احکام القرآن للجصاص-ج5-ص34
زاد قال بعضهم ولعله تصدق بقدر انتفاعه به كما فعل ابن مجاهد عرف به عياض أيضا وكان من أهل الورع قال ذهب إلى أبي عبيد ليزوره بالزهراء قال وكان صديقه فدعاه إلى الأكل معه فأكل وليس له مال إلا من مال السلطان فقيل لابن مجاهد في ذلك فقال لو أمسكت عن طعامه لكان جفاء عليه وقد قومت ما أكلت وأجمعت على الصدقة به وثواب ذلك لصاحبه ورأيت هذا أفضل من الشهرة والجفاء على الرجل
وسأل الإمام المازري عن مستغرق الذمة بالحرام هل تجوز معاملته فقال في ذلك خلاف
ووجه القول بالجواز أن الفقراء لم يستحقوا عين ما بيده إنما استحقوا قدره خاصة لا عينه فإذا بذل له مثله فلا مضرة على الفقراء بل ربما كان خيرا إذا كان الذي أخذ منه مما يخفيه وكان الذي بذل مما يظهره إذ قد يقام عليه فيوجد له ما يؤخذ له انتهى
وانظر هذا أيضا هل هو على الاحتياط فإن الحرام إذا تعلق بالذمة صار ما بيد صاحبه مالا من ماله يقطع من سرقه له
وقد بالغ في الإحياء في هذا وقال مع ذلك لا يجوز لك أن تسرق مال ظالم ولا لك أن تخفي وديعته وتفرق من ذلك على الفقراء لأن من المحتمل أن يكون ذلك قد حصل له بشراء في ذمته فإن كون ذلك في ذمته تحت يده دليل على ذلك انتهى
وانظر قوله في ذمته مذهبنا نحن أنه يملك ما اشترى مطلقا إذا لم يكره البائع على البيع
قال في المدونة فإن كان قد اشترى ذلك الشقص بدنانير أو دراهم مغصوبة فلك أنت أن تشفع في ذلك الشقص لأن الدنانير والدراهم لا تتعين وإذا قام عليه صاحبها اتبعه بها ولا ينقض البيع بخلاف ما إذا اشترى الشقص بعبد مغصوب فلا شفعة لك حتى يفوت العبد ويتعلق بذمته
وعلى هذا المأخذ إذا توفي هذا المستغرق الذمة فلا يحرم على ورثته من ماله إلا ما كان حراما بعينه لم يفت أو كان له طالب معين وهكذا هو المروي عن اللخمي وغيره
وقد سئل الشيخ أبو محمد بن أبي زيد عمن هلك وترك مالا حراما فقال ما نصه أجاز وراثته ابن شهاب والحسن البصري وأباه القاسم وغيره وفرق مالك بين أن يكون يعرف أهله فيرد إليهم وإن لم يعرف أهله فلا يقضي على الورثة بأن يتصدقوا به لكن ينبغي لهم ذلك انتهى
وعلى هذا المأخذ هي فتيا الأشياخ في أشخاص المسائل دون كلامهم العام في طرر ابن عات فيمن عمل للسلاطين فظلم الناس أو كان قاهرا غاصبا أو قاطعا للسبل أو سارقا أو تاجرا عمل بالربا ثم مرض وأراد التنحي مما نال من ذلك وقال في مرضه إني نلت من أموال الناس أكثر من جميع مالي فأنا أوصي بجميع مالي
قال فافتى بعض فقهاء الشورى إن أبى الورثة ذلك فليس للفقراء إلا الثلث خاصة وكان ينبغي أن يفعل ذلك في صحته إلا أن يسمي طالبا معينا وقام ذلك الرجل يطلب فذلك كالدين انتهى
وانظر إن قام السلطان على مثل هذا قد تقدم فتيا ابن رشد أنه كالطالب المعين إلا إن كان ما باع مضى
ونحو هذا قبل الثلث الأخير من نوازل ابن سهل ترجم على ذلك بقوله الشورى فيما خلفه ابن السقاء قيم دولة ابن جوهر وأنه لما ثبتت استطالته في الأموال بغير حق وتفاهة وفره يوم ولي النظر في أموال المسلمين فأفتى ابن عتاب وابن هذيل وابن مالك أن جميع مخلفه للمسلمين
ومن نوازل ابن الحاج ما تركه مستغرق الذمة لبيت المال لا حق فيه للغرماء فإن كان في تركته أكثر ضرب الغرماء فيما يبقى بعد أخذ بيت المال ما يجب له
ومن وثائق ابن سلمون للإمام أن يأخذ ما أفاده العمال كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من العامل الهدية التي قال هذا أهدى لي وقال هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر ما يهدي إليه
وقد فعله الصديق
قال ابن حبيب فكل ما استفاده وال من مال سوى رزقه وقاض في قضائه فللإمام أخذه منه للمسلمين
وقاله مالك
وشاطر عمر رضي الله عنه أبا هريرة وأبا موسى وغيرهم رضي الله عنهم
وانظر قضيته رضي الله عنه حين شاطر بنيه في العبح الذي ربحاه فيما سلفهما أبو موسى
قال البرزلي واستسهل شيخنا الإمام الشكوى بالذين يرسلون البهائم في الكروم إلى حاكم الفحص فيلزمهم عليها شيئا مدخولا عليه وكنت أنا أستحسن هذا واحتج بأن هؤلاء المفسدين مستغرقو الذمة فكل ما أغرمهم فسائغ له على القول بأن مال مستغرق الذمة سائغ لكل الناس كالفيء
وقال الداودي هذا هو الصحيح
وانظر أيضا مستغرق الذمة هي يسوغ له إمساك ما يستفيده من مال بإرث أو عطية أو يصرفه فيما عليه من التباعات
في نوازل ابن رشد أن حكم هذا المال المستفاد حكم اللقطة التي لا يعرف صاحبها له أن يمسكها كما قال في سماع أشهب في كتاب الجهاد الذي وجد في الكفة التي اشتراها من المغنم مالا كثيرا وقد وقع له
ولابن الحاج أيضا في نوازلهما في أموال البربر المجتمعة من الغارة بعضهم على بعض ما حكم الورثة فقال حكمهم في ذلك المال كاللقطة يستحب لهم الصدقة بها ولا تجب لا سيما إن لم تكن هي الأمودل المغصوبة وإنما هي نسلها فيجوز شراؤها لمن يريد شراءها
وفي نوازل الشعبي في المرأة الصالحة