احکام القرآن للجصاص-ج1-ص100
الثواب على العمل وقد تضمن ذلك كون بناء المساجد قربة لأنهما بنياه لله تعالى فأخبرا باستحقاق الثواب به وهو كقوله صلى الله عليه وسلم ( من بنى مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ) قوله تعالى( وأرنا مناسكنا( يقال إن أصل النسك في اللغة الغسل يقال منه نسك ثوبه إذا غسله وقد أنشد فيه بيت شعر
وفي الشرع اسم للعبادة يقال رجل ناسك أي عابد وقال البراء بن عازب خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فقال ( إن أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة ثم الذبح فسمى الصلاة نسكا والذبيحة على وجه القربة تسمى نسكا ) قال الله تعالى( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك( يعني ذبح شاة ومناسك الحج ما يقتضيه من الذبح وسائر أفعاله قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة ( خذوا عني مناسككم ) والأظهر من معنى قوله( وأرنا مناسكنا( سائر أعمال الحج لأن الله تعالى أمرهما ببناء البيت للحج وقد روى ابن أبي ليلى عن ابن أبي مليكة عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أتى جبريل إبراهيم عليهما السلام فراح به إلى مكة ثم منى ) وذكر أفعال الحج على نحو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجته قال ثم أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم( أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا( وكذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم بعرفات وقوف خلفه وهو واقف بها فقال كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام قوله تعالى( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه( يدل على لزوم اتباع إبراهيم في شرائعه فيما لم يثبت نسخه وأفاد بذلك أن من رغب عن ملة محمد صلى الله عليه وسلم فهو راغب عن ملة إبراهيم إذ كانت ملة النبي صلى الله عليه وسلم منتظمة لملة إبراهيم وزائدة عليها
قال الله تعالى( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا( فسمى الجد والعم كل واحد منهما أبا وقال تعالى حاكيا عن يوسف عليه السلام( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب( وقد احتج ابن عباس بذلك في توريث الجد دون الأخوة وروى الحجاج عن عطاء عن ابن عباس قال من شاء لاعنته عند الحجر الأسود أن الجد أب والله ما ذكر الله جدا ولا جدة إلا أنهم الآباء( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب(