احکام القرآن للجصاص-ج5-ص266
حلف فحلف ما ضره ذلك كالمكره على اليمين في أخذ ماله فيحلف ولا يضره ذلك
وقال اللخمي قال مالك إنما يجوز له أن يجحده إذا أمر أن يحلفه كاذبا يريد أن المودع يقول له احلف لي أني ما أودعتك
وقيل يحلف ما أودعتني شيئا ينوي يلزمني رده
وقيل ينوي مثله أن يحرك به لسانه وكل ذلك واسع
والصواب أن له أن يجحد ما أودعه مكان حقه عليه لقوله تعالى( وإن عاقبتم( الآية
ولحديث هند خذي من ماله
وقيل معنى ولا تخن من خانك أن تأخذ فوق حقك انتهى
وقد نقلت من كلام كل إمام ما لا بد منه من أحكام هذا الفرع
وحاصل كلام اللخمي وابن يونس وابن رشد والمازري ترجيح الأخذ وقد تقدم أول الحجر من حبس وديعة الظالم وقد نصوا في الوصي إذا علم بالدين دون غيره أنه إن خفي له دفعه دون مغلب فعل وإلا كان شاهدا
ومن ابن يونس قال مالك في ميت أوصى لصغير بدنانير ولم يشهد على ذلك إلا الوصي فإن خفي له دفع ذلك حتى لا يتبع به فله دفع ذلك دون السلطان
وكذلك لو دفعه فلم يقبل شهادته السلطان ثم خفي له دفع ذلك فله ذلك
وقد كنت أفتيت زمن القائد أبى القاسم ابن السراج رحمه الله أن يأخذ المجاهد من الغنيمة قدر حقه لقلة الاهتبال بجميع الغنائم وقسمها وما كان أحد وقفني على ذلك إلى أن وجدت النص بما أفتيت به في نوازل البرزلي وكان من جملة مستندي مع ما تقدم ما نقله عياض أن هارون الرشيد أجاز مالكا بثلاثة آلاف فقيل لمالك يا أبا عبد الله ثلاثة آلاف تأخذها من هذا كأنه يستكثرها فقال إذا كان مقدار ما لو كان إمام عدل فأنصف أهل المروءة أصابه سيبه بذلك لم أر به بأسا
وسأله غير واحد عن جائزة للسلطان فقال له لا تأخذها
فقال له لا بل نقبلها
فقال مالك أتريد أن تبوء بإثمي وإثمك انتهى
وانظر قول مالك هذا إنما هو لأن التصريح بالفقه لمثل هذا السائل موحش كما قال ابن القاسم حين منع من قبالة مصر وقيل له أشهب يقبلها فقال للرجل قم أنت ببعض ما يقوم أشهب وحينئذ خذ ما يأخذ أشهب أو كما قال له
وكما حكى عن زيادة الله عامل إفريقية أنه أجاز العلماء فمنهم من قبل الجائزة ومنهم من ردها فاستنقص زيادة الله كل من قبل فبلغ ذلك أسد بن الفرات وكان ممن قبل فقال لا عليه إنما أوصلنا إلى بعض حقنا والله حسيبه فيما يمسكه عنا
وقد نصوا أنه إن لم يكن بيت مال أن يجمع الناس مالا ليرتبوا منه الجند وحملة العلم أعني علم فرض الكفاية الذي سئل مالك عنه أهو فرض فقال إما على كل الناس فلا
قالوا والذي يتعين عليه هذا العلم هو من جاد حفظه وحس إدراكه وطابت سجيته وسريرته فمثل هذا هو الذي يجوز له أخذ هذه الجائزة ومن لم تكن فيه هذه الأوصاف فلا يجوز له الأخذ وربما كان طلبه العلم من باب العبث بالنسبة للمصلحة المجتلبة ومن تكليف ما لا يطاق في حقه وكلاهما باطل شرعا فكيف يحل له أن يأخذ على ذلك مرتبا أو جرا ( ولا أجرة حفظها بخلاف محلها )
ابن رشد لا أجر للمودع على حفظ الوديعة وإن كانت مما يشغل منزله فطلب أجر الموضع الذي كانت فيه فذلك له وإن احتاجت إلى غلق أو قفل فذلك على ربها
وقيد ابن عبد السلام وجوب أجره المحل يكون طالبها ممن يقتضي حاله ذلك وعدم أجرة حفظها بنقيضه واحتج بقولها من ركب دابة رجل إلى بلد وقال إنما أعاره إياها وقال ربها بل بكراء قبل قوله إلا أن يكون ليس مثله يكري الدواب لشرفه وقدره ( ولكل تركها )
ابن شاس الوديعة من حيث ذاتها للفاعل والقائل مباحة وقد يعرض وجوبها كخائف فقدها الموجب هلاكه أو فقره إن لم يودعها مع وجود قابل لها يقدر على حفظها
ابن عرفة وتعرض حرمتها كإيداع مغصوب لا يقدر القابل على جحده ليرده على ربه كنقل عياض من قبل وديعة من مستغرق ذمة ثم ردها إليه ضمن للفقراء قيمتها
ومن البرزلي قلت لبعض القرويين وأظنه الصائغ إن خفي له أخذ شيء منها فعل وإلا فلا شيء عليه
وقال ابن شعبان من سأل قبول وديعة ليس عليه قبولها ولم يوجد غيره
ابن عرفة ما لم يتعين عليه قبولها لهلاكها إن لم يقبلها مع قدرته على حفظها كرفقة فيها من يحترمه من أغار عليها أو ذي حرمة بحاضرة يعرض ظالم لبعض أهلها انتهى
ونحو هذا لابن رشد قال يلزمه القبول فيه قياسا على من دعي إلى أن يشهد على شهادة أنه يلزمه ذلك إن لم يكن في البلد من يشهد غيره