ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص43
وبهذا يظهر الحال في رواية أبي بصير قال: «سألت أبا عبداللّه (ع) عن ثمن العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله
خمراً! قال: إذا بعته قبل أن يكون خمراً وهو حلال، فلا بأس»(47) مع أنّ في سندها قاسم بن محمد الجوهري عن علي بن أبي حمزة، والظاهر
أنّه البطائني،وذكر السيد الخوئي طال بقاه أنّ أبابصير في نظير الرواية مردّد بين ابن البختري وبين ليث المرادي وكلاهما
كوفي ولم يكن في الكوفة في ذلك الزمان عنب كثير حتّى يباع عصيره ممن يجعله خمراً أو يطبخه دبساً، فالظاهر أنّ مراد
السائل هو عصير التمر ولا ريب في جواز بيعه حتّى بعد غليانه وقبل كونه خمراً، فالرواية أجنبية عن المقام.
أقول: لا يخفى ما فيه: (أوّلاً) كون الراوي كوفيّاً بحسب الأصل لا يدلّ على أنّ سؤاله راجع إلى ما يكون في بلده. و(ثانياً)
أنّه لا علم لنا بحال الكوفة في ذلك الزمان من قلّة العنب أو كثرته فيها. و(ثالثاً) أنّ تقييد الجواب بقوله «وهو حلال» ظاهر في
اعتبار عدم الغليان، وإلا كان تأكيداً وإطلاق العصير ينصرف إلى عصير العنب. ويظهر ذلك بمراجعة ما ورد في حكم العصير. وأمّا
مرسلة محمد بن الهيثم عن أبي عبداللّه (ع) قال: «سألته عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلى من ساعته أيشربه صاحبه؟ قال: إذا
تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه»(48)، فمع ضعفها بالإرسال وغيره ظاهرها السؤال عن شرب
العصير، وظاهر الجواب بنفي الخير غايته عدم جواز الشرب لا عدم جواز بيعه، فلا نظر في الرواية إلى المعاملة على العصير أصلاً.
والحاصل أنّ مقتضى القاعدة جواز بيع العصير بعد غليانه أخذاً بمقتضى اطلاق حلّية البيع ونفوذه حتّى فيما إذا قيل
باعتبار حديث تحف العقول الوارد فيه النهي عن بيع وجوه النجس، أو باعتبار النبوي الدالّ على أنّ تحريم الشيء يلازم حرمة
ثمنه وفساد بيعه، وذلك فإنّ النجاسة في العصير أو الحرمة طارئة ترتفع بذهاب الثلثين، وهذه النجاسة المعبّر عنها بقبول
الشيء للطهارة غير داخلة في مدلول الحديث كسائر الأعيان المتنجسة القابلة لها، كما أنّ مثل الحرمة المزبورة غير داخلة في مدلول
النبوي، ولذا يصحّ بيع ما يحرم في حال خاص كحال الاحرام، والحاصل أنّ ظاهر النبوي هو أنّ النهي عن شيء مطلقاً بحيث يعمّ
جميع أحواله يلازم فساد بيعه.