پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج24-ص11

الثامـن والعشرون: مما يحرم فعله والاكتساب به الغناء إجماعا كتاباً وسنة بل وعقلا لأنه منبع الفساد الذي نهى عنه رب العباد وهو كالزنا حرام لنفسه لا للعوارض اللاحقة له الباعثة على الفساد كدخول الرجال على النساء واجتماع الأولاد وحدوث العشق واللواط واستعمال الملاهي من الرقص وآلات اللهو والضرب بالعود والرباب ونحو ذلك كما قد يتخيل وهو خيال واه مخالف لظواهر الأدلة بل الإجماع المحصل نعم ربما يكون ذلك حكمة للحكم لا علة والاستناد في جوازه بنفسه إلى بعض الأخبار الضعيفة الموافقة للعامة المخالفة للشهرة بل الإجماع محصلة ومنقولة بل الأخبار المتواترة الدالة على النهي عنه بقول مطلق لا وجه بالكلية سواء أراد أنَّ تحريمه مقصور على اقترانه بذلك أو أراد إن موضوعة موقوف صدقه على ذلك كلاهما بديهي البطلان أعاذنا الرحمن من وساوس الشيطان ومن أن حب الشيء يعمي ويصم ومثل ذلك من قصد تحريمه أو موضوعه في احتمال على ما لم يكن في قرآن أو تعزية لأخبار ضعيفة غير قابلة للتخصيص بل لا تقوم في نفسها في الحجية موافقة في الكتاب للعامة وهي في تعزية الحسين (() لطمع الدراهم من القارئين أو شهوة النفس من المستمعين ودعوى العموم من وجه بين أدلة استحباب قراءة القرآن وتعزية الحسين (() وتقديم أدلة الاستحباب لموافقتها الأصل من الأغلاط الواضحة لمنع تعارض الأدلة أولاً لأن الغناء من كيفيات الأصوات فالنهي عنه أخص من المأمور به وهو القرآن غاية ما في الباب دخول الكيفيات في إطلاق القراءة وهو لا يعارض النهي بالعام عن الغناء قطعاً وثانياً من المعتبر الوارد قوله ((): (ما أجتمع حلال وحرام إلا وغلب الحرام) وثالثاً أن موارد أدلة الاحتياط اللازم هي هذه الموارد وشبهها ورابعاً أن هذا التخصيص خلاف العرف والشرع ولو ساغ ذلك لحلت جميع الحرمات عند دخول المستحبات فيها من إجابة التماس أو سرور مؤمن أو غيره وهو خلاف البديهة بل لا يفهم أهل العرف إلا تخصيص المندوبات بالمحرمات على أن المطلقات من المثبتات تخصيصها النواهي لأن عمومها كالنص بالنسبة إلى الظاهر وهو ظاهر وخامساً أنه قد ورد إياكم ولحون أهل الفسق فإنه سيجيء قوم يرجعون القرآن ترجيع الغناء نعم العوام من الناس الذين لا يعرفون العرف لقلة تميزهم وإدراكهم سوى ما كان مستعملاً عندهم لا يسمون المؤذن والداعي والقارئ والناعي على الحسين (() مغنياً لاشمئزاز أطباعهم عن انتساب هذه الصفة لهؤلاء الفاعلين وبالجملة فالغناء لا يزيل حكمه ولا يرفع اسمه كونه في مندوب أوفى واجب ولا في كونه في قريض أو في شعر اليوم من البدو والمعدان وكذلك لا يثبت حكمه ولا يحقق اسمه بعد أن كان مقولة الأصوات الغير مشروطة اسماً وحكماً بشرط من الأمور الخارجة كونه يشتمل على الباطل من الكلام أو كونه مثاراً للفساد ودخول الرجال على النساء أو كونه مصاحباً لآلات اللهو للقطع بانه من مقولات الأصوات أو كيفياتها كما هو عند أهل اللغة والعرف فلا مدخلية لمصاحبته لشيء خارج عنه ولا يتوقف تحريمه على شيء خارج عنه لأنه هو اللغو واللهو وقول الزور نعم لو أتحد مع آلة اللهو صوت المغني كان حراماً من جهتين وما ورد في خبر (علي بن جعفر) عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى قال لا بأس مالم يعص به فهو محمول على التقية أو مطرح أو يراد به المشارف على تسميته غناء وهو استعمال شائع أو على الغناء في العرس إن قلنا به المقارن للعيدين ومثله في الحمل ما يقرب إليه مما يؤدي ذلك الحكم نعم قد أضطرب كلام اللغويين والفقهاء في بيان معناه وكذلك أهل العرف حصل لهم الاشتباه فيه لاشتباهه عندهم فلنا أن