انوار الفقاهة-ج19-ص83
ثالثها: إذا تداعى الزوجان على دار خارجة عنهما أو في أيديهما أو في يد واحد منهما فهي دعوى كسائر الدعاوى إلا ان تكون يد الزوج أقوى فيما لو كانت الدار تحت أيديهما بأن كانت يده هي المتصرفة وكانت يد الزوجة ضعيفة كيد الضيف المعلوم ضيافته ويد الخادم ويد الولد والأيادي المتعاقبة الظاهرة في عدم الملك فإن اليد يد الزوج ومثله لو كانت يدها كذلك ولو شاع نسبة الدار لأحدهما كان لمن شاعت نسبته إليه من زوج أو زوجة خارجة عنهما أم لا ولو تداعى الزوجان في مال خارج عنهما فهي كسائر الدعاوى أيضاً ولو تداعيا على مال في يد أحدهما ولا يد للآخر عليه فهي كذلك مطلقاً ولو تداعيا على مال في أيديهما ليس من متاع البيت فهي أيضاً كسائر الدعاوى إنما الكلام فيما لو تداعى الزوجان في متاع البيت المشتركين في وضع يديهما عليه من غير فرق بين الزوج الدائم والمنقطع وبين المطلقة وغيرها تزوجت بغيره أم لا ما لم تخرج من الدار وبين كون الدار ملكاً لأحدهما أو لهما أو غيرهما ولا بين كون النزاع بينهما أو بين ورثتهما أو بين أحدهما وورثة الآخر ولا بين كون المتنازع عليه مما يختص بأحدهما كالحلي والمقانع والثياب الحريرية للامرأة أو كالعمائم والقلانس والحزام للرجل أو لا يختص بأحدهما ولا بين اشتراك اليد الحقيقية منهما كالذي يستعملانه بينهما أو الحكمية كالموضوع في البيت من الفرش المهجورة والأواني الموضوعة ولم تكن بينة لأحدهما وحيث تقام البينة من أحدهما فما تنازعا فيه لمن أقامها وان أقاماها قسمت نصفين فذهب الشيخ في المبسوط انهما مع عدم البينة إذا تداعيا تحالفا وقسم بينهما ما تداعياه مطلقاً بجميع الصور المتقدمة وكذلك إذا نكلا وذهب في الخلاف ان ما يصلح للرجال لهم بيمينهم وما يصلح للنساء لها بيمينها وما يصلح لهما يقسم بينهما بعد التحالف وادعى عليه الإجماع وذهب إليه المشهور من الأصحاب وقال المحقق انه اشهر من الروايات وأظهر بين الأصحاب والمراد بما يصلح هو ما يختص فيعبر عنه بهذا مرة وهذا أخرى وذهب الشيخ في الاستبصار ان القول في ذلك قول الامرأة بيمينها وذهب العلامة والشهيد إلى الرجوع في ذلك إلى العرف العام أو الخاص فإن وجد عمل به وان انتفى واضطرب كان بينهما ويريدون بالعرف العادة في كون المتاع لمن باعتباره الإيقان به وشرائه وعمله وادخاره ونحو ذلك وقيل ان المتاع للرجل فالقول قوله وسبب هذا الاختلاف الأخبار والاعتبار ففي صحيحة رفاعة النحاس ما يدل على الثاني وفيها إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلهما ما يكون للرجال والنساء يقيم بينهما وإذا طلق الامرأة فادعت ان المتاع لها وادعى الرجل ان المتاع له كان له ما للرجال ولها ما للنساء وهي صريحة في المطلوب وان كان صدرها لا تصريح فيه بالدعوى ولكن عموم الحكم يقضي به والشيخ في الاستبصار حمل هذه الرواية على التقية أو الصلح وشهد له الاعتبار أيضاً ففي السرائر نقلاً والذي يقوى عندي ما ذهب إليه في مسائل خلافه لأن عليه الإجماع وتعضده الأدلة لأن ما يصلح للنساء الظاهر انه لهن وكذلك ما يصلح للرجال أمّا ما يصلح للجميع فيداهما عليه فيقسم بينهما لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر ولا يرجح أحدهما على الآخر ولا يقرع ههنا لأنه ليس بخارج عن أيديهما وإنما القرعة لو كانت بيد ثالث وأقام كل منهما البينة وتساوت من جميع الوجوه ويؤده ان المختص غالباً بمنزلة اليد والتصرف غالباً يتبع من اختص فيه لظهور كثرة التصرف فيه ممن قد اختص فيه بل ظهور اختصاص يده به وإنما يختص بكل منهما يأتي به المختص به غالباً وفي القواعد والضوابط وعموم الأدلة ما يدل على