انوار الفقاهة-ج24-ص53
الثالثة عشرة:قاعدة الإحسان جاء بها الدليل على أن ما على المحسنين من سبيل وظاهره نفي الإثم والضمان ويدور الإحسان مدار الواقع وإن كان واقعاً للإثم لو كان بحسب نظر المحسن فقط كما يظهر من قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة البقرة الآية (195) سورة المائدة الآية (13) وقال: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ) سورة الأسراء الآية (7) وقال: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) سورة القصص الآيه (77) إلا أن بينها وبين عموم على اليد ما أخذت حتى تؤءدي ومن أتلف مال غيره فهو ضامن عموم من وجه فلا بد للفقيه من النظر في العمومين عند اجتماعهما في مورد واحد كي ينظر إلى ترجيح أحد العاملين على الآحر أما بالأخبار أو بالإجماع أو بفتوى المشهور أو بإخراج المتلف عن وصف الإحسان الواقعي فيشمله دليل الضمان من غير معارض ويترتب على ذلك أمور منها أن من تولى مال الأيتام والمجانين مع بعد الحاكم وتولى حفظهما وتنميتهما بنية الرجوع بالاجرة على ما لهم جاز له ذلك ونفذت تصرفاته وأخذ الأجرة أوأكل بالمعروف ولو تلف شيء تحت يده فلا ضمان عليه ولو أتلفه بيده من غير تعد فوجهان ومنها لو خيف على مال الغائب من التلف ولم يمكن الرجوع إلى الحاكم جاز حفظه وإصلاحه ولو بنقل بعض عينه أو كلها منفعة أو عيناً ونفدت تصرفاته ولو نوى الأجرة جاز له أخذها ولو تلفت تحت يده فلا ضمان ولو أتلفه من غير تعد بيده فوجهان ومنها أن الودعي لو ادعى الرد قبل قوله فيه على الأظهر لانه محسن لقبوله الوديعة ومنها أنه لو أكره على واجب أو ترك محرم فتسبب من ذلك تلف مال أو نفس لم يكن المكره فاعلهما فلا ضمان عليه ومنها أنه لو بنى مسجداً وقنطرة أو حفر بئراً للمسلمين فتسبب عن ذلك تلف نفس أو مال بوقوع حائط أو سقف لم يضمن ومنها أنه لو تصدق بمجهول المالك لم يضمن لو لم يظهر صاحبه وكذا اللقطة وإن ظهر ضمن إن لم يرض بالصدقة للنص ومنها أن اللقطة لو قبضها للتعريف وكذا الأمانات الشرعية لا يضمنها إذا تلفت بيده من غير تعد ولا تفريط ومنها أنه لو دفع بنية الرجوع مالاً لتخليص مال الغائب من يد الغاصب كان له الرجوع عليه في وجه لقوله: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) (الرحمن:60) ومنها أنه لو انقذ غريقاً بمال حيث لا يمكن مباشرته جاز الرجوع عليه به وجه.
الرابعة عشرة:قاعدة العدوان ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) سورة البقرة الآية (194) (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) سورة الشورى الآية (40) وبين هذه القاعدة وقاعدة المحرمات عموم من وجه فلا بد من الترجيح فما تقدم فيه القاعدة المقاصة في الأموال والقصاص في الأنفس والجروح وبلزوم الاقتصاد على المثل إلا إذا توقف التوصل إليه على إتلاف شيء أو قبض زائد فيأخذ حقه ويرد الزائد ولا تجري القاعدة فيما قوي عليه من المحرمات فلا يسب من سبّه ولا يزني بمن زنى به أو يستغيب من يستغيبه أو يهجوه والذي يظهر أن الإحسان والعدوان واقعيان نعم لو فعل الإحسان بزعم العدوان لم يترتب عليه أحكام الإحسان ولا العدوان ولو فعل العدوان بنية الإحسان لم يترتب عليه أحكام العدوان ولا الإحسان.