انوار الفقاهة-ج24-ص40
الرابع والسبعون: يحرم التكسب (بالولاية) من حكام الجور في غير ما أستثنى مما تحل فيه الولاية كما يجوز التكسب بالولاية من حاكم العدل في غير ما وجب كفاية مطلقاً غير ملاحظ فيه العوض وتفصيل القول في الولاية أن الولاية في القضاء والأمور العامة العائدة إلى مصالح الأيتام والمجانين والقاصرين والغائبين والسياسات ومجاهدة الكفار والمخالفين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخذ السنن وأموال الزكاة والخراج ومجهول المالك كلها إذا كانت من الإمام (() أو من نائبه الخاص والعام فلا بأس بها والغالب ندبها وربما تجب عيناً مع طلب امام الأصل شخصاً خاصاً لخصوصية فيه أو لعضة انحصر المأمور به في شخص خاص فإنها تجب عيناً ويجب السعي في تحصيل مقدماتها لأنها من الواجب المطلق لا المشروط الذي لا يجب السعي فيه وبالجملة فوجوب أثادها مطلق كالأمر بالمعروف والقضاء ونحوه فتجب مقدمة لتلك لأن تلك لا تجب إلا على المتولي فبدون الولاية لا يجب عليه شيء فالولاية كالقدرة لا يجب تحصيلها لأن الظاهر أن تلك واجبه مطلقه فلو توقفت على الولاية لوجب تحصيلا لها فهي مقدمة وجود لا وجوب وأن لم يتمكن منها إلا بها ويجوز للناصب أن يعزل المنصوب سواء نصبه عن نفسه أو عن الإمام (() نعم لو نصبه عن الإمام لم ينعزل بموت الناصب ويجوز لحاكم أن بعزل منصوب حاكم أخر قد نصبه عن الإمام ولو نصبه عن نفسه فوجد الأخر فيه فساداً جاز عزله مطلقاً والفرق بين الولاية والوكالة ذكروا أن الولاية منصب يبنى على سلطنة التصرف والتفويض واستبداده بالأمر والنهي بخلاف الوكالة في الجميع وأما الولاية عن الحاكم الجائر عموماً أو خصوصاً بحيث يتعلق في خاص محلل وكقبض بعض الحقوق او في خصوص الأيتام أو الخراج أو القضاء لأهله أو الأمر بالمعروف أو خاص محرم ومحلل أو عام بحيث يختص بالمحلل أو عام بحيث يشمل المحرم والمحلل معاً أو بحيث لا تتعلق في أمر من الأمور بل مجرد اسم لتحصيل السمعة والإعتبار من غير أصدار أثر من الأثار فلاصحابنا فيها اضطراب لا ضطراد الأخبار وما صدر من الأئمة الأطهار (() فمنهم من يرى أن الولاية محرمة بنفسها ذاتاً سواء صدرت عنها آثار محرمة أو محللة سوى ما أوجبها الاضطرار من تقية أو كانت هناك مصلحة تزيد على ما فيها من القبح الذاتي ومنهم من جعلها محللة في محلل ومحرمة ولو كانت في محرم ومنهم من جعلها محرمه فيما لو اشتملت على محرم ومحلل ويظهر من بعضهم أنها محرمة من جهة ومحللة من جهة أخرى ويظهر من بعض أنها تنقسم بأنقسام الأحكام الخمسة فتجب لو توقف الواجب عليها ومندوب لو كانت لآثار مندوبة وتباح لو كانت لأثار مباحة وتكره لو ترتبت عليها آثار مكروهة وتحرم لو ترتبت عليها آثار محرمة ويظهر من بعض أنها مكرره في المباح والمكروه ومنهم من جعلها مندوبة فيما لو توقف عليها واجب لسقوط الوجوب قبلها لأنه واجب مشروط بها فهي مندوبة للترغيب عليها وبعد حصولها يجب أداء الواجبات ويظهر من بعض أنها مباحة إذا أمن المحرم وحرام إذا لم يأمن من ارتكاب الحرمة ومكروهة عند عدم الظن بالوجود والعدم ويظهر من بعض أنها مندوبة إذا أمن الدخول في المحرم وقدر على الأمر بالمعروف لوجوبها بحسب القاعدة ولكن