پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج24-ص30

الستون: مما يحرم التكسب به الواجب على الإنسان عيناً أو كفاية أو ما يندب كذلك مما لا يقبل النيابة لأن وجود المباشرة تمنع من الاستئجار والملك لحرمة العقل من غير المباشر نيابة وإذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه وتحقيق القول في ذلك والنظر أن ظاهر الخطاب بإيجاد الشيء واجب أو مندوب أرادة فعله من الفاعل مباشرةً سواء كان خالقياً أو مخلوقياً ومنه الإجازة على الأعمال والأفعال وسواء كان عبادة أم غيرها ما لم يظهر من الخطاب أرادة مجرد وجود في الخارج من أي مباشر كان وأنه مكلف بإيجاده لا بمباشرته أو تقوم قرينة على ذلك كعدم إمكان صدوره منه ولا تمنع المباشرة الاستعانة بغير فعل المختار كالحيوان والآلات من يصدر الفعل منه بغير اختيار لأن المقصود بالمباشرة أن يقال عرفاً أنه هو الفاعل ويشتد اشتراط المباشرة في العبادات التي تمحضت للعبودية ولم يعلم لها جهة مصلحة دنيوية ويضاف إلى ذلك الظهور في العبادة المحضة أن ما شك في شرطيته شرط وعلى ما ذكرناه فكل خطاب مطلق أو مشروط به المباشرة لا يصح التكسب به لعدم صحة نقله وانتقاله وكل خطاب دل الدليل على عدم اشتراط المباشرة فيه وصحة النيابة وأجزائها عن المخاطب صحة الاستئجار عليه لأن الإجارة ملزمة للنيابة فتصح الإجارة عن الأحياء في الحج الواجب عن المغصوب لقيام الدليل على لزوم استنابته عند عدم تمكنه ويتبعه صلاة الطواف الواجبة وكذا ما دل على جواز أن يوصيه غيره عند عدم قدرته أو يطوف به غيره أو يسعى به وكذا ما دل على جواز النيابة عن الأحياء في بعض المندوبات كالزيارة ويتبعها ركعتاها والدعاء والطواف وكذا ما دل على جواز النيابة عن الأموات في قضاء الصلاة والصيام والحج المندوب والواجب وكذا الصلوات المندوبة عنه والتسبيحات وقراءة القرآن والأدعية والأذكار وغير ذلك مما دل على جواز النيابة عنه وليس منه ما دل على جواز هذا الثواب بعد أن يكون عمل العامل بنفسه لا بنية النيابة وإن توقفت صحته على الدليل ويمكن أن يقال إن النيابة عن الأموات ليست من هذا المقام لعدم تعلق الخطاب بالميت بعد موته كي يكون الفاعل نائباً عنه بل ما يفعله الحي حكم شرعي تعلق بالحي بعد موت الميت ولكنه نظيره وقريب إليه وبالجملة فهذا كله لا يصح الاستئجار عليه لدلالة الدليل على جواز النيابة فيه لا بما قيل من أن عموم أدلة الإجارة تشمله فما ظهر من المباشر في الخطاب يحكم عليها عموم دليل الإجارة أو منع ظهور الخطاب في المباشرة لأن أدلة الإجارة مسوقة لبيان لزوم الإجارة والأجرة عند صحة النيابة وليست مسوقة لبيان كل عمل يصح الاستئجار عليه وأين هذا من ذاك كما أن القول بأن الاستئجار على العمل المشروط بالقربة لا يصح لمنافاة الإجارة للقربة لصيرورة العمل في مقابلة الآخر المنافي للخلوص ضعيف جداً لا يلتفت إليه أو لا من جهة ورود النص به في بعض العبادات وانعقاد الإجماع على صحته في النيابة عن الأموات في الصيام والصلاة وثانياً أن الاستئجار مما يؤكد القربة من حيثية الالتزام فيتضاعف بها أمر العلام لا ما ينافيها ومن المعلوم أن العمل ليس للأجرة كعمل الأجير في الأعمال المباحة بل العمل لله ولكن الأجرة ملزمة فليست هي من الغايات المنوية بل من الأسباب الشرعية كالنذر وشبهه فالتقرب بالعمل الموصل إليها لأن التقرب بالتوصل إليها فالعبد متقرب إلى الله بسبب أجرته وأجرته الملزمة له إلا أنه متقرب لأجرته بحيث أن عمله لها وعلى كل حال فما تعلق الخطاب به ولم يعلم صحة النيابة فيه أو الشرع لا يصح الاستئجار عليه ومنه رد السلام والمعارف والعقائد والعلم الواجب بخلاف دفع الزكاة وبر الوالدين وبذل النفقة الواجبة وأداء الدين ووجوب قضاء الولد عن أبيه والمستأجر لأمر يفهم منه أرادة مجرد وجوده فإن جميع ذلك مما يفهم منه عدم اشتراط المباشرة وقد يعد منه الواجب الكفائي على قوم لم يشترط فيه المباشرة ولو بظاهر الخطاب فإنه يجوز استئجار من لم يجب عليه ذلك.