پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج28-ص7

الثاني:عدم جواز كون الموقوف عليه غير مبني على الدوام فلو وقف على من ينقرض غالبا بطل الوقف للاصل المتقدم ولاخبار وقوف الائمة ( المشعرة بشرطية ذلك وللمفهوم من لفظ الوقف شرعاً وعرفاً والمعهود وقوعه كذلك بالنسبة إلى وقوف السالفين ولاشتراطهم الدوام في الوقف عدا النادر منهم وهو مشعر بذلك والاستناد إلى عموم ادلة العقود والشروط تبين ضعفها كالاستناد إلى عموم الوقوف على حسب ما يقفها اهلها فإن التمسك بعمومه موقوف على بيانية مفرده وانه ليس على حد غيره من المجملات وهو أول الكلام في المسألة وعلى ما ذكرنا فلو نوى الوقف المشروع كان وقفاً باطلاً لأن العقود تابعة للقصود فما قصده إذا لم يقع فلا يقع ما لم يقصده نعم لو قصد الحبس بلفظ الحبس أو بلفظ الوقف أو اطلق في نيته فيهما صح حبسا لقابلية الصادر منه لذلك من غير معارض فيحمل عليه ولان استعمال الوقف في الحبس غير منكور في الشرع وقد ورد استعماله كثيرا في الأخبار وكلام الأصحاب وقد صرحت الرواية الاخيرة بصحة ذلك تصريحا مرة وتلويحا أخرى على أن الحكم بكونه حبساً وهو المشهور نقلا بل تحصيلاً ونسب لعامة المتأخرين ايضاً وحينئذٍ فالاقوى عدم بطلانه وصحته حبسا وهو أحد الأقوال في المسألة والقول ببطلانه مطلقاً ضعيف والتعليل بانه يكون من الوقف على المجهول أضعف لأنه بعد الانقراض لا موقوف عليه نعم يتجه القول به فيما إذا كان القصد نفس الوقف المؤبد وهو الثاني من الاقوال فيها والقول الثالث هو صحته وقفاً ونسب لجملة من اصحابنا ويظهر منهم صحته وقفا مع قصد الوقف ومع الاطلاق وحينئذ فالوقف دائم منه ومنه منقطع ويحتج لهم عليه بأنه نوع تمليك وصدقو فيتبع اختيار المالك في التخصيص وغيره ولاصالة الصحة وعموم الامر بالوفاء بالعقد ولان تمليك الاخير لو كان شرطا في تمليك الأول لزم تقدم المعلول على العلة ولأن الوقوف على ما يقفها أهلها ولعموم لزوم الوفاء بالعقد ولزوم القيام بالشرط وللتوقيع المتقدم الدال على صحة الوقف على من ينقرض مستدلا عليه بأن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها وللخبر في وصية فاطمة ( بحوائطها السبعة إلى علي ( ثم الحسن ( ثم الحسين ( ثم الاكبر من ولدها وفي الجميع نظر المنع جواز التوقيت في التمليك والصدقة لان المعهود من مشروعيتهما بنائهما على الدوام فلا يتبع فيهما اختيار المالك والحبس انما جاء الدليل بجواز التوقيت في التمليك به ولولاه لما قلنا به ولمنع تمشية أصل الصحة فيما يقع الشك في اشتراط شيء فيه وعدمه في اجتماع شرائط الصحة والأصل عدمها ولمنع شمول العمومات وشمول الوقوف على حسب ما يقفها أهلها للفرد المتنازع فيه لأن صدق لفظ الوقف على الفرد المتنازع فيه وكذلك اندراجه تحت لفظ العقد المعهود أول البحث ومجرد تسميته عقدا لا يكفي في اندراجه في عموم الادلة لأنها مجملة أو منصرفة للمعهود ولجواز كون تمليك الاخير شرطاً في تمليك الأول فيقع التمليكان معاً إن قلنا بملكية البطن الأخير حين العقد وإن قلنا كما هو الاظهر بامتناع تمليك المعدوم كان شرط تمليك الأول ذكر الاخير لبيان المصرف وبيان أنهم يملكون بعد وجودهم بحيث يكون الملك عن الواقف فيقعان دفعة وليس فيه تقدم معلول على علته ولمنع كون ما وقع من فاطمة صلوات الله عليها وقفا بل هو وصية ولئن سلمنا كونه وقفا فما ذكرتهم فيه تريد به النظارة على الوقف لا انهم هم الموقوف عليهم ولئن سلمنا كونهم كذلك فهي عالمة ببقائهم إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ولقوله ( :(حبلان متصلان لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) فإنه ظاهر في بقائهما ما دام لله على الناس حجة و لا ينافيه ما قيل أن افتراقهما لازم من بعد الموت إلى البعث فعدم الافتراق كناية عن الاجتماع باعتبار بقاء النفوس الناطقة أو على ضرب من المجاز ومعهما لا يفيد المطلوب لأن الرواية ظاهرة في المبالغة باتصالهما وطول زمان وجودهما ولزوم التمسك بهما واستمرارهما على الاعصار وهذا كاف في صحة الوقف وعلى ما ذكرنا من صحته ووقوعه حبساً فلابد من اجراء أحكام الحبس عليه من الالتزام بفساده لو نوى مقامه الوقف لأن العقود تابعة للقصود ومن بقاء المحبوس على ملك مالكه في كثير من الاحوال ومن بقائه على جوازه فيما إذا حبس على معين ومن رجوعه الىة الحابس بعد موت المحبوس عليه أو إلى روثته أما ورثته حين انقراض الموقوف عليه كالولاء أو ورثته حين موت الواقف مسترسلاً وتظهر الفائدة فيما لو مات الواقف عن ولدين ثم مات أحدهما عن ولد قبل الانقراض فعلى الأول يرجع إلى الولد الباقي خاصة وعلى الثاني يشترك هو مع ابن اخيه لتلقيه عن ابيه كما لو كان حيا والظاهر الاخير لبقاء المال على ملك الواقف إلى موت الموقوف عليه وإن لم يجز له التصرف قبل الانقراض عملا بمقتضى الحبس ونقل بعض اصحابنا عدم الخلاف في انتقاله إلى ورثة الواقف على القول بالحبس وبه قطع بعض اصحابنا واما على القول بوقوعه وقفا فلاصحابنا فيه قولان فقيل برجوعه إلى ورثة الموقوف عليه حين الانقراض بمعنى كونه ميراثا يرثه وارث المنقرض الاخير لانه قد ملك وبه انتهى الوقف مع احتمال أنه يرثه وارث الموقوف عليه ابتداء ويسترسل ولكنه بعيد واستدل لهذا القول بأن الوقف خرج عن ملكه فلا يعود وبان الموقوف عليه يملك الوقف فينتقل الى ورثته وفي الجميع نظر لمنع خروج كل وقف عن ملك صاحبه ولمنع ملكية الموقوف عليه له لاحتمال كونه ملكا لله تعالى ولمنع كون كل مملوك لابد من انتقاله للوارث وفي الغنية انتقاله إلى وجوه البر وقيل بانتقاله إلى ورثة الواقف على الوجهين المتقدمين استنادا إلى أنه لم يخرج عن ملكه بالكلية وإنما تناول اشخاصا فلا يتعدى إلى غيرهم والى ان الواقف على حسب ما يوقفه أهله وإنما وقفوه هنا على من ذكر فلا يتعدى ويبقى أصل الملك لهم كالحبس والى الخبر عن رجل اوقف غلة له على قرابة من أبيه وقرابة من امه واوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلة ليس بينه وبينه قرابة بثلاثمئة درهم في كل سنة ويقسم الباقي على قرابته من ابيه وامه قال جائز للذي أوصى له بذلك قلت: أرأيت إن مات الذي له قال: إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم وإن انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد إلى ما يخرج من الوقف وهذا القول جيد للاستصحاب ولما تقدم من منع خروج الوقف غير المؤبد عن الملك ولهذه الرواية المجبورة بالشهرة المحكية بل المحصلة سنداً ودلالة والمعتبرة بوجود صفوان في سندها وبنقل بن زهرة بان على مذهبهم رواية وينقل الخلاف عليه روايات وبمجموع ذلك يحصل الظن بأن الثلاث مئة درهم وقعت شرطا في الوقف فعند انقطاع المشروط له عادت لورثة المشروط دون ورثة المشروط له و دون الموقوف عليهم و لا فرق بين المال المشترط من الموقوف و بين الموقوف نفسه ثم ان ما تقدم كله انما هو فيما إذا انقرض الموقوف عليه و لو لم ينقرض فلا شك في بقائه سواء قلنا انه حبس أو وقف الا إذا قلنا ببطلانه ابتداءً فلا شك في بقائه على ملك الواقف ثم ان القائلين بكونه وقفا يشكل عليهم بما إذا قصد الواقف المؤبد فان صيرورته وقفا قهرا مشكل جدا لان الوقف يكون عندهم قسمين منقطع و غير منقطع فتعين أحدهما مما ينافي وقوع الاخر.