رفع الوجوب نواهي الدخول في أعمالهم والركون أليهم فلا أقل من الندب وبعض أحتمل إن الندب جاء من تعارض نواهي الدخول في اعمالهم والأمر بالبعد عنهم وفي وجوب الأمر بالمعروف فيحكم بالتخيير ويدل على الندب ما جاء في الترغيب لها في جملة من الأخبار وأما الأخبار فمنها ما تدل على الحرمة الذاتية للولاية المنجبرة بظاهر الأية الناهية عن الركون إليهم والناهية عن المودة لمن حاد الله والمؤيدة بالاعتبار لأشتمالها على التذلل والخشوع والخضوع والتبعية والركون والتقويم وأعلاء الشأن والرفعة والتبعية لمن يجب نفي ذلك عنه مع الامكان نعم يتضاعف الاثم بتضمنها ظلم الرعية في نفوسهم واعراضهم واموالهم وادخال الرعب عليهم فمن الاخبار خبر (تحف العقول) المتضمن لحرمة الولاية من الوالي الجائر وولاية الرئيس منهم واتباع الوالي والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية منهم لأن كل شئ له جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر وذلك لان في ولاية الوالي والجائر ودروس الحق كله واحياء للباطل كله واظهار الظلم والجور والفساد وابطال الكتب وقتل الأنبياء وهدم المساجد وتبديل سنة الله تعالى وشرائعه فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرر نظير الضرورة إلى الدم والميتة والخبر الآخر (من سود آسمه في ديوان ولد السابع حشره الله تعالى خنزيراً) والخبر الثالث (يا زياد لان اسقط من شاهق فأنقطع قطعة قطعة أحب إلى من أن أتولىّ لأحد منهم عملاً أوأطأ بساط رجل منهم وفيه إلا لتفريج كربة مؤمن أو فك أمره أو قضاء دينه) يا زياد إن أهون ما يصنع الله عز وجل بمن تولى عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله تعالى من حساب الخلائق وهو عام لجميع الأعمال ولو من غير الولاية كقضاء حوائجهم والسعي في أمورهم والخبر الرابع في من طلب من أبى عبد الله(() أن يسعى له في الولاية من بعض هؤلاء طلباً للمعاش وقد حلف له بالطلاق والعتاق أن لا يظلم أحدا وانه يعدل فأجابه (() (تناول السماء ايسر عليك من ذلك )والخبر الخامس المتضمن للنهي عن الدخول في إعمالهم وان أحدا لا يصيب من دنياهم شيئاً إلا اصابوا من دينه مثله وما دل على أن المنصب منصبهم والولاية لهم وان غيرهم قد غصبهم حقهم ووضع نفسه في مواضعهم ومراتبهم التي رتبهم الله فيها وهذه الأخبار بعمومها تدل على حرمة الولاية بنفسها وعلى حرمتها ولو اقتصر المتولي على الأعمال المحللة فيفهم منه بطريق أولى حرمة ما لو كانت محرمة أو مختلطة كالذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وتدل على حرمة الولاية لمن لم يأمن على نفسه من الوقوع في المحرم بطريق أولى أيضا ومنها ما تدل على جواز الولاية لتفريج كربة مؤمن أو فك أمره أو قضاء دينه بناءً على رجوع القيد في الخبر المتقدم لا تولي وما بعده وفيه دلالة على جوازها مطلقا لاستبعاد ان تكون محرمة الذات فتحل لقضاء دين المؤمن ومنها ما يدل على جوازها مطلقاً كالخبر: (ما يمنع ابن ابي سلمان ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطى الناس) واخبار الاعتذار عن الرضا (() في قبول العهد بولاية يوسف حيث قال: (اجعلني على خزائن الأرض) ونقل الاجماع عن