احکام القرآن للجصاص-ج1-ص301
أفطر ) ولا خلاف في أنه إذا غابت الشمس فقد انقضى وقت الصوم وجاز للصائم الأكل والشرب والجماع وسائر ما حظره عليه الصوم وقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا غابت الشمس فقد أفطر الصائم ) يوجب أن يكون مفطرا بغروب الشمس أكل أو لم يأكل لأن الصوم لا يكون بالليل ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال لأنه يترك الطعام والشراب وهو مفطر والوصال أن يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل شيئا ولا يشرب فإن أكل أو شرب في أي وقت كان شيئا قليلا فقد خرج من الوصال وقد روى ابن الهاد عن عبدالله بن خباب عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الوصال قالوا يا رسول الله إنك تواصل فقال ( إنكم لستم كهيئتي إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني فأيكم واصل فمن السحر إلى السحر ) فأخبر أنه إذا أكل أو شرب سحرا فهو غير مواصل وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يواصل لأن الله يطعمه ويسقيه وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قيل له إنك تواصل فقال ( إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) ومن الناس من يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بإباحة الوصال دون أمته وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الله يطعمه ويسقيه ومن كان كذلك فلم يواصل والله أعلم بالصواب
قال الله تعالى( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد( ومعنى الاعتكاف في أصل اللغة هو اللبث قال الله( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون( وقال تعالى( فنظل لها عاكفين( وقال الطرماح
ثم نقل في الشرع إلى معان أخر مع اللبث لم يكن الاسم يتناولها في اللغة منها الكون في المسجد ومنها الصوم ومنها ترك الجماع رأسا ونية التقرب إلى الله عز وجل ولا يكون معتكفا إلا بوجود هذه المعاني وهو نظير ما قلنا في الصوم أنه اسم للإمساك في اللغة ثم زيد فيه معان أر لا يكون الإمساك صوما شرعيا إلا بوجودها وأما شرط اللبث في المسجد فإنه للرجال خاصة دون النساء وأما شرط كونه في المسجد في الاعتكاف فالأصل فيه قوله عز وجل( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد( فجعل من شرط الاعتكاف الكون في المسجد وقد اختلف السلف في المسجد الذي يجوز الاعتكاف فيه