انوار الفقاهة-ج22-ص8
الذي يظهر من مقتضى القواعد والضوابط أن للعامل في المساقاة لا يساقي غيره لانه قد ملك الحصة بعقد لازم فله نقلها لمن شاء والناس مسلطون على أموالهم ولانه قد ملك المالك عليه عملاً كلياً فله أداءه بنفسه وبغيره نيابة أو وكالة أو تبرعا أو مساقاة أو صلحا بنحو جائز أو غير ذلك إلا إذا شرط المباشرة عليه بنفسه فإنه لا يجوز له أن ينيب أحداً في العمل عنه إلا أن ظاهر أصحابنا وكأنهم على الاتفاق في ذلك انه لا يجوز للساقي أن يساقي غيره ويظهر من بعضهم تعليل أن المانع من ذلك نفس عقد المساقاة وحينئذٍ فلا يجوز حتى مع إذنه ويظهر من بعضهم أن المانع هو حق المالك فيجوز أن يساقي بأذنه وكلاهما لو لا ظاهر الاتفاق محل منع لضعف التعليل الذي عللوا به المنع من أن المساقاة التسليط على أصول الغير وعملها والناس مختلفون في ذلك اختلافاً كثيرا فليس لمن رضي المالك بعمله وأمانته أن يولي من لا يرضيه المالك ومن أن في المساقاة معاملة على الأصول بحصته من نمائها والعامل ليس له من الأصول شيئا وإنما يملك الحصة بعد ظهورها ولأن المقصود في المساقاة للمالك ليس مجرد الثمرة وتنمية الأصول وإصلاحها أيضاً من اعظم المقاصد الأصلية وهو مما يختلف باختلاف العاملين عملاً ونظرا وبما تقدم يحصل الفرق بين المساقاة والمزارعة لان المقصود من المزارعة هو نفس الحصة دون العمل في الأرض وإنما يجيء القصد إليها تبعا ولان الأرض يختلف حالها بعمل العاملين ولا يخشى علها الضرر بزرع واحد بها دون آخر ولان البذر غالبا من العامل فيعامل من يملكه كما يعامل صاحب الأصول على ملكه ومن هنا يعلم انه لو كان البذر من صاحب الأرض لم يجز للمزارع المزارعة للأرض بزارع عليها ما لكها وغيره دون الأصول وفي الجميع مناقشة واضحة ومنع غير خفي ومن هنا أشكل على بعض المحققين الحكم فيما لو ظهرت الثمرة وبقي فيها عملا تستزاد به فإنه جوز المساقاة حينئذٍ لصيرورة العامل شريكا فتسلطه عليها بالعقد كتسلط المزارع على الأرض بكون المقصود بالذات في كل منهما نفس الثمرة حينئذٍ وهي مملوكة للعامل لأنه إذا ساقاه حينئذٍ لا يجعل الحصة إلا مما يملكه إذ ليس له تصرف في مال المالك وعمله متعين عليه.
عاشرهــا ظهور كون الأصول لشخص آخر غير المتعاقد معه
لو ساقى شخص آخر على أصول فبانت مستحقة للغير فإن كانت الأصول قائمة والثمرة بعد غير ظاهرة والعامل بعد لم يعمل تخير المالك بين الإجازة فتنكشف صحة العقد من أول وهلة وبين الفسخ فينفسخ من اصله ولا شيء فإن تلفت الأصول كلا ا و بعضا تحت يد العامل لان العامل ذو يد إذا تصرف وكانت الأصول مخلي بينه وبينها إلا أن يده يد أمانة ولا منافاة بين كون العامل ذو يد وكون الدافع كذلك كان للمالك الرجوع على كل من الدافع والعامل لدخول الأصول تحت يد كل منهما فإن رجع على الدافع وكان هو المتلف واستقر التلف في يده لم يرجع على العامل وإن كان المتلف العامل أو استقر التلف في يده رجع الدافع مع علمه بالغصب ومع جهله لا يرجع إلا إذا تلفها عمدا وإن رجع المالك على العامل وكان هو المتلف أو استقرار التلف في يده وكان عالماً لم يرجع إلى الدافع وإن كان المتلف الدافع أو استقر التلف في يده وكان العامل جاهلاً يرجع إليه لغروره والمغرور يرجع إلى من غره وإن كانا عالمين وتلف تحت أيديهما كان له تضمين كل منهما الكل وله تضمين كل منهما النصف فأن ضمن كلا منهما النصف وكان التلف بالآفة السماوية لم يرجع أحدهما على الآخر وإن ضمن أحدهما الكل فأخذه منه كان للمأخوذ منه الرجوع إلى الآخر بالنصف لاستوائهما في العدوان وفي يد الضمان مع احتمال العدم لأنه قد اخذ منه بحق ووفاء حق الغريم فليبس له الرجوع على الآخر لأصالة براءة الآخر من رجوع الدافع إليه إذا لم يغرمه المالك وإن كان العامل جاهلا رجع بالنصف لغرره وإن عمل العامل عملا كان للعامل أجرة المثل مع جهله على الدافع وليس له مع العلم إلا على وجه ضعيف واستحقاق الأجرة مع الجهل إنما كان لاحترام عمله حيث أقدم على عوض لم