الراوندي ان الولاية جائزة اذا تمكن المتولي من ايصال الحق إلى مستحقه ومنها ما تدل على الحث والترغيب فيها اذا كان فيها دفع مضلمة أو اصلاح شئ من أمور المسلمين وادخال السرور على المؤمن وان الولاة وشبههم من الداخلين معهم امناء الله في ارضه وهم المؤمنون حقاً ويزهر نورهم لاهل السماوات كما تزهر الكواكب الزهرية لاهل الأرض تضيء منهم القيامة وخلقوا للجنة وخلقت الجنة لهم ومنها ما يدل على أن الدخول في أمرهم مكروه وقليله خير من كثيره وفيه أنه لو دخل لإدخال المكروه على عدو الإمام لكان اجراً وثوابا وخلاصة القول في ذلك أن الولاية في نفسها اختياراً من غير اضطرار ولا كره و إجبار وان لم يترتب عليها اثر عام أو خاص بحيث تسمى ولاية عرفاً بحيث يلبس عليها خلعة أو يدفع له خرجاً محرمة على فاعلها لأنها من أعظم الركون وأشد شيء في القرب وتعظيم الشعائر لهم وتكثير السواد وكله ممنوع عقلاً ونقلاً كتاباً وسنةً وإجماعاً وتشتد حرمتها لو كان القصد بإظهار الولاية جلب الدراهم من الخلق لأنهم لو عرفوا ذلك منه دفعوا إليه أموالهم رغبة ورهبة وأكرموه وعظموه وأشدّ من ذلك حرمة ما لو قصد بها الوصول إلى المحرمات من قتل ونهب وسبي ونحو ذلك سواء تخلص قصده لذلك أو قصد معها بعض المباحات والطاعات واحتمال انها تكون بمنزلة و لا يتين مستقلتين محرمة ومحللة فيجري على كل حكمها ضعيف لأنها واحدة قد نهى عنها لدخول المحرم فيها فلا تكون مأذوناً فيها ويلحق بذلك من لم يقصد المحرم ولكن لم يعتمد على نفسه بتركه ولم يأمن من نفسه الوقوع فيه لو عرض له ذلك والظاهر أن حكمه حكم من قصد المحرم لأنه بمنزلة من أعد نفسه لفعله هذا كله في ولايته وأما العمل الصادر منه فإن كان حراماً فلا كلام في اشتداد حرمته حيث أنه قد أسنده لولايته فهو إن اعتقد شرعيته فهو مشرع حقيقة وإلا فهو مشرع صورة لأنه قادم على الفعل له عليه سلطنة وله سلطان فيه وإن كان حلالاً فإن نوى ذلك يسلطانه وولايته كان مشرعاً أيضاً أما حقيقة أوصورة وإن كان لا بنية ذلك كان حلالاً ما لم يكن ذلك الحال لا سلطان له على فعله كقبضٍ مجهول المالك ومال الغائب واليتيم ومثله الخراج على الأظهر لأن الخراج وإن وجب دفعه لكنه يحرم على المدفوع إليه ما لم يكن حاكماً شرعياً أو وكيلاً عنه بل يحرم على وكيل الجائر قبض الخراج ما لم يكن بطيب نفس الدافع نعم لو أجاز الحاكم الشرعي هذه الأفعال بعد صدورها موافقة لرأيه صحت وارتفع ضمان الفاعل لها وبالجملة أن المتولي لو فعل الحلال بنية أنه عن الولاية كالقضاء والأمر بالمعروف وسياسة المسلمين ونظام أمور الدين كان مشرعاً ومنهي عما فعل وإن كان صحيحاُ في غير العبادات مع احتمال أن النهي إنما يتسلط على الولاية دون الفعل ونية أن الفعل منها يكون لاغية فلا تؤثر تحريماً فيه وهذا كله فيما لو كان الفاعل مختاراً في ولايته ابتداءً واستدامة أما لو كان مختاراً في الابتداء مقهوراً في الاستدامة فوجهان من أن (ما) بالاختيار لا ينافي الاختيار لأنه باختياره صار منهم وملك زمامه لهم ومن أنه الان مقهور لا يستطيع الترك فالله أولى بعذره أما من كان مجبوراً على الولاية نفسها أو عليها وعلى أعمالهم محلله أو محرمة فهي جائزة له بل قد تكون واجبة