نرميه بالأجمال أو نبينه فإن رميناه بالأجمال قلنا أن لا نشك أن للغناء معنى واحد لغة وعرفاً وشرعاً وليس له معان متعددة حتى نحمل الأخبار على اللغة أو على العرف العام إن قدمناه عليها أو على المعنى الشرعي إن وجد بل هو المقدم عليهما وذلك المعنى الواحد اشتبهت ماهيته علينا فيجب علينا تجنب الجميع من باب المقدمة بناء على أن المحصور عند الأشتباه حكمه حكم الواجب فيجب ترك الجميع كما يجب الإتيان بالجميع ولا يتفاوت في لزوم الأجتناب بين شبهة الموضوع الراجعة إلى شبهة الحكم أو الراجعة إلى الموضوع نفسه كما قد يتخيل لا يقال إن هذه الشبهة في غير المحصور فلا يلزم اجتنابها للاجماع والعسر والحرج لأنا نقول ذلك حتى لو كان الاشتباه في افراد الأصوات أما لو كان الاشتباه في الأنواع كان من قبيل المحصور لا يلزم من الاجتناب عنه العسر والحرج لأنه من المعلوم أن كلامنا وأصواتنا المعتادة ليست غناء ووقع الشك في أنواع أخرى كيفيات خاصة مضبوطة ولو انها من غير معتاد الكلام والأصوات فيلزم اجتنابها ولا عسر ولا حرج بل قد يقال إن المقامات والألحان المشكوك في دخول الغناء فيهن أمر مضبوط عند المغنين بل كتبوا فيه كتباً ورسائلاً فيجتنب ذلك المشكوك به ويرتكب ذلك المقطوع بعدمه لا يقال إنّا فنتمسك بالأصل كالتكليف المجمل لا التكليف بالمجمل تأخذ فرداً مقطوعاً بأنه غناء ونتمسك في غيره بالأصل قلنا من المقطوع به أن هذا تكليف بالمجمل ولا يجري فيه الأصل على الأقوى لأنقطاعه بمثله ودعوى أنه يؤخذ فيه بالفرد المقطوع بأنه غناء ويتمسك في الباقي بالأصل مسلّم ولكنه ليس فرض المسألة لأن فرض المسألة الفرض إجمال هذا الموضوع بحيث لم يحصل تميز لبعض أفراده أو أنه حصل تميز لبعض أفراده ولكن قطعنا أن له أفراداً قد اشتبهت في غيره أما لو ظهر نوع أو فرد من المحرم وشككنا بعد ذلك في حرمة غيره فلا شك أن الأصل حل الباقي لعدم المقتضى لتحريمه لأن المقتضى الأجمال الذي دفعه ظهور فرد ينطبق عليه ذلك المجمل فيبقى الباقي مشكوكاً في أصل تعلق الخطاب به فالأصل إباحته نعم قد يقال إن الأصوات المتجددة ليست كالموجودات الخارجية في وجوب الاجتناب عنها في الشبهة لأن المتجدد إذا اجتمع مع الأصوات المتجددة المفروضة وهما ليس حكمها كحكم الموجودات الخارجية بحيث يتعلق بها خطاب المقدمة ومثل ذلك ما لو علمت أن فيما يصنعه الكواز إلى شهر إناء نجساً فقام يصنع ويبيع ألا ترى يجب علينا تجنب ما يعمله الكواز إلى شهر أو أكثر أو يقال إن هذا البئر من كل شهر يوماً من بالوعة نجسه ولكن لم يدر أي يوم من أيام الشهر إلى غير ذلك ولكن الأظهر في النظر عدم الفرق بين المتحدد والموجود لأنه موجود بحسب الإمكان في أحد الأزمنة فيجعل حكمه الموجود ويجري حكم الشبهة في النوع إلى الشبهة في الفرد بعد العلم بأن نوع الغناء هو الكيفية الخاصة فقرأ شخص أو قرأ القاري نفسه يلحق شك في دخوله تحت العنوان وعدمه فله أن يتمسك بأصل الإباحة وله أن يمنع الاحتياط لكونه كالشبهة المحصورة في الموجودات الخارجة وله أن يتمسك بالأصل بعد العلم بدخول فرد تحت الغناء غير هذا فإن لم يعلم فلا بد من الاحتياط وإن بيّناه فبيانه بعد العلم بأن معناه واحد أما بالرجوع إلى أهل اللغة النقلة أو الفقهاء الناقلين والرجوع إليهم يقضي بأخذ إثبات كل منهم وطرح ما نفاه أو بأخذ المتفق عليه منهم وطرح ما انفرد به كل واحد منهم أو ننظر في الترجيح بين النقل من الأكثرية والأعدلية والأصطية لأن كل واحد منهم مثبت لما نفاه الأخر ولأن ظاهر النقل أن التفسير هو تمام المفسر منطبق عليه لا أقل أنه خاصة أو جنس أو عوض عام فلا يكون جعله رسماً بما يلحقه مرة من الصفات ومرة لا يلحقه