پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج24-ص38

الثانـي والسبعـون:يحرم التكسب بطريق الرشوة في حكم قضائي او إفتائي من المتخاصمين او من غيرهما على أن يقضي لأحدهما على كل تقدير باطلاً او حقاً ويفتي لأحدهما كذلك ويقضي لأحدهما بالباطل او يفتي كذلك ولا يتفاوت بين أن يكون المدفوع مالاً او عملاً له قيمة والقول والتبسم والملاطفة وتقبيل اليد والتواضع والمواعيد الحسنة لا تدخل في اسمها وإن شاركتها كثيراً في حكمها والمراعاة في القرض وبيع المحاباة ونحوها منهما والفرق بينها وبين الأجرة أن الأجرة ما تدفع للحكم بالحق بعد معرفة الحق سواء دفعها المحكوم له او المحكوم عليه او هما معاً او أجنبي او من بيت المال وفرق آخر أن الرشوة لا تدفع بنية المعاوضة بل بنية استجلاب الحكم من الحاكم وبعثه عليه فهي كالداعي المحرك لا كالعوض الملزم وفرق آخر أنها لا تنافي الأجرة بعد استجلاب القاضي فتدفع للقاضي بأن يحكم بالأجرة أو مجاناً وقد تجتمع معها فتكون رشوة بالأجرة وأجرة بالرشوة وفرق آخران الأجرة مقاطعة بقدر معلوم ملزم من الطرفين بخلاف الرشوة وفرق آخر وهو أن الأجرة يستدعيها الحاكم غالباً والرشوة يبذلها الخصم وفرق آخر هو أن الاجرة يحكم لها بها والرشوة يحكم الحاكم لأجلها وهي محرمة على الدافع بتلك النية سواء أثر ما نواه فتابعه الحاكم على مقتضى نيته أم لم يؤثر كما إذا لم يحكم له أو حكم بالحق على خلاف غرضه وكذا على المدفوع له لو علم نية الدافع وإن كان عزمه لا يحكم إلا بالحق ولو لم يعلم المدفوع له فأخذها بعنوان الهدية فلا ضمان عليه ولا إثم ولو أخذها بنية الرشوة حرمت عليه وضمن وإن كان نية الدافع أنها هدية واحتمال عدم الضمان هنا قوي بل احتمال عدم الضمان مطلقاً لتسليط الدافع المدفوع له على ما له مجاناً ولأنها شبه المعاوضة وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده غير بعيد نعم قد يقال أن ظاهر دفع المال من المتخاصمين عند الخصومة هو الرشوة لا الهدية سيما ممن ليست عادته الهدية والأحوط تجنب الهدية أَيضا في مقام الخصومة لقوله (() (هدايا العمال) وفي أخرى (سحت) وهذا أسوأ حالاً من العمال أما ما يدفع بنية الرشوة لدعوى مستقبله فهو كما يدفع للحالة وأما ما يدفع مصانعة بتلك النية لاحتمال وقوعه في دعوى رجوعه إلى ذلك فيستجلبه من الآن فالأقوى الحاقه بالرشوة إن لم يكن اسماً فحكماً وأما الهدايا لحكام الشرع لأجل المثوبة أو لاستجلاب دعائهم أو لتحصيل الرئاسة والوجاهة بالقرب إليهم أو لدفع المظالم من الظلمة بالدنو إليهم وللسعي في حوائجهم وإنقاذ مطالبهم فلا بأس به والأول من أعظم القربات وأفضل الطاعات حتى لو كان بنية الرشوة لا بنية الهدية وأما الرشوة لقضاة الجور فهي من الحرام المتضاعف مرتين إلا إذا كانت بحق وتوقف عليها استخلاص الحق فتدفع بنية الاستخلاص لا بنية أنها مصانعة على الحكم كما يدفع للعشار وقاطعي الطريق ومن لهم قوانين على المترددين ظلماً وعدوانا ولا شك أن الفرار من دفع المضار بالحلال مهما أمكن يلزم تقديمه على الحرام وتحريم الرشوة عليه الإجماع والأخبار وقد لعن الراشي والمرتشي وأنها سحت وكفر وكلام أهل اللغة فيها مضطرب وليس لها حقيقة شرعية فلا بد فيها من الرجوع إلى العرف وأهل الشرع أعرف به وظني أنها تكون محرمة ومحللة وتكون للحكم والقضاء وتكون للأفتاء وتكون لجلب نصرة الظالم على المظلوم وبالعكس وتكون للحكم بالحق وتكون للحكم بالباطل وتكون لما هو أعم وتكون لجلب التزويج وتكون لجلب الأموال وتكون لجلب العز والوقار وتكون لدفع المضار كرشوة الوزراء والأمراء وتكون بين الزوجين وتكون بين الآخرين وتكون لجلب الحرام كاللواط والزنا وتكون للاستعانة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتكون بعكس ذلك وبالجملة فهي المصانعة بمال ونحوه لاستجلاب ما يريده من غيره ولكن المتداول من معناها في لسان الشارع والمتشرعة بل وأهل العرف أنه ما يعطى للحكم باطلاً أو حقاً فقط في مقام تحكيم المدفوع إليه بالحق ولكن لا يبديه إلا برشوة وهذه الثلاثة محرمة أما الأولان فظاهراً وأما الثالث فلأنه واجب كفائي لا يؤخذ عليه عوض ولا يفعل لأجل العوض ولا يجوز أن يدفع له عوض أو شبه العوض بحيث يكون هذا الداعي لفعله كما تقدم وقد أخرج الثالث عن معناها بعض الأساطين ويدل على ما حررنا أن بعض أهل اللغة قال هي الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة والراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل والرايش الآخذ الذي يسعى بينهما يزيد لهذا وينقص لهذا وعن بعض أهل اللغة أنها أقل ما تستعمل فيما لا يتوصل به إلى إبطال حق أو تمشية باطل وعن بعض آخر أنها ما يعطيه الشخص للحاكم وغيره ليحكم أو ليحمله على ما يريد وعن آخر أنها الجعل وعن بعض الفقهاء أما يعطي للحكم حقاً أو باطلاً ومن الأساطين من قال إنها ما تدفع للحكم الباطل أو الحكم من حيث هو صدر حقاً أو باطلاً ويظهر من مجموع ما ذكر هو ما ذكرناه من معناها نعم أن يتوصل بها إلى محرم كالرشوة عليه أو كانت هي محرمة كالرشوة على الواجب عينياً أو كفائياً حرمت وإن توصل بها إلى محلل حلت ويبقى شك في بعض أفرادها كهدايا القضاة ممن ليست عادته الهدية وكانت العلة هي مظنة الرجوع إليه في القضاء والفتوى فهل هي حلال للأصل ولعموم دليل الهدية أو حرام لما دل على أن هدايا العمّال سحت والباعث للمهدى هو عمل القاضي وهو من العمال واعترف منهم وما يبذل لمن يسعو بالصلح بين المتخاصمين ليجبر واحداً ويكسر آخر أو ما يبذل لتأكيد الحكم وانفاذه بعد صدوره وما يبذل لتعجيله والاهتمام به وغير ذلك من أصالة الجواز ومن عموم النهي عن الرشوة إلا ما خرج بالدليل إن لم نقل إن العموم معروف للقضاة أو للقضاة والولاة الذين يتوصل بهم الراشي إلى ما لا يرضي جبار السماوات ولو كانت الرشوة عقداً كبيع أو تزويج أو إِجارة ففي فسادها وجهان لمكان النهي وأنه لامر خارج.