ويدل على ذلك العقل والنقل كتاباً وسنة وإجماعاً وأدلة نفي الضرار ونفي العسر والحرج واختبار التقية وخصوص رواية أبي الحسن (() عن عمل بني العباس وأخذ ما يتمكن من أموالهم فقال ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر فالله قابل للقهر والعذر والمراد بالتقية هنا ما يعم المخالف والموافق وجميع أهل الأديان وهي ما يخشى على نفسه أو عرضه أو ماله ما لا يعتد به إن لم يفعل ما الزم به من الولاية أو من آثارها المحرمة بحيث لا يقدر على التخلص من دون ضرر عليه فيما تقدم ومن دون مشقة لا تتحمل عادة بنقل نفسه أو عياله من بلد إلى بلد أو اختفائه خفاءً يضر بحاله ويمكن الفرق بين الجبر على الولاية فقط فيجوز للخوف على اليسير من المال ولأدنى مشقة تلحقه في التخلص والفرار بخلاف الأعمال العائدة إلى الخلق فلا تجوز إلا مع الخوف والضرر الكثير والمشقة التي لا تتحمل عادة بحيث يصدق عليها عدم القدرة على التخلص وهو وجيه وإن كان الأظهر في الأدلة الأول، أما إذا لم يصدر من الجائر الزم بالفعل الذي يخشى من تركه الضرر المتقدم فذلك ليس من التقية كمن يعلم أن الجائر يأخذ ماله وعرضه أو يقتله ولكن يدري أنه لو سرق له مال زيد أو أعطاه إمرأة زيد لعفا عنه فإنه لا يجوز له أن يفعل ذلك لأن الضرر لا يندفع بضرر آخر محرم عليه لم تنبئ نصوص التقية عليه ولم يظهر من الأخبار جوازه ومثله ما لو علمت أن السارق يسرق مالي إن لم آخذه بمال غيره أو علمت بان الأسد يقتل فرسي إن لم آخذها بفرس الغير وهكذا في غير الاناسين من جميع المؤذيات وبالجملة لا يجوز لإنسان أن يفدي ماله بمال غيره ولا نفسه ولا عرضه من دون أن يأمر بالشيء نفسه فيخاف إن لم يفعله على نفسه أو ماله أو عرضه فلو فعل المأمور به كان الضمان على المكره نعم قد يحتمل أنه مع الخوف على النفس خوفاً يعتد به ليسوغ عليه تناول مال الغير مع ضمانه لو دفعه فداء كتناول المضطر في المخمصة فيأكله مع ضمانه وعلى كل حال فتسويغ المحرم للتقية على سبيل الوجوب إن كان الخوف على النفس أو على سبيل الجواز إن كان الخوف على المال لأنه تسلط على ماله فله أن يبذله لمن يتقيه وفي العرض وجهان ويحتمل أنه يلحظ المعادلة فإن كان عرضاً بعرض جاز ولم يجب وإن كان عرضاً بمال وجب حفظ العرض وجاز نهب المال بل الاحوط ملاحظة المعادلة في باب الإكراه مطلقا مالاً بمال أو مالاً بعرض أو عرضاً بمال كثرة وقلة نوعاً وصنفاً هذا كله إن تعلق بنفس المكره أو عرضه أو ماله أو ما يعود إليه من أهله وولده وزوجته فلو تعلق بغيره من الأجانب فخاف على نفسه أو ماله أو عرضه فإن انتدبه ودخل في شيمته ومروءته جاز على الأظهر وإلا ففي جواز ذلك نظر ظاهر لأن ضرر شخص لا يجب بضرر شخص آخر سواء تعادلا أم لا نعم قد يحتمل في النفوس ذلك فيجوز لو خيف على دماء المؤمنين أن تؤخذ أموال آخرين بل وتهتك أعراضهم وإن خيف من هتك أعراض المؤمنين جاز نهب ،موال الآخرين وأما غير المؤمن فيضعف الاحتمال فيه نفساً أو مالاً أو عرضاً وقد استثنى أصحابنا من التقية المبيحة لفعل المحرم والدماء لما ورد من الأخبار المتكررة أنه لا تقية في الدماء وإنه إذا بلغ الدم فلا تقية لأنها شرعت لحفظه فعلى ذلك لا يجوز قتل النفس للخوف