پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج26-ص31

سادسها:يشترط في الرضاع المحرم كون اللبن لفحل واحد لخبر زياد بن سوقة المعوّل عليه بين أصحابنا ولفتوى المشهور وللاجماع المنقول ويراد بهذا الشرط أحد معان ثلاث إما بأن لا يشترك الفحلان في اللبن بأن ينسب اليهما دفعه واحدة يتسبب عنهما كما لو فرض كون اللبن للأول ثم حملت من الثاني فزاد اللبن زيادة بحيث حصل القطع بكونها من الثاني فانه لا ينشر حرمة ولو أكملت منه نصاباً أو نصابين وإما بأن لا يشترك الفحلان في نصاب واحد كما لو ارضعت يوماً بلبن فحل ثم أرضعت الليلة بلبن فحل آخر كما إذا ولدت أول الليل من الفحل الثاني أو أرضعت عدداً من الرضعات من الفحل ثم أكملتها من الفحل الثاني ويتصور كل منهما فيما إذا كان الوطء شبهة فكان ما قبل الوضع من اللبن للأول وما بعده للثاني وهذا لا ينشر حرمة أيضاً بين الولد والفحل ولا بين الولد والمرضعة وأما بأن لا يرتضع أجنبيان من لبن فحلين بحيث يرتضع كل واحد بلبن غير لبن الآخر فإنه لا يحرم أحدهما على الآخر وان أكمل كل واحد منهما النصاب من امراة واحدة ولو ارتضع هذان الاجنبيان من لبن فحل واحد بحيث أكمل كل واحد منهما النصاب من حرم أحدهما على الآخر سواء ارتضعا من إمرأة واحدة لذلك الفحل أو من امرأتين له كل واحد من إمرأة له غير الإمرأة الأخرى وسواء كان رضاعهما دفعة أو على التعاقب وسواء كانا مع ولد أم ولدين وهذا معنى قولهم اللبن للفحل ويدل على هذا الاخير خصوصاً ما روى في الصحيح عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام ايحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة فقال إن كانت الإمرأتان رضعتا من لبن إمرأة واحدة من لبن حيث دلت على أن التي رضعت مع أمه من الرضاعة بلبن فحل آخر ليست خالته ويجوز له تزويجها وفي (الموثق ) عن غلام رضع مع امرأة أيحل له أن يتزوج أختها لابيها من الرضاع فقال لا قد رضعتا جميعاً من لبن فحل واحد فقلت هل يتزوج أختها لأمها من الرضاعة فقال لابأس بذلك إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير الفحل الذي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس وفي الصحيح في تفسير قوله ((): (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد إمرأة أخرى من جارية أو غلام )، فذلك الرضاع الذي قال رسول الله ((): (وكل إمرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام )، فإن ذلك ليس الرضاع الذي قال رسول الله (() وظاهر هذه الرواية الأخيرة اختصاصها بارتضاع الصبي من لبن فحلين حيث نفى عن هذا الرضاع نشر الحرمة مطلقاً سواء كان بين المرتضعين أو المرتضع والفحل أو هو والام وأقرباؤها و لا يكون ذلك الا بحملها على تلك الصورة الخاصة وحينئذ فواحد بعد واحد مفعولان لكانا لا لارضعت لاستلزامه ما لا نقول به ونقل عن الطبرسي (() وتبعه بعض المتأخرين إلى حصول التحريم بين المرتضعين من لبن امرأة واحدة وإن ارتضع كل واحد منهما بلبن فحل غير لبن الفحل الآخر عملاً بعموم أدلة تحريم الرضاع كقوله تعالى: (وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ( وقوله (() يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وإخوة الأم محرمة في الرضاع فلتحرم من النسب وما روى عن الرضا (() قال ما تقول أصحابك في الرضاع قلت كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جائتهم الرواية عنك أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك فقال لي وذلك أن أمير المؤمنين سالني