انوار الفقاهة-ج27-ص11
سادس عشرها:لو أراد المستودع السفر بعيداً أو قريباً شرعياً أو عرفياً جاز له كما هو ظاهر الفقهاء ولا يلزمه الامتناع للأصل ولما ورد عن النبي (() أنه لما أراد الهجرة سلم الودائع لأم أيمن وأمر علياً (() بردها والظاهر بل المقطوع به أن أهل الودائع لم يأذنوا له بالسفر ولا بالإيداع ومثل السفر أيضاً التردد في محال البلد وحدودها فلا يجب على الودعي المقام عند الوديعة ونطارتها ما لم يخش عليها عادة في ذهابه عنها الذهاب للأصل ولقضاء السيرة بذلك وبالجملة فالواجب معاملة الوديعة معاملة صاحب المال الحريص عليه ولا يجوز للمستودع اصطحابها معه في السفر من غير عذر لأن السفر بها تعد وتغرير سواء كان الطريق مأموناً أو مخوفاً بل يجب عليه ردها إلى المالك أو وكيله فإن لم يمكن فإلى الحاكم لأنه الولي العام في مثل هذا المقام فإن لم يمكن أودعها عند من يوثق به مع الإشهاد مهما أمكن الإحتياط عليها وفي الخبر المتقدم ما يدل على جواز الإيداع فإن لم يمكن ذلك دفنها في بلده وأوصى بذلك من يأمنه ويثق به ولا يجوز دفنها سراً لتأديته إلى تلفها واضمحلالها عند موته وشبهه وإن خاف عليها من الإبقاء في البلد من حرق أو نهب أو غرق وأمن عليها في السفر لزمه اصطحابها معه في السفر لوجوب حفظها عليه ولا يتم إلا به وكذا لو كان خطر السفر أقل من خطر الحضر ولو تساوى في الخطران رجح خطر الحضر لأن السفر في نفسه مظنة الخطر زيادة على الحضر ولو لم يمكنه السفر بها أو كان عليها خطر في السفر ولم يمكنه في الحضر تسليمها إلى المالك أو من بحكمه ولا إلى الحاكم ولا إيداعها من المأمون حرم عليه السفر ووجب عليه البقاء لحفظها لوجوب ما لا يتم الواجب إلا به والأحوط ثبوت الضمان عليه لو سافر بها من غير ضرورة إلى السفر ولم يكن في إبقائها خطر عليها ولكن لم يجد من يبقيها عنده ولو استودع الوديعة مسافراً كان حالها حاله إلى أن يرجع من سفره وفي حكمه في سفر آخر وجهان أحوطهما عدم السفر بها هذا كله مع الإطلاق وأما مع الإذن فحكمها تبعية الإذن فلو أذن له بإصطحابها في السفر جاز وكما ولا يجوز السفر بالوديعة اختياراً كذلك لا يجوز التردد بها في الطرق والأسواق إذا كانت مما يوضع في مكان خاص أما لو كان مما بنى على النقل والإنتقال أو ما توضع في الجيب ونحوه جاز .
سابع عشرها: لو أودع الوديعة عند غيره من دون إذن المالك ضمن من غير خلاف سواء في ذلك البعيد والقريب والزوجة وغيرها إلا إذا أراد السفر ولم يمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله أو إلى الحاكم أودعته للإيداع ضرورة كالخوف عليها من نهب أو حرق أو كان الرجل ممن تجري عادته بعدم تولي مفتاح الصندوق أو الغرفة أو عدم اختصاصه بمكان خاص عن عياله بحيث لا يدخل عليه أحد منهم وكان المودع عالماً بذلك أو يكون المستودع قد أعلمه بذلك جاز حينئذ الإيداع عند الغير والمشاركة معه فيها وتسليط غيره عليها على ذلك النحو المذكور ولو لم يمكن حفظ الوديعة إلا بلبس الثوب أو النوم على الفراش أو الركوب على الدابة لزم ذلك ويتولاه المستودع ولا أجرة عليه للمودع لو فعل ذلك ولو لم يفعل ضمن .
ثامن عشرها:لو قبض المستودع الوديعة ابتداءً بقصد الخيانة أو قصد الخيانة في الأثناء واحتمل القول بلزوم الضمان مطلقاً لعموم على اليد مع الشك في الخروج عنه للشك في صدق الوديعة الشرعية ابتداءً أو استدامة مع قصد الخيانة عليها واحتمل العدم لصدق الوديعة عرفاً عليها ومنع تسميته خائناً بمجرد النية ومنع لزوم الضمان للخيانة مطلقاً إذا لم يصدق عليها اسم التعدي والتفريط.
تاسع عشرها: التفريط سبب في الضمان ولو لم تتلف الوديعة به فعلى ذلك لو ترك سقي الدابة وعلفها على النحو المعتاد ضمن الدابة سواء ماتت بترك السقي أو غيره وسواء ماتت في زمان يموت مثلها عادة بترك السقي فيه أو في أقل منه ويظهر من بعضهم اشتراط الضمان بأن تموت بنفس الترك في زمان يموت مثلها فيه بتركه حتى أنها لو ماتت قبل المدة التي يموت مثلها فيها بالترك لم يضمن ولو لم تمت مع مضي تلك المدة ضمن النقصان وهو محل نظر وتأمل.