الأول وفي رواية عبد الرحمن المعروف في قضاء بن أبي ليلى فيمن توفى عنها زوجها فيجيء أهله وأهلها في متاع البيت فقضي مرة فيه بقول إبراهيم النخعي إنما يختص للامرأة فلها وما يختص للرجل فله وما يشتركان فيه يقسم بينهما نصفين وقضى أخرى ان المتاع للرجل والمرأة بمنزلة الضيف وقضى ثالثة ان المتاع للامرأة إلا ان يقيم الرجل بينة على ما احدث وقضى رابعة بالقضاء الأول فقال أبو عبد الله القضاء الأخير وان كان قد رجع عنه المتاع متاع الامرأة إلا ان يقيم الرجل البينة قد علم من بين لابتها يعني حبلى مني ان الامرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع وفي روايته الأخرى إلا الميزان فانه متاع الرجل وصحيحة الآخر إذا مات الرجل أو الامرأة فادعى ورثة أحدهما الآخر في متاعهما أو طلقت فادعاه الرجل وادعته الامرأة ان ابن أبي ليلى قضى فيها بأربع أولها قضاء إبراهيم النخعي ثانيها انهما يدعيان جميعاً والذي بينهما يقسم نصفين ثالثها هو للرجل والمرأة داخلة عليه إلا متاع لا يكون للرجال فهو للمرأة رابعها انه للامرأة إلا الميزان فانه للرجل قال وشهدته انه قضى بذلك فقال الإمام القول الذي اخبرتني انك شهدته منه وان كان قد رجع عنه وقال لو سألت من بين لابتها ونحن يومئذ بمكة لأخبروك ان الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت الامرأة إلى بيت الرجل فيعطى الذي جاءت به وهو المدعي وان زعم انه احدث فيه شيئاً فليأت البينة وفي رواية زرعة عن سماعة عن الرجل يموت ما له من متاع البيت فقال : السيف والسلاح والرحل وثياب جلده ما يدل على الثالث وفي فحوى هذه الأخبار جميعاً ما يدل على الرابع حيث ان الأول جعل المدار في كون القول قوله الصلاحية والاختصاص والباقيات جعل الإمام المدار فيها على جريان العادة بحمل الزوجة المتاع من بيت أهلها فيدور الأمر مدار العرف والعادة في نسبة المال لأحدهما وعدمه وفي دلالتهما على اليد وعدمه وعلى كونه من أيهما جاء ومن أي مكان حمل فليس في الأخبار ما يدل على انه للزوجة تعبد بل لمكان العلة وكذا ما دل على الصلاحية أيضاً مما يشعر بأن القول في الحكم هو كونه صالحاً لأحدهما دون الآخر فيكون الاختصاص قرينة على كونه المتاع للمختص به فيدور الأمر مدر العادات في حمل المتاع حيث انه يختلف بحسب الأزمنة وبحسب الأمكنة فمرة يحمله الزوج كله ومرة الامرأة كله ومرة كل يحمل ما اختص به ومرة كل يحمل العكس فتحمل الامرأة ثياب الرجل فتاتي بها إليه ويحمل الرجل ثياب الامرأة فيدفعها إليها ومرة تكون العادة في الحلي انه من مهر الامرأة إلى غير ذلك فالموافق للعادة يكون هو الموافق للظاهر يكون القول قوله وهذا الأخير أقوى وعليه تجتمع الروايات ولكن يبقى الكلام ان هذا الحكم هل يختص بالزوجة والزوج أو يعم كل ما كان مثلهما في حصول القرائن بالاختصاص بأحدهما يداً أو نقلاً كما إذا اجتمع حداد وصائغ في دكان فتداعيا جميع ما كان فيه وكذا غيرهما من أهل الصنائع وكذا عين الزوج والزوجة من كل رجل اجتمع مع أنثى وكان يدهما على متاع فيكون الاختصاص مرجحاً لأحد اليدين على الأخرى أمّا باعتبار كشفه عن اليد الحقيقية أو عن التصرف بل لولا ظاهر الاتفاق لكان مرجحاً مع خروجهما أيضاً لكشفه عن اليد السابقة أو اللاحقة وكذا العادة تكون مرجحة لأحد اليدين كما يعتاد عند اجتماع الأب والابن ان الناقل للمتاع هو الأب وكذلك كل رئيس ومرؤوس ويحتمل ان هذا الحكم يخص الزوج والزوجة وورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر وما ذكر في الرواية من قبيل الحكمة لا العلة فنحكم بما صلح لأحدهما انه للمصالح له للرواية والإجماع المنقول وشهرة