على نفس أو عرض أو مال إجماعاً في المؤمن عدا نفس النبي ( والإمام فهناك كلام وفي المخالف وجهان بل قولان أوجههما سقوطهما لو كانت نفساً بنفس لحرمة نفس المؤمن وهوان نفس المخالف وعدمه لو كانت نفساً بعرض أو مال سيما الأخير ولو كان المؤمن مستحقاً قصاصاً ولا فرق بين الصغير والكبير والمريض والصحيح ما لم يكن قبل ولوج الروح فيه فإن الأقوى عدم دخوله في حديث: (لا تقية في الدماء) سيما لو كان نفساً بنفس أما لو كان بمال فلا يبعد عدم إجراء حكم التقية فيه وفي العرض وجهان وفي إلحاق الجرح بالقتل وجهان من شمول الدماء ولأنه لا يأمن السراية بتنقيح باب القتل ومن إنصراف الدماء للقتل والاقتصار في تخصيص أدلة التقية على المتطوع بمنعه مع احتمال ملاحظة المعادلة فيسوغ جرحاً بقتل وبجرح دون عرض ومال ويحتمل إلحاق العرض بالأول دون الثاني والاحتياط في هذه الموارد لازم والركون إلى ما جاز تحمله أقرب للتقوى هذا كله في الولاية لنفسها والمنضم إليها ما يحرم فقط أو ما يحرم فيحل أو مباح غير راجح وأما الولاية المقصود بها غاية راجحة كنشر الحق في القضاء والأـمر بالمعروف وتشييد دين الإمامية أو كان المقصود منها التوصل إلى أمواله المغصوبة وحقوقه الفائتة أو التوصل إلى استخلاص الشيعة من ربقة الذل واستخلاص المؤمنين من التخفي في الدين أو إعلاء كلمة المؤمنين وإظهار عزهم وإعلاء شأنهم أو تفريج كربتهم وإعانة مظلومهم وإعانة ملهوفهم أو نشر العلم وإن تصدق به فظهر صاحبه فلا ضمان عليه لولايته ويحتمل ضمانه من بيت المال وتحل الصدقة بعد اليأس ولا يجري هنا حكم اللقطة للأخبار الدالة على الأمر بالصدقة من دون تعريف في مجهول المالك ولفتوى الأصحاب فلا فرق بين قليلة وكثيرة في حرمة التصرف به إلى حد اليأس طال أم قصر وضمان المتصدق للصدقة لو ظهر أهلها لا يجري حكم الدين في حياته ولا يجب أن يوصي به ويعزل عند وفاته نعم لو ظهر أهلها بعد موته وقبل تلف التركة قوى جواز الرجوع إلى التركة والأخذ منها واما بعد التلف فلا يبعد سقوط حق الرجوع بها وأما الظالم نفسه فيرجع عليه بما أخذه عيناً مع وجود أهله ولو أتلفه رجعوا عليه بمثله أو قيمته حياً أو ميتاً ويكون ديناً عليه كسائر الديون وإن كان مجهولاً يرجع الحاكم عليه في حياته واما بعد موته فالأظهر انه لا يؤخذ من تركته ولا يحسب كديونه الخاصة بحيث تقدم على وصاياه ومواريثه بل لو أوصى بها خرجت من الثلث واحتمال تسرية هذا الحكم حتى للمعلوم اهله للسيرة الدالة على ذلك مطلقا بعيد فانه ابعد ولو قبض قابض من الغاصب شيئا بنية إرجاعه لأهله كان محسناً ولا ضمان عليه ولو دفع شيئاً لاستخلاصه بنية الرجوع لمالكه مع عدم حضوره فإن كان بإذن الحاكم قوي الرجوع عليه وإلا فوجهان وإن لم يعلم المدفوع إليه بحرمة الجوائز بعينها بل علم أن في ماله حرام وحلال وقد اشتبه فإن علم أنه مشتبه عند الجائر أيضاً وأتى به مشتبهاً ودفعه على اشتباهه قوي القول بحرمته أيضاً مطلقاً من جائر أو غيره واحتمل أنه من الجائر حلال لإطلاق الأخبار في حلية جوائزه دون ما كان من غيره لوجوب التجنب عن محرم فأجاز طرفاً منها الشبهة المحصورة واحتمل الفرق بين دخول المحرم في جنس المدفوع كظروف دهن وخل محرم فأجاز