الثالث:منها كون العين مما ينتفع بها مع بقائها لفتوى الأصحاب و الاجماع المنقول في الباب و للشك في صدق الوقف على ما لا ينتفع به الا بذهاب عينه و لاخبار الائمة ( المشعرة باعراضهم عن وقف ذلك و الفرد المشكوك في كونه مما يبقى كذلك أو عدمه احتمل البطلان به لعدم احراز الشرط و احتملت الصحة استصحابا لبقائه و لو كان مما ينتفع به مع بقائه الا انه قصير لاأمد له كوقف بعض النباتات للشم مع سرعة زوالها فلا يبعد جوازه و لو كان الشيء مما يضمحل بالانتفاع تدريجا و لكن ليس المقصود ابتداء اتلافه جاز وقفه.

سادسها:يشترط في الوقف التنجيز بمعنى أن لا يعلق على امر مشكوك وقوعه وعدمه كقدوم الحاج وادراك الغلة ويشترط فيه مقارنة اثره لوقوع صيغته فلا يصح وقفت غداً واذا هل الهلال وبالجملة فلابد من مقارنة الانشاء والمنشأ من الملك والتمليك والأثر والتأثير لنفس الصيغة فلو أخر واحداً منها فسد الوقف للشك في صحته واندراجه تحت قوله ( : (الوقوف على حسب ما يقفها أهلها ) واندراجه تحت المعهود من العقود ولابد فيه من الجزم فلو علق على شرط أو صفته متوقعين فسد وكذا لو ورد بين وقفين أو ايجابين أو قبولين أو بين موقوف عليهم اثنين أو بين موقوفين أو بين موقوفين على موقوف عليهم اثنين على تقديرين أو بين حبس ووقف فسد كذلك ولو علق على شرط واقع حين العقد أو صفته كذلك وكان العاقد عالما بوقوعه صح كوقفت عليك إن طلعت الشمس وهو عالم بطلوعها لعموم الادلة وخصوصها من غير معارض وربما يدعي الاتفاق على صحته و لا يجوز اشتراط الخيار في عقد الوقف فلو اشترط فيه الخيار فسد و لا يدخله خيار فوات الشرط لانه من العبادات النافذة فلا يعود نعم بلزم الشرط لعموم الادلة كما سيجيء إن شاء الله .