الحكم به ونجعل موافقته للظاهر مرجح آخر باعتبار قضاء العادات ان الصالح لشخص يختص به وكذا نرد الروايات الدالة على انه للزوجة كما إلى ما كانت العادة والعرف قاضيان بحمل المتاع منها إلى بيت الزوج ولو اختلف العرف اختلف الحكم باختلافه فيكون هذا الظاهر قد اعتبره الشرع في خصوصهما ويعتبر سريان الترجيح لكل ما شابهه فيكون هذا الظهور المنبئ عن الملك أو قوة اليد والتصرف المأخوذ من العرف والعادة بالحمل أو الاختصاص مرجح لأحد اليدين وأن أمكن خلافه كما يمكن ان الزوجة ورثت من أبيها وأخيها مالاً من سيوف وعمائم وورث الزوج من أمه ثياباً وأقمصة حرير ونحو ذلك كما رجح الشرع باليد عند تعارض الدعويين ورضى باليمين من المنكر ورجح قول المدعي بالبينة والشياع ورجح أحد البينتين على الأخرى بالمرجحات إلى غير ذلك نعم لما كانت الصلاحية والاختصاص مرجحة لظهورهما بحسب العادة في الملك وان المختص مملوك لمن اختص به وظهورهما في قوة اليد السابقة أو الحالية وفي التصرف كان الأمر يدور مدار العادة المظنونة فلو تعارض في المال الاختصاص لأحدهما به على جريان العادة بحمله ونقله من عين من اختص كما إذا جرت العادة بنقل الزوجة ثياباً للزوج أو بدفع الزوج ثياب الزوجة اعتبر الراجح من الأمرين والظاهر ان جريان العادة بالنقل مرجح على مجرد الصلاحية كما تنبئ عنه الأخبار من دون استفصال بين الصالح وغيره وقد يقال ان هذه الروايات محمولة على ما كان مشتركاً من متاع البيت كما هو الغالب في الدعاوى دون المختص فنقدم الاختصاص أولاً ثم ننظر إلى مرجح الحمل والنقل وبالجملة فالقول بالترجيح بحسب العرف والعادة قوي وان ناقش به بعض المحققين ولكن في سريانه لكل ما كان مثلهما من غيرهما مع معارضة الأدلة الدالة على قسمية ما كان تحت اليدين نصفين من غير استفصال في البين مشكل وقد تحمل الأخبار على صورة الشك في اليد لا على حالة اليد المقطوع بها للزوم قسمتها نصفين ولا على حالة العلم بأنهما خارجين للزوم تتبع المرجحات فيها وهو قوي لولا ان ظاهر الأصحاب على خلافه ولبعض المتأخرين كلام حيث انه بنى على ما بنى عليه الشيخ في الخلاف ونقل عليه الإجماع وجعله المشهور ورد كلام الشيخ في المبسوط إلى كلامه في الخلاف حيث فهم ان جعل الفتوى به أحوط فهو مجوز لما عليه المشهور قائل به إلا ان ذلك أحوط واحتمل فيه انه جعل الاحتياط من الشيخ في الفتوى بما عليه في الخلاف فيكون قائلاً به صريحاً وجاعله موافق للاحتياط لإيهام عبارة الشيخ للأمرين ثم ذكر كلام ابي فهد في الرد على القول بدوران الحكم مدار الصلاحية فيحكم بالصالح لمن صلح له انه لو كان حقاً لزم الحكم بمال شخص لغيره لكونه صالحاً لذلك العين وهو باطل وبيان اللزوم لأنه جاز ان يموت للامرأة أب فترث منه عمائم وطيالسة ودروع وسلاح ويموت للرجل أم فيرث منها حلياً ومقانع وقمصاً مطرزة بالذهب ويكون ذلك تحت أيديهما فلو حكم لكل واحد بما يصلح له لزم الحكم بمال الإنسان لغيره لا يقال قال النبي(: إنما نحكم بالظاهر والله متولي السرائر وما قلنا هو الظاهر لأنا نمنع ان ذلك هو الظاهر لا كان الظاهر راجح غير منع من النقيض ومع ما ذكرنا من الاحتمال لا رجحان وما ذكره من العرف ممنوع لأنه لو كان فائدة شرعية لزم الحكم بذلك في غير الزوجين لو تداعى رجل وامرأة في متاع هذا شأنه ثم رد عليه بأنه اجتهاد في مقابلة النص من السنة والإجماع والشهرة فلا يرتكبه ذو درية وبان منعه من الرجحان مدفوع بما ذكره العلامة من العرف والعادة وبما ذكره المشهور من الصلاحية أمر بديهي ورجحانه غير خفي ومنعه بالكلية مكابرة والقول به فاسد وما ذكره من الاحتمال غير مناف للرجحان لأن