پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج29-ص1

الهبة والصدقة، بالمعنى الخاص، والعطية والهدية، قيل: إن الصدقة والهبة والهدية بمعنى واحد، وهو بعيد، وقيل: إن الهبة والعطية والنحلة بمعنى واحد وهو بعيد لأن الظاهر أن العطية تشمل الهبة والهدية فلا يكونان بمعنى واحد وقيل إن العطية أعم من الوقف والصدقة والهبة والهدية والسكنى وهو بعيد أيضاً أو قيل إن الهبة أعم من الصدقة لاشتراط الصدقة بالقربة دونها وأعم من الهدية لاشتراط نفل المهدي في الهدية على وجه التعظيم والإكرام وعلى ذلك فمن نذر الهبة بالصدقة والهدية ومن حلف إن لا يهب حنث بأحدهما دون العكس وهو بعيد وقيل إن الفرق بين الهبة والهدية إن الهبة تلزم الإيجاب والقبول اللفظيين والهدية أعم منها ومن الفعلين أو أنها تختص بالفعلين دون القولين والفرق بين الهبة والصدقة اقتران الصدقة بالقربة دون الهبة وإن احتاج كل منهما إلى إيجاب وقبول لفظين وهو بعيد وقد يظهر من كثير عدم افتقار الصدقة إلى العقد اللفظي وتفتقر إلى الفعلي ويظهر من آخرين إن الهبة تفيد إباحة لا تمليكاً للزوم الإيجاب والقبول اللفظيين في الهبة فيحصل بهما النقل دون الهدية فإنها لا تفيد نقلاً فلا يحل بها الاستمتاع لو كانت الهدية جارية وهو ضعيف لمنع عدم حصول النقل والانتقال بالإيجاب والقبول الفعليين ومنع عدم حصول الملك والتمليك في الهدية لجريان السيرة المعلومة والطريقة المعهودة على جريان حكم الاملاك على الهدايا ومعاملتها معاملة الملك وقد ورد عن الأئمة (() ما يقضي بذلك من أفعالهم وطريقتهم ولم تزل الهدايا تهدى من بعيد وتجري عليه أحكام الاملاك ويظهر من بعضهم نقل الاتفاق على افتقار الهبة إلى الإيجاب والقبول اللفظيين وأن ما يقع من الأفعال لا يكون هبة ولا عقداً بل يكون هدية يجرى عليه ما تقدم من الأحكام وفيه ما تقدم ويظهر أيضاً من بعضهم نقل الاتفاق على اشتراط الإيجاب والقبول في الصدقة فعلين أو قولين لأنها من العقود وفيه تأمل ونسب بعضهم لجماعة من الأصحاب انه أشترط في الصدقة ما أشترط في العقود اللازّمة وضعفه ظاهر والذي يظهر إن الهبة من العقود الجائزة فيكفي فيها كل ما يدل عليها من الألفاظ ويكفي فيها الدفع والأخذ المقترنان بالقرائن الدالة على الهبة فيكونان بمنزلة المعاطاة في عقود المعاوضة وفي كفاية الأفعال غير الدفع والأخذ من الإشارة والكتابة إذا لم يقترنا بلفظ دال عليها وجهان والأظهر عدم الاكتفاء بهما وأن تعقبهما القبض المشترط في صحة الهبة والهدية وأن الهدية قسم من الهبة تختص بنوع خاص منها وهو النقل بدون صيغة على جهة التوقير والتعظيم وأن الصدقة بالمعنى الخاص ليس من العقود بل هي من العبادات المالية كالزكاة يكفي فيها الأخذ والدفع والإشارة والكتابة مع الإذن في القبض والقبض وربما يعيّنها العزل كما يعين الزكاة وربما يدخل في ماهيتها نية دفع البلاء والسوء عن صاحبها وعلى أي تقدير فهنا مقامان:

المقام الأول: في الصدقة

الخاص بالمنع وهي تمليك عين بغير عوض على وجه القربة من دون إيجاب وقبول لفظين دالين على النقل وإن اقترنا بإيجاب وقبول دالين على التصدق والأظهر انضمام قيد منوياً بها دفع البلاء والسوء والصدقة بالمعنى العام يشمل الوقف والسكنى والحبس والوقف والصدقة بالمعنى الخاص يختص بما قدمنا والأظهر اختصاص الصدقة بالعين فلو نوى التصدق بما في الذمة واحتسابه صدقة لم يصح الإبراء مع القربة فيكون بحكم الصدقة مع احتمال جواز ذلك قياساً على الزكاة ويكفي على الظاهر نية التصدُّق عن نيّة الملك تفصيلاً وإن استلزمه ويشترط فيها نيّة القربة لما ورد إن لا صدقة إلا ما أريد بها وجه الله تعالى ولو خلت عن نية القربة عادت هدية أو تفيد إباحة للعين دون الملك مع احتمال صيرورتها صدقة فاسدة فلا يستباح بها التصرف وتصحُّ الصدقة بالعين المشاعة وبالكلي إذا كان في عين شخصيته فقبض المتصدق عليه الجميع في وجه قوي وفي صحّة التصدق بالمنفعة وجهان والأظهر العدم كما ذكرنا في البيع ويشترط في صحّتها القبض من المتصدق عليه أو وكيله أو وليه وبدونه لا يفيد لزوماً ولا صحة للإجماع المنقول ولعدم دليل على الصحة سوى عمومات العقود وهي كالمجملة وإطلاقات الصدقة وهي لا تنصرف بغير المقبوض كما قيل وللأخبار الواردة في الصدقة الدالة على ذلك كالخبر في الرجل يتصدق على ولد له قد أدركوا فقال: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ونحوه غيره ويشترط في القبض حصوله بإذن المالك لحرمة الصادر بغير إذنه فلا أثر له أو لعدم انصراف إطلاق القبض الشرط لغير المحلل وفي صحة القبض بالفضولي مع أجازة المالك ونية القربة حال الإجازة إشكال وتصح صدقة إنسان بماله عن غيره فيقع ثمرتها عن غيره ويصل ثوابها إليه أيضاً على الظاهر ولو تصدق بماله عن غيره بنية الرجوع فأجاز المتصدق عنه ففي جواز رجوع المتصدق على المتصدق عنه وجه قوي ولو تصدق بمال غيره عن صاحب المال فأجاز المتصدق عنه احتسب ثوابها وثمرتها له إلا مع اقتران نية القربة بالإجازة ولو تصدق بمال غيره