پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج24-ص9

السادس والعشرون: كلما لا نفع له يعتد به في المعاوضة لذاته أو لخسته أو لقلته كحبة حنطة في الأعيان وعمل قليل في المنافع لا تصح المعاوضة عليه إن بذل العوض في مقابله ومنه ما لا يصلح للنقل مطلقاً ولو مجاناً ومنه لا يتعلق به ملك أصلاً ومنه لا يتعلق به اختصاص وربما يختلف باختلاف البلدان والأزمان والأحوال ولا بد من التأمل في ذلك والتمييز بين ما لا نفع فيه أصلاً ورأساً وبين ما فيه منفعة لكنها غير معتد بها لعدم الاعتناء بها وبين ما له منفعة ظاهرة وبين ما لا له منفعة خفية وبين ما له منفعة نادرة يندر وقوعها وحكمها حكم المنفعة الظاهرة كمنافع بعض الأدوية والفرق بين نادرة الوقوع وبين ما لا يعتد به ظاهر والمنفعة الغير المعتد بها حكمها حكم ما ليس له منفعة ولا يدور الحكم هنا مدار الحشرات أو السباع أو المسوخ أو الفضلات ونحو ذلك فيجوز بيع كثير من الطير المشتمل على نفع والعلق من الدود وزنبور العسل ودود القز وعظام الفيل ودهن السمك وبالجملة فالشيء إما أن لا يكون له في حد ذاته منفعة إلا نادرة لا يعتد بها كالدود والقمل والبرغوث والبق وإما أن يكون له منفعة ولكنه مستغنى عن منفعته كبيع الماء على من هو فيه والطين على من هو في محله أو تكون له منفعة ولكن عرض له عارض عن الانتفاع كماء البحر لملوحته وبعض المياه كذلك أو تكون له منفعة ولكن لا طريق إلى الوصول إليها كدار لا طريق لها في الدخول إليها أو بستان كذلك أو تكون له منفعة بعد عمله كالتراب بعد صيرورته آجراً أو بعد هيأته كوضع الطين على هيأة اللبن أو الترب الحسينية المشرفة أو على غيرها من الهيئات المطلوبة أو يكون له نفع ببلد دون آخر أوقوم دون آخرين وبالجملة فما لا نفع فيه لا تصح المعاوضة عليه إذا كان مسلوب المنفعة بحد ذاته لأن شرع العقود لمصالح العباد ولتكسبهم ولحصول النفع لهم ولأن بذل العوض به من السفه المرغوب عنه وأخذه من أكل المال بالباطل نعم يتعلق به حق الاختصاص ما لم يمنع مانع من جواز اقتنائه كما قيل في بعض السباع المؤذية والسموم القاتلة الخالية عن النفع بغير ذلك فالدرياق المركب من خمر ولحم الأفاعي بل ويتعلق حقّ الملك في الكثير من ذلك لإجراء حكم الأملاك على كثير منها بل والتمليك المجاني سوى المعاوضة عليه ومن ذلك ما لا تصح المعاوضة عليه لقلته أو لعدم الوصول إليه مع احتمال أن القليل تصلح المعاوضة عليه بالمثل وإن لم تصلح بالقيمة كما يصلح نقله وانتقاله مجاناً وقد ذكروا هنا المسوخ والسباع والحشرات وبعض الحيوانات الصغار فمنع جماعة من بيع السباع كلها وجوز آخرون بيعها كلها وثالث جعل الأمر دائراً مدار النفع ورابع أستثنى الفهود وخامس ما يصاد به وسادس الهرة وجوارح الطير وفي جملة من الأخبار تجويز بيع الهرة والفهد وسباع الطير وجلود السباع والسباع وجلد النمور وهو دليل على جواز بيع ما أشتمل على نفع وجلده أو صيده أو عظمه والانتفاع بجلده دليل على طهارته وجواز بيعه وأما المسوخ فهو الحيوان المبدل من صورة إلى أقبح منها ويقال إنه لا يبقى أكثر من ثلاثة أيام فالموجود اليوم إما مواليدها إن كان لها مواليد أو الحيوان الذي على صورتها المتقدم عليها خلقاً كما هو الظاهر أو المتأخر عنها خلقاً فذهب الشيخ إلى تحريم بيعها مطلقاً بناءً على نجاستها وهو ضعيف لضعف