انوار الفقاهة-ج24-ص28
السادس والخمسون: يحرم التكسب بالقمار وتعلمه وتعليمه للعمل به ويحرم التكسب بالآلة بل اقتناؤها وإبقاؤها كل ذلك لحرمته عقلاً وشرعاً كتاباً وسنة وإجماعا لأنه من اللهو واللعب والباطل والميسر الذي هو رجس من عمل الشيطان وله الآلات معلومة معتادة يلعب بها كالشطرنج والنرد ولعنه الأمير والثلاثة والأربعة عشر والجوز والبيض والكعاب والخاتم وفي الخبر: (بيع الشطرنج حرام وأكل ثمنه سحت واتخاذه كفر واللعب به شرك والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة والخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير ولا صلاة له حتى يغسلها كما يغسلها من لحم الخنزير والناظر إليها كالناظر إلى فرج أمه والناظر إليها والمسلم على اللاهي بها سواء معه في الإثم والجالس على اللعب بها يتبوأ مقعده من النار ومحلها مجلسها من المجالس التي باء أهلها بسخط من الله تعالى) يتوقعونه في كل ساعة فيعمك معهم ولا قائل بالفصل بين الشطرنج وبين غيره مما اعتيدت المقامرة به وأكثر ما في هذا الخبر محمول على المبالغة والتشديد في عظم معصيتها أو كناية عن النجاسة المعنوية والغسل عن التوبة وبطلان الصلاة عن ضعيف ثوابها والشرك عن شدة الذنب والسلام على اللاعب مع ارادة اللعب والرضا بفعله والجلوس معه بنية اللهو معه أو اللعب معه حرام لذلك أما لو جلس منكراً لذلك بقلبه فلا بأس مع احتمال لزوم القيام من ذلك المجلس ما لم يكن للضرورة ولو جلس للتفرج أو التنزه فالظاهر الحرمة لأنه من اللهو واللعب المنهي عنه لأن اللاهي بالملاهي لم يعقد مجلسه بالسامعين والمريدين والباذلين لما صدر منه اللهو فالجالس للهو هو أول اللاهين والمتلاهين عما هو نافع في الدنيا وفي يوم الدين ثم إن القمار إما أن يتخلص تخليص للمغالبة بالآلات المعهودة من دون التواطؤ على مال وبذله في الحال أو المال وإما أن يكون مع التواطؤ على المال وبذله في الحال أو المال والظاهر تحريم كلا القسمين وأشدهما ما اشتمل على المال فيجب رده على مالكه المعلوم ولو ببذل ما لا يضر بالحال أو ما مع ما يضر في وجه قوي فإن لم يمكن إيصاله لتقية أو بعد رفع إلى الحاكم الشرعي لولايته على مثل ذلك فإن أمكن الحاكم إيصاله وإلا فالصدقة به إن كان مؤمنا وإن كان غير مؤمن احتملت الصدقة والإبقاء أمانة وعوده إلى الإمام (() فإن لم يعلم مالكه في محصور كان مجهول المالك فرضه الصدقة به إذا كان مؤمنا أو مجهول الحال وفي الكافر عبث كما تقدم وإن كان في محصور احتملت القرعة وكونه مجهول المالك والتوزيع والصلح بما يراه الحاكم ولو أكله المقامر وجب قيؤه إن بقيت ماليته بعد قيئه وإلا سقط وجوب القيء على الأظهر لانتقاله إلى البدل ولزوم ذلك تعبداً بعيداً نعم هو أحوط وفي الرواية أن أبا الحسن (() (أكل من مال المقامرة شيئاً فلما علم قاءه) فيحل على الاحتياط إن جوزنا أن الأمام (() يأكل الحرام من غير علم وما لم يشتمل على المال فهو من اللهو واللعب الموجب للوبال وأما اللعب بالالآت الغير المعهودة فإن دخل عرفاً باللهو واللعب المعتادين اللذين يلزم منهما