پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج29-ص3

أحدها: لا تصحُّ هبة المنفعة ولا الحق ولا الكلي إذا لم يتشخص بفرد إلا إذا كان في عين محصورة كصاع من صبرة ففي صحة هبته وجه قوي وتصح هبة الدين لمن هو عليه فيكون إبراء بصيغة الهبة لعدم اشتراط صيغة خاصة في الإبراء لأنه إسقاط لما في الذمة وأعراض عنه فيسقط بما دل عليه هذا مع قصد الإسقاط في لفظ الهبة فلو قصد بها التمليك كما يقصد بالهبة فالذي تقضى به القواعد البطلان لو وقع العقد على ما لا يصح وقوعه عليه ولكن ظاهر الأصحاب حصول الإبراء به مطلقاً وكذا ظاهر جملة من الإخبار كالصحيح عن الرجل يكون له على الرجل الدراهم فيهبها له أَلَهُ إلى أن يرجع فيها قال: لا والآخر عن رجل كانت عليه دراهم لإنسان فوهبها له ثم رجع فيها ووهبها له ثم رجع فيها ثم وهبها له ثم هلك قال هي للذي وهب له واحتمال إن استعمال الهبة هاهنا بمعنى الإبراء إنما كان في الأخبار عنه لا في إنشائه بعيد مخالف للظاهر كاحتمال إن الموهوب ليس نفس ما في الذمة بل هو بعد إفرازه وتعينه لبعده عن الظاهر ولمنع الرجوع فيها بعد الهبة في الخبر وهو قرينة على أنه إبراء فاتباعهم والأخذ بإطلاقهم أجود ولا ينافي ذلك اشتراط القبض لأن ما في الذمة بمنزلة المقبوض وهل يشترط القبول في هبة الدين لمن هو عليه بناءا على اشتراط القبول في الإبراء للشك في حصول الانتقال بدونه والأصل بقاء الدين على ما كان ولأن ما شك في كونه عقداً أو إيقاعاً فالأصل كونه عقداً ولأن الإبراء لا يخلو منه فلا يتحملها من عليه الدين قهراً أو لا يشترط لإطلاق الفتوى والآيات في قوله تعالى: [ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ ] (سورة البقرة آية 237) وظاهر العفو الإسقاط من دون افتقاره إلى قبول وكذا قوله تعالى: [ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ] (سورة البقرة آية 280) بعد قوله:[ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ] (سورة البقرة آية 280) ولأن الإبراء إسقاط وأعراض لا نقل وانتقال فلا يفتقر إلى إيجاب وقبول فلا موجب للشك في كونه عقداً أو إيقاعاً ولمنع حصول المنَّة في الإبراء لأن المنّة إنما تكون فيما يستدعي طلباً وسؤالاً وأخذا وقبضا ونقلا وانتقالاً لا فيما كان إسقاطاً وإعراضاً فكان حكمه حكم التحرير للعبد وإسقاط حق الإنسان على غيره والأخير أقوى والأول أحوط وهل تصحُّ هبة الدين لغير من هو عليه لعموم أدلة العقود واطلاقات أدلة الهبة وفي الخبر المعتبر في رجل كان له على رجل مال رجل فوهبه لولده إشارة إليه أيضاً ولعدم منافاة هبة الدين لغير من هو عليه لاشتراط القبض في صحة الهبة لإمكان قبض الدين بقبض فرده الخارجي بناءاً على إن الفرد عينه أو هو بمنزلته شرعاً وعرفاً كما يصح بيع الدين ويكون قبضه بقبض فرده أو لا يصحّ للشك في صحّة الاستدلال بالعمومات للفرد المشكوك بناءاً على أنها كالمجمل أو إن التعريف فيها للعموم وكذا الاستدلال باطلاقات الهبة لانصرافها إلى المعهود من الهبة والمتعارف منها وهو الأعيان ولضعف دلالة الرواية على الجواز ولأنَّ الظاهر من اشتراط القبض هو كون نفس الموهوب مما يمكن قبضه كي يتحقّق القبض فيه بعد العقد والفرد هنا غير الكُلّي وقيامه مقامه في البيع وشبهه إنما كان للدليل من إجماع أو غيره والأول قوي إلا إن الأخير أقوى.