المبنى عليه واجماعه المنقول معارض بما هو أقوى وفي الأخبار ما يدل على جواز بيع عظم الفيل مشطا وهو دليل على جواز استعماله بيعه حياً لمكان عظمه أو الصلح على عظمه وهو حي وما يدل على جواز استعمال جلود الثعالب والأرانب وهو دليل على جواز بيعه لأنه لم يحرم لبسه فلا يحرم ثمنه إذ لا يراد بما إذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه بتحريمه ولو من جهة واحدة بديهة بل إما من كل جهة أو من جهة ما حرم بينهما فعلى ذلك يجوز بيعهما لمكان جلدهما أو الصلح على جلدهما حيين وبالجملة فما أمكن الانتفاع به من المسوخ بشمله عمومات الأدلة من العقود والبيوع والإجارات ونقل عن العلامة (() أنه يقول إنَّ (أحل الله البيع) شامل لجميع أنواع المبيع عند الفقهاء في جميع الإعصار ويدخل تحت الملك لتحقق السلطان عليه مع وجود نفع يعود لمن تحت يده ولا تجوز مزاحمته ولا رفع يده فهو إما ملك أو اختصاص شبه الملك وربما يقال إنه لا فرق مع وجود المنفعة بين حيوان دون آخر اتفاقا فما في بعض الأخبار من النهي عن بيع القرد وشرائه أما خاص أو على الكراهة أو على نية اللهو أو كاشف عن أنه لا ينتفع به وأما الحشرات فهي التي لا تحتاج إلى الماء ولا إلى شم الهواء ومثله الحيوانات الصغار كالسلبوح والذباب وما شاكلها فحكمها كما قدمنا من جواز التكسب بها مع حصول النفع المعتد به وعدمه مع عدمه وتعلق الاختصاص به بعد وضع اليد عليه لأن مزاحمة الواضع ظلم وأما الملك فيشكل الحكم فيه لعدم كونه مالا أو مقتطعاً من مال أو يؤل إلى مال أو يعتد به بحيث يعده أهل العرف عداد المملوكات ولو شككنا في حيوان أنه مما ينتفع به أم لا فالأصل عدم الانتفاع به ومما يعد هنا فضلات الإنسان أيضاً من شعره وعرقه وبصاقه وكذا فضلات غيره من الحيوانات مما لا نفع له عادةً وإن أمكن الانتفاع نادراً في بعض الفضلات لخاصية فيها عند بعض أهل الخواص أو عند بعض أطباء الحيوان أو أهل الأسرار أو انتفعت إمرأة بشعر أخرى فإن هذه المنافع لا يسوغ معها النقل والانتقال بالعوض بل ولا التمليك المجاني وفي حصول الملك في بعضها وجه كما أن الاختصاص في كثير منها لامحيص عنه وأما التراب فالظاهر أنه مما لا يحتاج إليه فيدخل تحت دليل السفه في وجه وليس مما لا ينتفع فيه بل اكثر النفع فيه في عبادات ومعاملات وكذلك الرمل ويجوز بيع النوى وكثير من قشور الفواكه والخضروات والجوز والبندق وإن استغنى عنها ما لم يدخل تحت دليل السفه وأما بيع الدخان المتصاعد في المملوك حطباً أو غيره أو بيع البخار المتصاعد من الماء المملوك ونحو ذلك فلا يخلو عن إشكال ولو أمكن قبضه للشك في دخوله في الملك وحصول الانتفاع به نفعاً يقابل بالعوض وقد يقال بمنع بيع الهرة بعدم قضاء سيرة المسلمين ببيعها مع حاجتهم للتكسب وكثرة تداولها وما ورد من جواز بيعها محمول على دفع حق الاختصاص عنها ومن ذهب إلى التصدق بثمنها يشير إلى عدم لزوم نقلها أو انتقالها ويجوز بيع لبن الإمرأة لأنه يشتمل على نفع يعتد به وهو مملوك لها على الأظهر لأن الحر يملك منافعه وفوائده وهل يجوز نقل لبن الكافرة لتغذية الطفل أو منفصلاً لجواز أسترضاع الذميه وجهان من حصول النفع المعتد به ومن كونه من المائعات النجسة والأقرب جوازه تبعاً لأصالته ويجوز بيع لبن الأتان للتداوي به بل كل لبن ينتفع به نفعاً يعتد به ولو كان من غير مأكول اللحم.