الفساد على كافة العباد حرم سواء اشتملت المغالبة على مال أو لم تشتمل وإن لم يدخل عرفاً باللهو الذي ما من شأنه الفساد العام كالعراص والطلاح والشباك وكسر الخشبة وحرق البساط وإظهار النشاط والسرعة في الذهاب والإياب وجودة ضرب السلاح وإبعاد الرمي وجودة الصنعة أو الجدل فكل يقول الحق معي ووقع ذلك أو سيقع ذلك جاز فعله والسيرة على ذلك عن الحسن والحسين (() فعل نظير ذلك وأصالة البراءة تشهد به وليس كل لعب حرام وإلا لم يستقم نظام وتنصرف النواهي للمعتاد من اللهو واللعب بالآلات المعتادة أو بغيرها كالرقص والصفق بالإصبعين والدق بالرجلين على النحو المعهود نعم لو قرنت هذه المغالبة بمال على وجه الشرطية أو العلية كان من أكل المال بالباطل وحرم تناوله وحرم النذر عليه لخروجه عن نذر الزجر والشكر ودخوله في النذر المحرم نعم لو وقع وعداً ومزحا فدفع عطية وكانت المغالبة داعياً من الدواعي أمكن جوازه إلا أن الأقوى المنع عن الميسر للنهي المفسّر بأنه أكل المال بيسر ولأنه لا يعد من التجارة عن تراض بل يعد من السفه والباطل فما يصنع من النذر والرهن عند المغالبة في عمل أو في بعض أمر وعدمه أو في إحقاق مسألة وغير ذلك كله لو دفع بعنوان أنه يقضيه ولا له حرام ويدخل تحته (اليادست) الذي يفعله الأعاجم لو نذر الغالب أن يدفع للمغلوب أمكن أن يكون قَدر شكر .
السابع والخمسون: مما يحرم التكسب به التكسب المشتمل على غش وحرمته إجماعية والكتاب والسنة قاضيان به لاشتماله على الظلم والإغراء والخديعة والمكر ومن غش المسلمين فليس منهم ولكن تحريمه لغيره لأنه لأمر خارج مفارق وهو الغش فلا يقضي بفساد المعاملة المشتملة عليه كما تقدم من أن النهي إذا لم يكن لذات المعاملة أو جزئها أو وصفها اللازم لم يقض بالفساد لعدم الدليل ودعوى أن المغشوش لم يقصد والعقود تتبع القصود وظاهر الضعف لحصول القصد قطعاً من المتعاملين كدعوى أنه من تعارض الاسم والإشادة هنا واردين على واحد وإنما وقع الإشتباه في وصفه نعم لو أخرج الغش المشار إليه عن حقيقة الاسم كما ذكروا وأن من العيوب ما يخرج به المعيب عن حقيقة المبيع إتجه ذلك وما ورد في بعض الأخبار من النهي الصريح عن العقد المشتمل عليه فهو من الأصلي الغيري لا الأصل النفسي أو يحمل على الكراهة وما قيل إن المغشوش نقله سفه مع عدم العلم غلط واضح إلا إذا خرج بالغش عن التمول نعم يثبت الخيار فيه لمكان الضرر خيار عيب أو شرط ضمني أو وصف أو غبن أو قد ليس وثبوت الخيار في العيب والوصف والتدليس دليل على صحة البيع المغشوش والغش قد يكون بفعل كمزج اللبن بالماء والشحم بالملح وقد يكون بإخفاء عيب وقد يكون بإظهار وصف حسن أو إخفاء صفة قبح وقد يكون بترك كعدم إخراج الشيء من ظرفه لإخفاء عيبه وعدم بيانه في مقام يفتقر المشتري إلى بيانه وفي حكم ذلك عرضه في زمان كالليل أو مكان مظلم لأجل الإخفاء ولو كان الشيء مما لا يخفى في حد ذاته جاز من وجه وإن خفي على المشتري لغفلة أو غباوة أو بلادة لأن الإرشاد غير واجب ومثله العيب الخفي فإنه لا يجب الإخبار به إذا خلا عن قصد الغش ومحاولة إخفائه.