ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص45
وكيف كان فيشهد لما ذكرنا مثل صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبداللّه (ع) قال: «لا يحرم العصير حتّى يغلي»(49)، وفي
معتبرته الأُخرى عنه (ع) قال: «سألته عن شرب العصير فقال: تشرب مالم يغل وإذا غلى فلا تشربه، قلت: وأيّ شيء الغليان؟ قال:
القلب»(50)، وفي صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه (ع): «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى
ثلثه»(51) والمراد بإصابة النار الغليان بقرينة ما سبق، وفي موثّقة ذريح، قال: «سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول: إذا نش العصير أو
غلى حرم»(52)، والمراد بالغليان فيها هو القلب بالنار، وبالنشيش ما لا يكون فيه القلب عادةً كالغليان بنفسه، فيكون حاصل
الموثقة أنّه إذا غلى العصير بنفسه أو كان غليانه بالنار بنحو القلب فقد حرم، ويقتضي ذلك عطف الغليان على النشيش مع
ملاحظة أنّ ما دلّ على اعتبار القلب ظاهره المورد الذي يمكن فيه وهو الغليان بالنار.
وما قيل من أنّ المراد بالنشيش هو الصوت الحاصل قبل الغليان غير ثابت، بل ظاهره هو الصوت الحاصل عند غليان الشيء بنفسه،
ويؤيّد ذلك ما في موثّقة عمّار من قوله (ع): «فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينش“»(53) وذكرنا أنّه إذا ذهب ثلثا العصير بعد
غليانه يصير حلالاً، سواء كان الذهاب بالنار أو بغيرها، ويقتضي ذلك قوله (ع) في صحيحة عبداللّه بن سنان المتقدمة: «حتّى
يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه» فإنّه ليس في البين ما يقتضي تقييد الذهاب بكون بالنار، نعم في صحيحته الأُخرى قال: «ذكر
أبو عبداللّه (ع) أنّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثاه فهو حلال»(54)، ولكن بما أنّ ذهاب الثلثين يكون بالطبخ
غالباً فلا يمنع ذلك عن الأخذ بإطلاق صحيحته الأُولى، كما هو الحال في جميع القيود الغالبية التي لا توجب رفع اليد عن
المطلقات.