الاحتمال لا ينافي الطرف الراجح كما لا ينافي الظهور المحكوم به في جزئيات مسائل الدعاوى الاحتمالات القائمة بخلافها وما ذكره من المنع على كلام العلامة ان أراد به منع حكم العرف بالظهور فهو مع انه لا يساعده تعليله بعده مكابرة وان أراد منع حجيته ففيه ان الأخبار والإجماع المنقول حكمت بحجيته في هذا النوع الخاص وأما فيما شابهه من الموارد فيتوقف على الدليل أو يجعل الدليل على العموم لسائر المولود هو الرواية المذكورة وتتبع موارد الدعاوى هذا مضمون ما ذكر وهو حسن إلا لم ينصفه في الرد عليه بما ذكر من الرد على جعل الظاهر هنا حجة من حيثية انه ظاهر لا من حيث الدليل الخاص ونقل عن الصدوق انه يظهر منه القول بأن ما يصلح للرجال والنساء تختص به النساء وهو غير صريح منه وضعفه ظاهر نعم قد ورد في بعض الأخبار ان الامرأة تموت فيدعي أبوها انه أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم أتقبل دعواه بلا بينة ؟ فكتب ( في الأب لا يجوز بلا بينة وفي آخر ان ادعى زوج الميتة وأبو زوجها أو أم زوجها في متاعها وخدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع والخدم أيكون بمنزلة الأب في الدعوى فكتب لا وهذه الأخبار معرض عنها لم يعمل بمضمونها أحد وأوردها الشيخ إيراد الاعتقاد أو مخالفة لأصول المذهب ولإجماع المسلمين من ان المدعي لا يعطي بمجرد رد دعواه ذكر ذلك ابن إدريس وزاد عليه وحمل الرواية على الاستفهام الإنكاري في قوله يجوز بلا بينة وحملها بعضهم على ما إذا علم انه نقلته من بيت أبيها وان أباها جهزها به وهو حسن لو اجتمعت يدان اتبع في الحكم لأحدهما قوة اليد لصيرورتهما عند الاجتماع هي اليد وصاحبها منكر والخارج عنها مدعي عرفاً وان كانت لو انفردت كانت يداً وذلك كراكب الدابة مع سائقها وقائدها فإن ذي اليد هو الراكب دونهما وان حصل من كل منهما تصرف ويد وسوى في الخلاف بين الراكب والأخذ بالزمام وهو بعيد والمستأجر بالنسبة إلى الحمل اقرب يداً من المؤجر وبالنسبة إلى السرج والقتب بالعكس وكذا ثياب العبد المستأجرة والمعار والرحى المثبتة والرفوف والسلالم لمؤجر الدار وغير المنصوبة والأثاث بالعكس والابرة والمقص للخياط لا لصاحب الدار إذا تنازعاه لظهور إنها له بالعرف وإذا اجتمع أهل الصانع كان لكل منهم ما يخصه من آلات صنعته عرفاً .
رابعها : لو ادعى صغيراً مميزاً أم لا انه مملوكه وكان تحت يده ولا يعرف له نسب ولا معارض له قضي له به إلا ان يعلم انه لقيط لإطلاق الأدلة فإن بلغ وانكر حلف المولى وان كان الأصل هو الحرية لثبوت رقيته شرعاً فلا تزول إلا بحجية وكذا لو ادعى اثنان رقيته كان لهما ولو تنازعا عليه تحالفا وكان بينهما ولو ادعى زوجيته صغيرة لم يحكم بزوجيتها لأن اليد تقضي بالملكية لا الزوجية ولو ادعى كبيراً بالغاً عاقلاً لم يحكم برقيته إلا ان يصدقه أو يكون على ظاهر العبودية فيتصرف فيه وهو ساكت لا يعارض ولو كان مجنوناً فكذلك بعد افاقته ولو ادعى رقية البالغ اثنان فصدق أحدهما كان لمن صدقه لأنه صار تحت يده وعلى المصدق اليمين ولو أقاما بينة احتمل نقديم بينة غير المصدق لأنه خارج والأوجه إنها لا تقدم بذلك لأن إقرار العبد على نفسه إقرار في حق الغير وذلك لثبوت رقيته بكلتا البينتين والرق لا يد له على نفسه كي يكون إقراره لغيره كإقرار ذي اليد فتقدم هي على القول بتقديم بينة الداخل أو مقابلها على القول الصحيح وإنما اليد لمولاه والكلام في إثباته وهذا بخلاف ما لم يكن هناك بينة فصدق أحدهما فانه ليس بثابت الرقية قبل تصديقه وإنما تثبت رقيته بتصديقه فالإقرار مثبت للعبودية لا ناقل لها من يده إلى غيره وفي المقام كلام .