها لاحتمال استحباب رعايتها،
فلابدّ من كون المراد دخالتها في حلّه مع بقائه مدّة طويلة، بحيث لا ينقلب فيها إلى الخمر. ويؤيّد ذلك رواية إسماعيل بن
الفضل الهاشمي التي مثلهما في ذكر تلك الأُمور، وذكر في ذيلها وهو شراب طيّب لا يتغيّر إذا بقي إن شاء اللّه تعالى.
وأمّا رواية زيد النرسي في أصله، قال: «سُئل أبو عبداللّه (ع) عن الزبيب يدقّ ويُلقى في القدر ثمّ يصبّ عليه الماء
ويوقد تحته؟ قال: لا تأكله حتّى يذهب الثلثان وبقى الثلث، فإنّ النار أصابته، قلت: فالزبيب كما هو في القدر ويصبّ عليه
الماء ثمّ يطبخ ويصفّى عنه الماء، فقال: كذلك هو سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلواً بمنزلة العصير، ثمّ نشّ من غير أن
تصيبه النار فقد حرم، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد» رواها في المستدرك فدلالتها على جريان حكم العصير العنبي في
ماء الزبيب واضحة، إلا أنّها لا تصلح للاعتماد عليها، حتّى ما لو قيل بأنّ زيد النرسي موثّق، باعتبار أنّ الراوي عنه هو محمد بن
أبي عمير، وذكر الشيخ في عدّته أنّه لا يروي إلا عن ثقة، وهذا توثيق عام لمشايخ محمد بن أبي عمير، ويرفع اليد عنه في مورد
ثبوت الخلاف لا مع عدمه كما في المقام، وحتّى ما لو قيل بأنّ أصل زيد النرسي معتبر كما عن النجاشي وغيره، ووجه عدم صلوحها عدم
إحراز أنّ ما نقل عنه هذه الرواية وهي النسخة التي كانت بيد المجلسي «ره» هي أصل النرسي المعتبر، بل من المحتمل أنّها كانت مجعولة
مدسوسة، ومجرّد اشتمالها على بعض الروايات التي ثبت أنّها لزيد لا يدلّ على أنّها بتمامها رواياته.