احکام القرآن للجصاص-ج3-ص373
الجيش فيقاتلون دون الجيش ويغنمون فما غنم هؤلاء شاركهم فيه الجيش كما أنهم لو غنم الجيش في غيبتهم لشاركوه في ذلك
وهذا إذا خرجت من العسكر بعد ما فصل عن بلاد الإسلام بين وأما إن خرجت من بلاد ثم اتبعها بقية الجيش ففي ذلك خلاف
قال ابن المواز من قول مالك إن أمير الجيش إذا بعث سرية من بلاد الإسلام فتقدمت ليتبعها فغنمت قبل خروجه فلحقها بموضع غنمت فلا شيء له ولا لمن معه فيما غنمت فلو غنمت بعد ما اتبعها ببقية عسكره فاختلف فيه قال أشهب إن غنمت بعد فصول العسكر فكلهم شركاء
ابن المواز وهذا أحب إلينا لأنهم إذا فصلوا عن بلاد الإسلام صاروا ردا للسرية ونصيرا لها وإذا كانت الغنيمة قبل فصولهم من أرض الإسلام لم تكن السرية ردأ
قال سحنون إن دخل الجيش أرض الحرب فمات أميرهم قبل القتال فافترقوا طائفتين وأمرت كل طائفة أميرا وأغارت كل طائفة على حدة فقاتلت وغنمت فكل ما غنمت كل طائفة بين الطائفتين
قال محمد إلا أن تتباعد كل طائفة عن الأخرى بعد أن لا يمكنها المعونة ولم يجتمعا إلا بدار الإسلام فأما إن اجتمعا بدار الحرب فليرجعا على أمرهما
وهذا قياس قول سحنون
وسمع يحيى ابن القاسم في أمير سرية عرض له نهر حين دنا من أرض العدو فجازه ببعض من معه وتخلف الآخرون معتذرين عن طاعته بشدة خطره فرجع بغنيمة ووجد المتخلفين بمكانهم لا قسم لهم
ابن رشد الذي ينبغي عندي على أصولهم أن ينظروا في وقوف المتخلفين بمكانهم فإن كان فيه وجه منفعة للغانمين مثل أن يكون النهر قرب بلد العدو بحيث يظن العدو جوازهم أجمعين قسم لهم معهم وإلا فلا
سحنون ولو حبس الإمام حين خرج الناس من المدينة طائفة لحفظها كان لهم حظهم في الغنيمة لأنه حبسهم لمصلحة المسلمين
وانظر رابع ترجمة وخامس ترجمة من الجهاد الثالث من نوادر ابن أبي زيد وسمع أيضا عيسى ابن القاسم في عدو حصر أهل حصن من المسلمين فخرج نفر من أهل الحصن وقاتلوا العدو فأظفرهم الله به وأصابوا خيله وأسلابه يقسم ذلك بين جميع من خرج قاتل أو لم يقاتل وبين جميع أهل الحصن بعد إخراج الخمس ويقسم لخيل من لم يخرج ولخيل من خرج راجلا وخلف فرسه في الحصن إذا كانوا بموضع رباط وضعوا فيه رصدة للعدو ولذلك سكنوا ولو كانوا على غير ذلك لم يكن لهم شيء
ابن رشد هذا كما قال إن الغنيمة تقسم على الأحرار البالغين من قاتل منهم ومن لم يقاتل لكون من لم يقاتل ردأ لمن قاتل وعونا لهم على الغنيمة لأن نفوسهم تقوى بوقوفهم وتزيد في جرأتهم على العدو
وكذلك الذين في الحصن بهم قويت نفوس من خرج ولعل العدو إنما انهزم بسببهم
وانظر في نوادر ابن أبي زيد إذا أغار العدو على بعض الثغور فتداعى عليهم المسلمون فانهزموا من غير ملاقاة ونالوا منهم مغنما أنه يخمس وأربعة أخماسة لهم لأن منهم جزعوا وهربوا
وقال عبد الوهاب ما غنم بغير إيجاف ولا قتال وهو مما ينجلي عنه أهله ويتركونه رهبة وفزعا وهذا لا يخمس وهو فيء
لابن القاسم أيضا في السماع المذكور إذا كانت قرى إنما فيها أهلها فخرجوا في طلب الذين أغاروا عليهم قسم ما أصابوا بين كل من طلب إذا تبين أنهم ممن خرج طالبا بالثبت واليقين
زاد في الاستغناء ولا شيء لمن خرج بعد الوقيعة إلا إذا كانت المدينة ثغرا ومحرسا
ومنه أيضا وإن غار العدو على جهتين فلكل جهة ما غنموا
وانظر رابع ترجمة وخامس ترجمة من الجهاد الثالث من نوادر ابن أبي زيد وانظر قبل هذا عند قوله ومتخلف لحاجة وعند قوله وضال ببلدنا وعند قوله ومريض شهد وقول عبد الوهاب لأن ليس كل الجيش يقاتل لأن ذلك خلاف مصلحة الحرب
وقد فسر قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم ويرد عليهم قصاهم أنهم يتفاضلون في المغنم يسهمون منه لمن شغله عن حضور المعترك مصلحة من مصالح الغانمين مع أنه قد نقل صاحب كتاب معارف الأشواق أن كثيرا من السلف الصالح كانوا يتعففون عن المنم قال ومنهم إبراهيم بن أدهم فقيل له أتشك في أن الغنيمة حلال فيقول وهل هو الزهد إلا في الحلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من غازية تغزوا في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم ثلث واحد فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم ونقل أيضا هو وصاحب المقرب أن عثمان رضي الله عنه أمر ابن أبي سرح على غزو إفريقية وكان صاحب إفريقية جرجير سلطانه من طرابلس إلى طنجة فهاله أمر العرب بحيث أن زين بنتا له كانت بارعة الجمال وقال لحشمه أتعرفون هذه فقالوا نعم سيدتنا وبنت سيدنا لمالك
فقال وحق المسيح ودين النصرانية لا قتل منكم ابن أبي سرح أمير العرب إلا زوجتها له وسقت لها جميع ما معها من الحلي والحلل والجواري يحرض بذلك الروم تحريضا شديدا
وبلغ ذلك ابن أبي سرح فأخبر مننعه من المسلمين بمقالة جرجير ثم قال لهم وحق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام لا قتل رجل منكم جرجيرا إلا نفلته ابنته
فانتدب أناس وفيهم عبد الله بن الزبير وهو ابن بضع وعشرين سنة وشقوا الصفوف وظهروا بجرجير وانهزم الكفار وتنازعوا في قتل جرجير فقالت الابنة أنا أعرف قاتل أبي فأمر ابن أبي سرح