انوار الفقاهة-ج24-ص39
الثالـث والسبعـون:مما يحرم التكسب به المال المدفوع عن موص أو موكل أو ولي أمر أو ملتمس لآخر على أن يدفعه لواحد غير معين ولكنه موصوف بوصف يشاركه المدفوع إليه كما يقول ادفع هذا لعالمً أو صالحً أو لآحاد غير معنيين محصورين يشاركهم المدفوع إليه كما دفع هذا لمن في الدار غير محصورين كما دفع هذا للعلماء معروفاً أو منكراً كادفع لعلماء وكان المدفوع إليه منهم أو لطائفة كادفع هذا لبني هاشم فكان المدفوع منهم غير محصورين أو محصورين كادفع هذا لأولاد فلان وكان المدفوع إليه منهم ومثل الأمر بأن بالدفع يفرقه أو يضعه أو يقسمه أو يصله أو يعطيه أو يوقفه أو يتصدق به أو يزوجها أو يعطيه عبادات من زيارات وصيام وصلاة ففي جميع ذلك لا يجوز أن يأخذ لنفسه ويملكه ويكتسب به ما لم يكن الخطاب عاماً صريحاً بحيث يشمله أو تقوم قرينة حالية أو مقالية على إرادة دخوله ولو لظهور إرادة صرفه لمستحقه على أي طريق من غير ملاحظة الخصوصية كل ذلك للأصل وحرمة التصرف بمال الغير من دون إذنه ودخول المدفوع إليه في صنف المأمور به لغة لا يجدي بعد حكم العرف بخروج عما أمر المأمور به كما أقر به لظهور الخطاب بالمغايرة وإنما الموجب غير القابل لأن الظاهر الوكيل بمنزلة الموكل فلا يدفع إليه شيئاً مما دفعه إلى وكيله وإن كان منصفاً ذلك الموكل بذلك الوصف وإن كان الأخذ له جائزاً كما إذا كانت زكاة مولى عليه أو من حقوق لا تخص الدافع ولصحيحة عبد الرحمن المستندة في التحرير المضمرة في غيره النافية هبة لمن أعطى ما لا يقسمه في محاويج أو مساكين وهو محتاج أن يأخذ له شيئاً حتى يأذن له صاحبه وعلى ما ذكرنا فلا يجوز أخذ الكل في مقام الإطلاق ولا أخذ الأكثر لو فرق ذلك بنظره ولا المساوي ولا الأقل وكذا لو عين الدافع له المقدار على أن الدافع إذا لم يعين المقدار كان له أخذه مثل ما يعطى مشكل لأنه قد يفرق الألف على مائة عشرة عشرة فيأخذ مثلها وقد يعطي واحداً خمسمائة فيأخذ هو مثله أو بناء على جواز أخذ الأكثر له أن يفرق عشرة على تسعة وتسعين ويأخذ الباقي وحينئذٍ فالقول بأنه يأخذ مثلهم أو أزيد منهم لا بد أن يحمل على أنه ينظر إلى المال فيرى كيف يقسمه لو كان غير داخل فيدخل نفسه عوض واحد منهم وطريق تقسيم المال مرجعه إلى فهم العرف المأمور من جهة قدر المال زيادة ونقصاً كما أن التفاضل بحسب الفقر وزيادة العيلولة لا مما يلاحظه الدافع غالباً فيعمل المأمور على ما يفهمه وإلا فالأصل التسوية كالإقرار وذهب الأكثر والمشهور نقلاً بل تحصيلاً إلى الجواز استناداً إلى أن الوكالة مطلقة والشمول مستفاد من الإطلاق ولا مقيد لها وإلى الروايات الصحيحة المشتملة في بعضها على الإذن في الأخذ لمن أعطى الزكاة ليقسمها وفي بعضها الإذن لمن أعطى ما لا يفرقه فيمن جعل له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره وفي بعضها الإذن لمن أعطى الدار ليقسمها ويضعها موضعها وهو ممن يحل له الصدقة أن ياخذ لنفسه لا يعطي غيره ويمكن أن يجاب عن هذه الروايات بأن الصادر عن الإمام (() إذن منه للسائل في ذلك لعود الحقوق إليه من دون ملاحظة المالك ويمكن أن يحمل على فهم العموم والدخول في الزمن السابق من قرائن لفظية أو حالية أو من نفس الخطاب يومئذ ويمكن أن يكون حكماً شرعياً بالنسبة إلى مطلقات هذه الخطابات لا انصرافياً خطابياً والنزاع في الثاني لا في الأول ويمكن تقييدها بالإذن من المالك صريحاً أو ضمناً كما دلت عليه الصحيحة ويمكن الجمود على ما في الأخبار من غير سريان إلى غيرها فيقتصر فيها على العموم ودخول المأمور فيه دون المطلق بحيث يأخذه كله ودعوى إلغاء الفارق ممنوعاً ويمكن ظهور الإذن في