لأن الذين يقولون انه رسم يدعون أن تفاسيرهم كلها تشير إلى المعنى العرفي كالسعدانة نبت وهذا ضعيف لأن النبت بالنسبة إلى السعدانة جنس بخلاف من فسر الغناء بالترجيع والآخر بالمطرب فإنه على الأول قد ينفك عن الثاني بل قد ينفك عن الأول فلا يصلح تفسير الشيء بما يلحقه مرة وأخرى لا يلحقه فكيف يمكن أن جميعهم يريدون معنى واحداً يعرفه الجميع نعم الجميع يحاولون بيان المعنى العرفي وكل منهم بنظره أن المعنى العرفي ما فسره به لأنه في مقام البيان لأن الغناء من المحتاج إلى معرفة موضوعة لعدم التساهل بحكمه فظهر عدم إمكان القول بأن التعاريف لفظية ولا معارضة فيها وكلهم متفقون على معنى واحد يشيرون إليه بذلك التفسير إشارة وإن لم يكن المفسر به ملازماً لمخالفة الظاهر تمام المخالفة وعلى ما ذكرنا فلابد من الترجيح والطرح والرجوع إلى العرف لإمكان اشتباههم في العرف فلعلنا نفهم غير ما فهموه وطرح البعض لمفارقته دون الآخر أو جعل الجميع غناء عندهم على سبيل الاشتراك المعنوي أو اللفظي وإن كان بعيداً لظهور وحدة معناه أو جعل ما ذكروا غناء وما حكم به العرف أيضاً كذلك إن خالفهم ولا يمكن حمل المطلق على المقيد في كلامهم أو حمل العام على الخاص لأن شرط حمل المطلق والعام على المقيد و الخاص كونهما من متكلم واحد أو شبهه ككلام الأئمة (() على أن ذلك في التفاسير والحدود غير موافق للضوابط وعلى كل حال فالمعروف في تفسيره والأقوى إلى العرف هو الصوت الممدود أو مد الصوت المشتمل على رجع المطرب أي الذي من شأنه الإطراب لفاعله أو لمستمعة وإليه يرجع انه ترجيع الصوت ومده أو انه من الأصوات ما طربه أو انه تحسين الصوت أو انه مد الصوت وموالاته أوانه الصوت المطرب أو انه مد الصوت ضرورة إدارة مده على نحو غير نحو النداء أو الصراخ وأما العرف فمن المعلوم عندهم انه ليس كل من مد صوتاً في كلامه غناء سواء صرخ أو نادى ولا كل من رجع غناء ولو بالترجيع المنكر ولو مرة ولا كل من اعتنى بصوته وحسن غناءه لأن كلاً من الداعين والقارئين والزائرين كذلك ولا كل من أطرب بنفس صوته لحسنه غناء كما ينقل عن سيد الساجدين عن الأنبياء الماضين (() ولا كل من رقّقَ غناء ولو كان لضعف أو لأمر آخر أو لقبح كما يفعله النساء وهل المراد بالترجيع المرة والمرتين أو المراد وهل الطرب فيه في النفس أو لذة وميل للصوت وهديه أو بالمد العرفي أو الصرفي وربما عاد الإجمال في كلا تفاسيرهم والأظهر انه كيفية للصوت يعرفها أهل العرف لا نفس الصورة وله لوازم تنبعث عنه لكونه مطرباً محدثاً لخفة النفس عند استماعه مهيجاً لتذكر المعشوق عند سماعه وفعله محركاً للشهوة الحيوانية وهذه كلها تلحقه من حيث نفسه مالم يمنع من السامع له من تقوى أو حزن أوهم مانع أو مالم يمنع مانع من فاعله لكراهته وقبح صورته وخشونة صوته ويعرفه أهل العرف كما يعرفون الفرق بين حركة الرقص اللهوي المطرب وحركة اللطم الحزين وبين حركة الذي يسمونه يهوس في الحرب وكما يفرقون بين المهللة والمغنية وإن اشتملت الهلاهل على صوت عدود وترجيع وبالجملة فاللغويون حاولوا كشف معناه عرفاً وكل منهم تخيل وصوله إلى العرف دون ما هو عند أهل اللغة وإن كان كله بمعنى واحد والظاهر أنه لو أجتمع في الصوت المد والترجيع والتحسين والموالاة والأطراب المنشاني والترنيق على نحو خاص كان غناء عرفاً فالهلاهل غناء والحوراب الذي يصنع في الحرب كذلك ويمكن أن يقال أن الغناء يتبع القصد عند اجتماع هذه الأوصاف فإن قصد به القارئ والمستمع الطرب واللّهو وتذكر المعشوق كان غناء وإن قصد به حزناً أو بكاء أو مدحاً أو قدحاً لم يكن غناء وربما يساعد ذلك العرف اليوم ولكنه بعيد عن مذاق الفقهاء .