ظرفاً منها وبين ما لم يعلم أنه ذلك الجنس كما إذا علم بدخول مأكول محرم في بيته لا يعلمه الدافع ولا المدفوع أولا بعلمه المدفوع إليه فقط وإن علم أن المدفوع ممتزج بالحرام فالأقوى حرمته كالمعلوم حرمته بعينه واحتمل أنه من الجائر حلالنا المهنى وعليه الوزر وربما يظهر من بعض الأخبار وبعض فتاوى الفقهاء ذلك فيظهر الفرق بين الجائر وغيره بذلك ويحتمل في المشتبه والممزوج إذا دفعهما الجائر والفرق بين ما يعلم صاحبه فيحرم وبين ما يجهل صاحبه فيحل أخذاً بإطلاق الأخبار واقتصاراً في المنع على المقطوع به ان لم يعلم أنه ممزوج ولا مشتبه عند صاحبه فأن أخبر بحليته فالأقوى والأظهر حليته من غير كلام وكذا لو ناوله بيده أو باعه فأذن في قبضه أو أذن بقبضه لمن أجازه وأعطاه أو كان متفرقاً فيه بحيث دخل تحت يده فأدخله في خزانته فإن الذي وردت به الأخبار المتكاثرة ونقل عليه وجرت به السيرة القطعية ودار عليه أمر النظام والمعاش وصدر من الأئمة (عليهم السلام ) فعله هو الحل وجواز الأخذ ولا يجب السؤال بل لنا المهنّى وعليه الوزر وحكم غير الجائر هنا كحكمه لظهور بعض الأخبار في ذلك وجريان السيرة والعسر والحرج بتركه في الجميع حتى ادعى بعضهم أن ذلك من الشبهة الغير المحصورة نظراً إلى أن جميع أفراد الغاصبين وجمع أموالهم المختلطة وجمع غيرهم وغير الأموال المختلطة مما لا ينحصر المخلوط فيه بل ويستهلك فتكون الأموال المختلطة بالحرام غير منحصرة ولكنه ضعيف لأنه يؤدي إلى اضمحلال حكم الشبهة المحصورة بفرض جمع باقي المشتبه معها فيعود غير محصور ولا قائل به بل المدار هنا على كل متميز مغرور عند أهله قد اختلط معه محرم فيشتبه الفرد المحرم مع تلك الأفراد المحصورة وهذا الظاهر من الشبهة المحصورة نعم لو فسرنا غير المحصور بما لزم من اجتنابه العسر والحرج اتخذ ذلك أو قلنا إن محل المسألة في الأموال الخارجة عن يد الظلمة في البلدان بحيث تعلم أن في الأسواق والخانات كثيراً من دراهمهم وغلاتهم وفيها الحرام قطعا فإن ذلك لا يلزم اجتنابه وإلا لم يبق للمسلمين سوق ولا بيع ولا شراء وأما لو كان المال المشتبه في يد الجائر أو خانه ولم يأذن فيه أو دفعه بيده فهل يجري عليه حكم الحلال فتجوز المقاصة منه والأكل من مرفوع الجناح منه والأخذ بإذن الفحوى أو بالمادة إذ لا يجري عليه ذلك اقتصاراً في الجائر على المقطوع به ولا يبعد الفرق هنا بين كونه من مال الجائر فيجري عليه أحكام الحل لإطلاق الأخبار في الجائر وامتيازه عن غيره في لسان الفقهاء وبين غيره فيجري عليه حكم المشتبه ويحتمل الفرق بين كونه قد دخل بخزانته بإذن وبدون إذنه ولو دفع الجائر مالاً دائراً بين كونه حراماً على المدفوع إليه أو حلالاً بعد العلم بأنه محرم على الدافع قطعا لأنه إما من مال الخراج أو من المغصوب فالأقوى جواز تناوله ولو كان في يد الجائر مال علم أنه قد أتى به من غير أمواله المختلطة بل من خارج فلا كلام في حليته سواء أخبر بها أم لا وسواء دفعه بيده أم لا وجرى عليه حكم الفحوى والمارة وكذا إن لم يعلم أنه أتى به من أمواله المختلطة أم من غيرها على الأظهر وكل كذا من في خزائنه وبيته أموال مختلطة وجاء بمال آخر لم يعلم حاله ودعوى أن هذا المال بضمه