عنها البارحة فقال اشرح لي اللبن للفحل وأنا أكره الكلام فقال كما أنت حتى اسألك عنها ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد فارضعت واحدة منهن بلبنها غلاماً غريباً أليس كل شيء ومن ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرم على ذلك الغلام قلت بلى فقال أبو الحسن (() فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الأمهات وإنما حرم الله الرضاع من قبل الأمهات وإن لبن الفحل أيضاً يحرم وهو ضعيف لتخصيص العمومات بالاخبار والإجماع المنقول المعتضدة بفتوى المشهور ولأن العمومات والمطلقات هاهنا بمنزلة المجملات فلا يصح الاستناد إليها بنفسها وأما الرواية فمحمولة على التقية لنسبة عدم اشتراط اتحاد الفحل بهذا المعنى إليهم بل ربما ظهر من الرواية ذلك وحينئذٍ فما صنعه بعض المتأخرين من حمل تلك الأخبار على التقية دون هذا الخبر ضعيف هذا كله في المرتضعين الاجنبيين وأما أولاد المرضعة من النسب فالرضاع ينشر الحرمة بينهم وبين المرتضع من لبن أمهم وإن كان لبن الفحل مختلفاً لصيرورتهم كالاخوة من الأم ولعموم أدلة الرضاع خرج منها المرتضعان الأجنبيان وبقي الباقي ولموثقة جميل بن الدراج عنه (() قال إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شيء من ولدها وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه وإذا أرضع من لبن الرجل حرم عليه كل شيء من ولده وإن كان من غير الامراة التي أرضعته وكذا أمها من النسب وأخواتها منه وجداتها وعماتها وخالالتها وكذا أمهاتها من الرضاع وعماتها وخالاتها منه وكذا أخوة الفحل نسباً ورضاعاً وكذا أمهاته وعماته وخالاته نسباً ورضاعاً وخالف العلامة في القواعد فنفى نشر الحرمة بين المرتضع وبين من انتسبت إليه المرضعة بالرضاع من الأمهات والعمات والخالات أوأنتسب إليه الأب من العمات والأمهات والخالات على جهة الرضاع لعدم اتحاد لبن الفحل وكذا الرجال بالنسبة إلى الانثى وذلك لأن الجامع بين المرتضع وبين من ارضعت من أرضعته أو بين من أرضع بلبنه من أرضعه بلبنه هو اللبن الحاصل من كل منهما والمفروض أن اللبن الحاصل منهما مختلف لأن كل واحد منهما ناشيء عن فحل غير الذي نشأ الآخر منه وتبعه على ذلك المحقق الشيخ علي (() وأيده بأن عمومات أدلة الرضاع وإن اقتضت أن أم المرضعة من الرضاع جدة وعمتها وخالتها عمة وخاله وهكذا لا بالنسبة إلى الفحل إلا أن ما ورد من اشتراط اتحاد لبن الفحل خاص والخاص مقدم على العام كما أن المرتضعين من الأجنبية كل منهما ولدها وبموجب ذلك تتحقق الإخوة بينهما فينبغي تحريم كل منهما على الآخر ولكن اشتراط اتحاد الفحل قضى بعدم انتشار الحرمة بينهما لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى وما ذكراه ضعيف جداً مخالف لظواهر فتاوى الأصحاب وعمومات الأدلة وما ذكره المحقق من الشرط المذكور وإن كان خاصاً كما أدعى إلا أنه لم يثبت عمومه لتلك الأفراد وعدم إمكان تخلفها عن ذلك الشرط غالباً بل هو وارد فيما يمكن الاتحاد الفحل فيه لعدم اتحاده غالباً وهم الإخوة من الرضاع دون غيرهم كما هو المذكور في الروايات وكلمات الأصحاب وكان السر فيه أن الأصل في تحريم الرضاع هو التحريم في النسب وفي النسب قد تكون أُخت أخت الغلام أو أخت أخيه غير محرمة عليه إذا كانت النسبة مختلفة من جهة الأم ومن جهة الأب فاعتبر اتحاد الفحل في الرضاع كي لا تختلف النسبة إذ الفحل في الرضاع بمنزلة الأب في النسب وهذا بخلاف الجدودة والأمومة فإنه لا يصح فيهما ذلك لأنهما سبب في التحريم على الإطلاق.