انوار الفقاهة-ج27-ص8
حـادي عشرها: يجب رد الوديعة إلى المالك عند المطالبة بمعنى رفع يده عنها والتخلية بينه وبينها للإحماع والآية والأخبار ومنها فيمن استودع آخر وهو خارجي شيطان ولم أدع شيئاً فقال قل له يرده عليه فإنه ائتمنه بأمانة الله تعالى وفي آخر دال على لزوم رد الوديعة ولو إلى قاتل ولد الأنبياء وفي ثالث ولو كان سيف قاتل علي (() ويفهم منها أنه لا يتفاوت في وجوب الرد بين كون المال لمسلم أو كافر حربي أو غيره ولا ينافي ذلك كون مال الحربي فيئاً للمسلم للزوم تخصيص ذلك بالوديعة أو الحكم بكونه للمسلم ومع ذلك فيجب رده على الكافر وأوجب بعضهم رد وديعة الحربي إلى سلطان المسلمين وهو ضعيف وظاهر الأصحاب لزوم الرد فوراً وناقشهم بعض المتأخرين لعدم عموم دلالة الأمر على الفور وهو ضعيف وذلك لأن المقتضى الفور ليس مجرد الأمر بل هو حرمة وضع اليد على مال الغير في جميع الأزمان خرج زمن الفور وبقي الباقي ويراد بالفور الفور العرفي فلا يجب على المستودع الركض والسرعة في المشي على غير النحو المعتاد ولا يجب عليه قطع الفريضة أو ترك ما يضر بحاله تركه عادة أو شرعاً فلا يجب عليه قطع النافلة ولا قطع الحمام ولا قطع الأكل والشرب ولا المسير في المطر والاحتياط غير خفي وهل تفسد العبادة الموسعة عند فعلها بوقت المطالبة يبني على أن الآمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده الخاص أم لا وقد يقال على القول بالإقتضاء يعدم فساد العبادة للسيرة الدالة على عدم الفساد وللزوم العسر والحرج لو قلنا بالفساد وهل الاشهاد على المودع في رد الوديعة عذر عن الفورية مطلقاً أو ليس بعذر مطلقاً أو التفصيل بين ما يكون أخذها بالإشهاد فيكون التأخير إليه عذراً أو بين ما لم يكن فلا يكون عذراً والأوجه أنه في الوديعة ليس بعذر لتصديق قول الودعي في الرد دون غيره إلا أن يقال إن الإشهاد لدفع ضرر اليمين ولو صادقاً ومثل الإشهاد علم الناس بها.
ثانـي عشرها: لو نهى المالك صريحاً عن جعل الوديعة في مكان معين لزم اتباعه وضمن المستودع بمخالفته سواء كان مساوياً أو أحرز وفرق بين النهي الصريح والنهي الضمني التابع للأمر بوضعها في مكان معين حيث أحتملنا أن نقلها إلى المساوي أو إلى الأحرز لا يوجب ضماناً بل ربما ادعى الإجماع على أن نقلها إلى الأحرز جائز وغير موجب للضمان وإن كان لا يخلو عن مناقشة هذا كله إن لم يخف على الوديعة من التلف جزماً ناشئاً عن علم أو ظن متاخم أو مطلقاً بل لا يبعد حتى مع الشك لصدق الخوف معه عرفاً فإن خاف جاز النقل بل وجب على ما يظهر من جملة من الأصحاب ولو مع النهي الصريح ولا ضمان حيث فهم من نهيه أن المقصود منه الحفظ أو لم يفهم شئ من ذلك فإن نهاه عن النقل مع التصريح بأنه ولو مع الخوف فهل يجوز النقل لبطلان نهيه لأنه بمنزلة السفه ومؤدٍ إلى إضاعة المال المنهي عنها فيلغو ويجب لوجوب حفظ المال المحترم كما يظهر من جملة من الأصحاب أو لا يجوز لأنه تصرف بمال الغير مع نهيه عنه والأقوى الأول وهو ظاهر الفقهاء وعليه فلا ضمان لو نقل أما لو لم ينقل فتلف فالظاهر أنه لا ضمان كذلك لسقوط احترام المال بإسقاط صاحبه له ولو احتاج النقل إلى أجرة لزم دفعها على المستودع حين وجوبه عليه وهل يرجع بها على المودع مع نية الرجوع مطلقاً أو يرجع على عدم النهي عن النقل لا معه وجوه أقواها الأخير للأصل وأما كونه محسناً وما على المحسنين من سبيل فموهون بنهي المالك نعم في غير صورة النهي يكون محسناً وتحمل الأجرة عليه ضرر منفي وله الرجوع حينئذ وهل يجب مع النقل كونه إلى الأحرز أو إلى المساوي أو يجوز ولو إلى الأدنى وجهان من لزوم الاقتصار في التصرف بمال الغير على المقطوع به ولأنه بمنزلة الوكيل في اتباع الأصلح ومن الأصل واستواء الأمكنة في الحرز كما إذا قبل الوديعة ابتداءً فإنه لا يجب عليه تحري الاحرز وهذا الأخير أقوى.