ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص37
فإنّه يقال: لابدّ من الحكم ببطلان بيع كلب الماشية أو الزرع أو الحارس ونحوهما بمقتضى الاطلاق فيما ورد في كون ثمن الكلب
سحتاً وبمقتضى التقييد فيما ورد من عموم جواز بيع الكلب الذي لا يصيد، وذلك فإنّ الخطاب الدالّ على الحكم لموضوع يحمل
على كون المتكلّم به في مقام البيان من جهة القيود المحتملة للحكم وموضوعه إلا مع القرينة على الخلاف، ومن القرينة على الخلاف ما
إذا تعلّق الوجوب أو الحرمة بأفعال مختلفة ثمّ ورد خطاب آخر في تعداد تلك الواجبات والمحرّمات المبيّنة في الخطابات السابقة:
وأمّا إذا كان بيان وجوبها أو حرمتها بذلك الخطاب الجامع فلا بأس بالأخذ بالاطلاق فيه في ناحية الحكم وموضوعه.
مثلاً إذا ورد في الخطاب أنّ من الحرام الرشاء في الحكم والغيبة والكذب والغناء حمل على كونه بياناً لحرمة تلك الأفعال، فيؤخذ
بالاطلاق في ناحية الحرمة ومتعلّقها، لما تقدّم من أنّ الأصل في الخطاب الدالّ على الحكم وموضوعه صدوره في مقام بيان ذلك الحكم
من جهة تمام قيوده وقيود موضوعه، ويمكن أيضاً قيام القرينة على عدم كونه في مقام البيان من جهة متعلّق الحكم، فيؤخذ بإطلاقه من
سائر الجهات، كما إذا كان متعلّق الحكم في الخطاب من الأُمور التي لا يعرفها العرف كالعبادات، مثل ما ورد في بناء الإسلام على
الخمس: «الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية» حيث أنّ عدم معرفة العرف بتلك العبادات قرينة على أنّها ليست في مقام بيانها من
جهة أجزائها وشرائطها، بل في مقام بيان أهميتها بالإضافة إلى أنّها ليست في مقام بيانها من جهة أجزائها وشرائطها، بل في مقام بين
أهمّيتها بالإضافة إلى سائر الوظائف والواجبات، ولذا يمكن التمسّك في إثبات كون الأهم كلّ الفرائض اليومية بلا فرق بين
صلاة وأُخرى بإطلاق المتعلّق من هذه الجهة، كما لا يخفى.
والحاصل أنّه لا قرينة على أن مثل رواية السكوني الواردة في أنّ ثمن الميتة أو الخمر أو الكلب وغيرهما من السحت في مقام تعداد ما
ثبت كونه سحتاً بالخطابات الأُخرى لنحتاج في تعيين ما هو السحت سعةً وضيقاً إلى ملاحظة تلك الخطابات، بل الظاهر أنّ
الرواية في مقام بيان أنّ المذكورات محكومة بكونها سحتاً، فيؤخذ بالاطلاق في ناحية الخمر والكلب والميتة وغيرها، كما أنّ صحيحة
إبراهيم بن أبي البلاد ورودها في مقام الجواب عن سؤال ثمن الجارية المغنّية لا ينافي كونها في مقام بيان حكم ثمن الكلب أيضاً،
وأيضاً ليس المراد بالصيد في مثل قوله (الكلب الذي لا يصيد أو يصيد) مطلق صيد الحيوان، فإنّه لا يقع البيع والشراء
خارجاً على الكلاب المهملة السابطة عن مقتضى طبعها بالمرّة ليحتاج في المنع عن بيعها في الروايات المتعدّدة إلى التقييد
المزبور، بل المراد بالذي يصيد هو الصالح لإرساله للصيد فعلاً، نظير ما يقال عن الحيوان الصالح فعلاً للركوب أنّه يركب،
وفي مثل هذا يحتاج المنع عن بيع غيره إلى التقييد، فلاحظ.