هذه الأخبار من الدافع باعتبار كونها زكاة وصدقة وإنه يريد أن يضعها في مواضعها ونحو ذلك يمكن أن يكون الجواز فيها لبيان قدر المأخوذ وأنه مثل ما يعطي غيره وأما بيان أصل الجواز فقد كان بالإذن من الدافع صريحاً أو فحوى كما يجاب عن الاطلاق بأنه مفيد بحسب التركيب الخطابي بل وبخروج المأمور عن مقتضى الأمر لخروج الأمر وإن دخل في الصنف أو الوصف أو القبيلة فلا يدخل في الأمر بالدفع اليهم ولا أقل من أنه لا يدخل ولا يخرج والأصل المنع ويؤيد الخروج أنا لا نفهم من أوامر الله تعالى بدفع المال للفقراء أو التصدق عليهم سوى خروج المأمور ومقتضى الأمر سواء كان الأمر بدفع ماله أو بدفع مال الغير فالأول كالزكاة والخمس والثاني كالصدقة بمجهول المالك واللقطة نعم في الأول يتساوى أمر الخالق والمخلوق فلو أمر شخص شخصاً بأن يدفع من ماله لا من مال الآمر لغيره ما لا يدخل المأمور قطعا وقد يقال بالفرق بين قول الآمر أدفع هذا للفقراء أو قسمه أو فرقه وبين أن يقول هذا للفقراء أو مصرفه الفقراء وكما يقول عليّ مرد مظالم كذا وعليّ نذر للفقراء كذا وعلي زكاة أو خمس كذا وأريد ثلث ماله للفقراء على أن الفقراء مصرف لثلثه أو أريد ثلث مالي في وجوه الخير والمبرات أو أريده عبادات وبالجملة ففي جميع هذا يفهم عدم الخصوصية وعدم إرادة التقسيم والتفريق فيجوز للوصي أن يكون مصرفاً لجميعه ولبعضه وعلى القول بالجواز فإن قلنا للإذن الشرعي بالأخذ عند عدم نهي المالك فلا بد من الاقتصار على التسرية لما قدره المالك أو قدره الو كيل بنظره ولا يجوز أخذ الزائد لحرمة التصرف بمال الغير في غير المقطوع به شرعاً ولنقل إجماع المجوزين في الأقتصار على ذلك و لظاهر الرواية المتقدمة فالمدفوع إليه إن كان محصوراً وفهم منه الإفراد إقتضى إعطاء الجميع وإلا إقتضى الدفع بما يفهم من حال الدافع بحسب قدر المال فالألف الظاهرتوزيعها مثلاً على خمسين والخمسون توزيعها على خمسة أو ستة والزيادة والنقصان الجزئي يكون بنظر الدافع ولا يجوز أن يعطى الجميع من المال واحد أو إثنين وإن قلنا للإذن المالكية والأخبار كاشفة عن العرف في فهم الخطاب فالظاهر عدم وجوب المساواة إذا تعلقت الوكالة في تقسيم المصارف كخمس وزكاة لأن الظاهر من غرض الملاك براءة الذمة مما تعلق التكليف لهم به وإن لم يكن من المصارف كتقسيم الرجل على أرحامه وأقاربه فالظاهر التسوية ومع عدم الحصر فإن قدر المالك فلا كلام ولإ فالإطلاق يقضي بجواز التفاضل له ولغيره كثيراً أو قليلاً بل يقضي بجواز أخذ الكل لو قال ضعه أو إدفعه لمستحقيه ولم يقل فرقه ونحوها وإن كان الإحتياط يقضي بعدمه إلا أن مثل هذا اليوم في خصوص المدفوع للحاكم إن أمره إليه لا يقٍيد شيئاً ودعوى أن أخذ الزائد منهي عنه بالرواية ممنوعة لأن قوله (() مثلما ما يعطي أو كما يعطي غيره يحتمل أن يريد به التشبيه في أصل الأخذ أو يراد به لأن يزيد على الجميع لا أن لا يزيد على إفراد الاسهام أو يراد بالتشبيه إقامة الدليل على جواز الأخذ لدخول الجميع تحت المطلق فلا دلالة فيها على منع الزائد وبعض القائلين بالجواز حملوا رواية عبد الرحمن الدالة على المنع على الكراهة في الأخذ والاحتياط بعدمه إستضعافاً للرواية فلا تصلح للمعارضة لرواية راويها الجواز من رواية أخرى ولإضمارها في غير التحرير ولقوة روايات الجواز لتعددها وانجبارها بفتوى المشهور أو على المنع به لظهور المنع من المالك في الرواية ويفيد ذلك أن الظاهر من تنكير مساكين إرادة مساكين خاصة ولكن الراوي حسب أن مع ذلك يجوز له الأخذ لأنه بصفتهم فسأل الإمام (() فمنعه أو على المنع من أخذ الزائد كما تفيده روايات الجواز ونفوا القدح عن روايات