المختلط يكون مختلطاً فيجري حكم الشبهة المحصورة على جميعه بعيدة لعدم تسليم أنه بالانضمام يكون الجميع من المشتبه المحصور ولو سلمنا فلا شك أن يد المسلمين تقضي بالحل وفعلهم يقضي بالصحة إجماعاً ومجرد كون المسلم لا يبالي بالحرام لا يترتب عليه حكم الحرمة قطعا ولهذا خصصنا محل الكلام فيما لو أتى الجائر بمال من المخلوط في بيته وخزانته وعند عماله فدفعه أو باعه أو أذن فيه أو وهبه فإنه حلال تغليبا لجانب الصحة وللأخبار فيبطل حكم الشبهة المحصورة بل ويلحق به كل من جمع حلالاً وحراماً فدفع فرداً من المجموع وليس للجائر خصوصية إلا فيما لو لم يدفع هو بل اخذ منه بإذن الفحوى وشبهها فإنه يمكن أن يكون للجائر خصوصية فيحل ما كان عنده ويحرم غيره أو في الممتزج فإنه من الجائر يجوز تناوله من دون إخراج الخمس وإن ندب ذلك كما تشعر به بعض الروايات ومن غيره يجب إخراج الخمس منه في كل الباقي أو في المخلوط المشتبه إذا علم أن في المخلوط ما يحرم فإنه يمكن تحليله من دون إخراج الخمس لو كان من الجائر ومع إخراج الخمس والصدقة بما يتيقنه لو كان من غيره ولكن الحكم بهذين مشكل غاية ما دلت عليه الأخبار هنا كصحيح (ابي ولاد) فيمن يلي أعمال السلطان وليس له مكسب سوى أعمالهم فيأمر له بالدراهم والكسوة فقال (خذ وكل لك المهنى وعليه الوزر) والصحيح الآخر في العامل يخبرني بالدراهم اخذها قال:(نعم وحج بها) والصحيح الثالث جوائز السلطان ليس بها بأس وغيرها مما دل على أن كل شيء فيه حلال وحرام فهو حلال حتى تعرف الحرام بعينه وما جاء من قبول الحسن (() والحسين (() والكاظم (() جوائز معاوية والرشيد وإن كان في بعض أجزائه ردها والموثق في عمل السلطان قال: (لا فإن صار في يده شيء فليبعث بخمسه لأهل البيت (() والآخر فيمن استحل من مال الوقف الذي بيده لا يتورع من آخذه فيحضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم آكل من طعامه عاداني فهل يجوز لي أن آكل وأتصدق بصدقة فأجاب: (إن كان لهذا الرجل مال أو معاش من غير ما في يده فكل طعامه واقبل بره وإلا فلا) والأخبار دالة بعمومها وإطلاقها على حلية ما يؤخذ من الجائر من دون تفصيل بين الإتيان به من المخلوط في خزانته أو وكلائه أو داره أو بيته وبين الإتيان به من خارج وبين ما لم يعلم وجهه بل وبين الممزوج بالحرام المجهول وبين ما لم يعلم لولا الإجماع أن ثبت إجماع على المنع وبين دفعه بيده وبين كونه مطروحاً وبين كونه من الجائر وبين غيره كما تدل عليه رواية كل شيء فيه حرام وحلال وإشعار لك المهنى وعليه الوزر بذلك وحينئذ فيكون مورد الشبهة المحصورة وغير هذا مما يختلط عند صاحبه أو يشتبه ولم يكن بيد جائر أو غاصب جامع للمال بين الحلال والحرام وأما ما كان منهم فلا بأس وتحمل الأخبار الأخيرة على الكراهة مع ذلك فلأقوى تجنب المجتمع من الحلال و الحرام مطلقاً ما لم يدفعه المجامع بيده أو يخبر بانه حلال وتشتد القوة في اجتناب المخروج ولو كان مجهولاً مالكه فيجري عليه حكم مجهول المالك بل الاحتياط والورع يقضي تجنب ما يدفعه بيده ويأذن فيه بل الاحتياط تجنب الأخذ ممن لا يتورع وإن أتى به من بلد آخر ما لم يعلم أنه دفعه من خزانته للأمر بالاحيتاط وتجنب موارد الشبهات.