احکام القرآن للجصاص-ج3-ص288
والبساط
وسئل ابن القاسم عن رجل قال لربيبه أمك طالق لأن جئتني إلى بيتي بخبر لأطرحنه بالخربة فدخل عليه الغلام ومعه خبز فصاحت له أمه فخرج بالخبز فقال إن كان يقدر أن يأخذ الخبز فتوانى فأراه حانثا وإن كان فاته هربا ولو أراد أخذه لم يقدر عليه فلا حنث عليه
ابن رشد هذه مسألة صحيحة على أصولهم لا خلاف أن من حلف أن يفعل فعلا فلم يمكنه فعله حتى فات فواتا لا يمكنه البر فيه بعدم الإمكان فلا حنث عليه كمسألة الحمامات من نذور المدونة
انظر قبل هذا عند قوله إن لم يكره ببر ( ولو لمانع شرعي ) لما قال ابن رشد لا خلاف إذا لم يمكنه الفعل أنه لا حنث عليه قال وإنما اختلفوا إذا لم يمكنه الفعل لمنع الشرع منه كما لو حلف بحريتها ليطأنها اليلة فإذا هي حائض لم يحنث عند ابن القاسم وحنث على مذهب مالك وهو قول أصبغ وفي هذه المسألة أربعة أقوال وانظر من هذا الباب من حلف أن لا يفعل فعلا بعد أن كان فعله قال ابن رشد أما لو حلف أن لا يبيعه منه بعد أن باعه منه وكيله ولم يعلم بذلك لما كان عليه شيء باتفاق كما لو حلف على غيره أن لا يفعل شيئا ثم وجده قد كان فعل ذلك الشيء قبل يمينه لا حنث عليه
قال سحنون من باع ملكا فضاده المشتري فحلف أن لا يبيعه منه فقضى عليه السلطان بالبيع لا حنث عليه لأنه إنما حلف أن لا يبيعه منه بعد والبيع قد مضى
قال السيد مفتي تونس البرزلي على هذا تتخرج فتيا ابن البراء لمن باع ثوبا بعشرين ثم استوضعه المشتري فحلف البائع بالطلاق لا باعه منه فأجاب الثوب للمشتري ولا حنث على البائع
انظر آخر ترجمة من النذور من ابن يونس ( أو سرقة لا بكموت حمام في ليذبحنه ) من المدونة قال ابن القاسم من حلف ليضربن عبده أو زوجته أو ليركبن دابته غدا فهلكت قبل غد لا شيء عليه لأنه كان على بر بالتأجيل
وإن حلف ليأكلن هذا الطعام غدا أو ليلبسن هذا الثوب في غد فسرق ذلك قبل غد حنث إذ لم يقدر عليها في غد إلا أن ينوي إلا أن يسرقا أو لا أجدهما
قال ابن القاسم وأخبرني ابن دينار أن رجلا حلف ليذبحن حمامة ليتيمه وهو يظنها حية ثم قام مكانه فألفاها ميتة فلم يبق عالم بالمدينة إلا رأى أنه لا يحنث لأنه لم يفرط وإن وجه يمينه إن أدركها حية
قال ابن القاسم وهو رأي ابن يونس
قال بعض فقهائنا إنما فرق ابن القاسم بين الموت والسرقة في المسألة المتقدمة لأن الأجل إذا تم والعبد والدابة ميتان استحال أن يفعل فيه ما حلف عليه وفي السرقة لو أمكنه السارق من ذلك عند الأجل أمكنه هو فعل ما حلف عليه فكونها عند السارق أمر لا يعذر به لأن من أصل ابن القاسم أن الحالف ليفعلن لا يعذر بالإكراه والغلبة إلا أن ينوي ذلك
قال ومسألة الحمامات إنما لم يحنثه فيها لأن الفعل فيها مستحيل وناقض
سحنون مسألة الحمامات بمسألة الحالف ليبيعن أمة فباعها فألفيت حاملا منه وذهب إلى أنه لا يحنث الحالف على البيع إذا وجدها حاملا كمسألة الحمامات وذلك لا يلزم
ابن القاسم لافتراق المسألتين وذلك لأن الأمة غير مستحيل وطؤها لولا منع الشرع فصار منع الشرع له من البيع كمنع آدمي منعه من ذلك فهو كالسرقة فلا يعذر بالإكراه أو الغلبة كما قدمنا ونحو هذا لأبي عمران لأن إخفاء السارق له كمنع غاصب من ركوبها أو مستحق استحقها أو ربط أو سجن حتى فات الأجل
وهذا كمن حلف ليأخذن حقه من غريمه اليوم فمطله أو الدابة حتى انقضى اليوم أو مرض أو حلف ليدخلن دار نفسه فحبس عن دخولها
وخرج