الجواز من حيث الضعف بانجبارها بالشهرة وإن محمد بن عيسى ويونس ثقتان معتبران فلا ينافي حديثهما الصحة وإن قوله في رواية سعيد بن يسار ويقسمها في أحد أصحابه الظاهرة في خروج المدفوع إليه منهم فلا بُدَّ من طرحها يراد به ما يشمله معنى من المحتاجين وإنما هو ممن محل لها كناية عن ذلك فتعود شاهداً على الجواز ونحن نقول مع ذلك كله أن ظواهر الخطابات لا تقضي بدخول المأمور في الأمر كالنبي (() المأمور بتبليغ الأحكام للناس الاّ بالأجماع وعموم ما دل على التسوية من حلال محمد (() وحرامه ولا تقضي بدخول الوكيل أو الولي أو الوصي فيما أمروا به لصنف أو وصف يشملهم إلا بقرائن قطعية أو بدلالة لفظ ولو ظنية أو بشاهد الحال من الأفعال والأحوال المقيدة للظن التي جرت السيرة على جواز العمل بها في ملك أو تمليك أو نقل أو انتقال ولا يشترط في صحة النقل والانتقال في مال الغير بعد القطع برضاه بنقله له أو للناقل توكيله في ذلك بل القطع بالرضا أقوى منه ولا يتفاوت بين كون الرضا تحقيقاً أو تقديراً مع احتمال أن القطع بالرضا يبيح التصرفات الخالية من النقل والانتقال كالشرب والإتلاف مع عدم الضمان دون ما اشتملت على النقل والانتقال لتوقفهما على الكلام في صيغتهما وفي صحتهما لو وقعا عن الغير كلفظ الوكالة والاستنابة والإجازة ونحو ذلك وهو احتمال قوي يحسن البناء عليه وترى أهل العرف ينكرون على من وكل على عمل من الأعمال على الأطلاق فأقدم على أخذ الأموال كلاً أو بعضاً محتجاً بذلك وينفون عنه صفة الأمانة ويتوقفون على الإذن من المالك ولو كان غائباً كاتبوه ولم يزل المتفقهون يخصون المرسول إليه ويأذنوا له بالأخذ مطلقاً أو قدرا خاصاً ولو كانت هناك إذن شرعية غير تلك الرواية التي لا يبعد أنها إذن من الامام في خصوص المقام أو أذن مالكيه تظهر من الخطاب لما خفيت لشدة الأحتياج إليها ولو كانت من الواضحات ولما احتاج عمال الزكاة إلى سهم مخصوص ولما فرق أحداً مالاً وكّل أمره إليه مع الضر بخروجه ولزيادة الطمع في الانسان على الورع ويجرى ذلك من خطابات الأمراء والوزراء بل خطابات جبار السماء والكل كما ترى وروايات الجواز منها ما لا يصلح للأستدلال كالموثق ومنه ما لا يقاوم دليل المنع فلا بد أن يكون كاشفاً عن العرف في زمن الصدور ولو دفع انسان لآخر مالاً يريد دفعه للفقراء ملاحظة لجهة الفقراء ولكنه زعم أن المدفوع إليه غني فأخرجه ابن عمه جاز للمدفوع إليه أن يأخذ لأنه خطأ في الزعم لا تخصيص في القصد وهذا باب واسع يدخل المنع لجهة اخطأ صاحبها والدفع لجهته اخطأ صاحبها فيمضي الجواز في الأول والمنع في الثاني إلا أنه يشكل فيما يقع غالباً من الدفع والأكرام لن يظهر لآخر المودة والصدقة وهو ليس كذلك وكثيراً ما يقع ذلك منا مع أعدائنا ديناً ودنيا فينبغي التجنب والإحتياط عن قبول ذلك ممن نكرهه وننافقه إلا أن السيرة على خلاف ذلك فيحصل من جهتها الفرق بين المنع والدفع وأنه في الحالة الأولى يصاحب الرضا الباطني التقديري فيصح الأخذ وفي الثانية يصاحب الكراهة التقديرية ولا أعتبار فيها بل الأعتبار على الرضا الظاهري لصدق أن نفسه قد طابت ظاهراً كما أنه في الأولى طابت باطناً والعمدة السيرة ولزوم العسر والحرج لولا ذلك ولو عين المالك قوماً فدفع إلى غيرهم ولو خطأ ضمن ولا يضمن المدفوع إليه مع جهله ضماناً مستقراً بل لو رجع إليه رجع إلى الدافع لأنه مغرور من قبله ولو دفع الوكيل لعياله وأولاده جاز ما لم يفهم أرادة التوزيع على نفس المعيلة وأنه مما لا يرضى بذلك كما جرت العادة بأن الموكل لا يرضى أن يجعل المال كله في أولاد رجل واحد وعياله فيكون في الحيل التي يلزم تجنبها وتسمى خيانة فلا يجوز ذلك.