انوار الفقاهة-ج19-ص76
سادسها : إذا ادعى شيئاً بيد غيره فقال هو لفلان فإن كذبه المقر له رجع أمرها إلى الحاكم وطلب الحاكم من المدعي البينة على إنها له وإلا فهي مجهولة المالك ويحتمل انه يترك في يد المدعي عليه إذ لعل المقر له يرجع فيدعيه إلى ان تقوم بينة من المدعي إنها له ويحتمل انه يسلم للمدعي من غير بينة لخروجه عن ملك المقر ولا منازع فيه للمدعي وهل له ان يدعي بعد ذلك إنها لي فيقول غلطت بذلك الظاهر له ان احتمل في حقه ذلك إلا إذا قبضها الحاكم وان صدقه المقر له اندفعت عنه الخصومة في العين إلى المقر له فإن أقام المدعي بينة إنها له أخذها ولا غرامة على المقر وكذا ان أخذها باليمين المردودة أو بالنكول وان لم يأخذها من المقر له كان له اليمين على المقر إنها ليست له فإن حلف فلا شيء وان نكل أو اقر له أو رد عليه اليمين فحلف لزمته الغرامة للمدعي لحيلولته بينه وبين ماله بإقراره به لغيره وهو الأوجه وقيل ونسب للشيخ انه لا يغرم فعلى ذلك لا يتوجه عليه يمين ولا دعوى وذلك لأن الإقرار الثاني أو النكول وان صادف محله إلا ان الإقرار الأول ليس من أسباب الضمان إلا ان يسلم العين بيده فيضمن لعموم ضمان اليد غايته ان العين تمكن من أخذها بواسطة الإقرار والإقرار ليس من أسباب الضمان وفيه ان الإقرار بسبب الحيلولة بين المدعي وبين ماله فلو لا الإقرار الأول لدفعها بالإقرار الثاني ولا يؤثر الثاني إلا انه إقرار في حق الغير بعد ان اقر بها للأول أو المفروض ان المقر له ثانياً غير متمكن من تخليص ماله لعدم البينة وحيلولة الإقرار بينه وبينه وقد يقال انه على قول الشيخ أيضاً له إحلافه لإمكان ان يرد اليمين عليه واليمين المردودة بمنزلة البينة لا بمنزلة الإقرار بناء على ذلك أو إنها حجة مستقلة وحيث يغرم القيمة للمدعي فان تلفت وإلا فإذا رجعت إلى المدعي بإقرار المقر له أو ينكوله ارجع القيمة إلى المقر لأنه لأخذ القيمة لمكان الحيلولة فإذا رجعت العين ارجع عوضها إذ لا يجمع بين العوض والمعوض مع احتمال عدم الرجوع لأن القيمة صارت عوضاً عنها فيستحقها المقر حينئذ ولو اقر بالعين إنها وقف فالأظهر انه بعد إقراره للثاني أو نكوله يغرم قيمته الوقف فيشتري به وقفاً وان قال : العين ليس لي أو لمن لا اسميه اجبر على تعينه لاحتمال انه المدعي وان قال لواحد لا اعرفه لم يجبر على الأظهر لأنه ظلم فلعله لا يعرفه فقيل لا تنصرف عنه الخصومة في الغبن هم ولا ينتزع من يده لأن يده عليه فلا يؤخذ منها إلا بمزيل قطعي وكون هذا من قسم الإقرار المزيل لحكم اليد غير معلوم وفيه ان القول بأنه ليس لي أو لمن لا اعرفه لا ينافي استحقاق وضع يده عليه فلا ينتزع منه وقيل بأنه ينتزعه الحاكم بعد تكليفه بالجواب على التعين إذا قال ليس لي أو قال لواحد فإن لم ينبه انتزعه الحاكم وانصرفت عنه الخصومة في العين إلى ان يقيم بينة ولو اقر بها بعد ذلك المعين أو للمدعي سمع والأوجه انصراف الخصومة عنه وعدم انتزاع الحاكم لها لاحتمال وضعها لحق وان قال هي لطفل أو مجنون أو وقف عليهما أو على الفقراء أو على المصالح اندفعت الخصومة عنه سوى اليمين المتقدم وبقي على بينة فإن أقامها اخذ وإلا فلا نعم له يمين على ولي الطفل بنفي العلم عن كونها له وعلى نفي العلم بكذب إقرار المقر وان قال هي لغائب انصرفت في العين عنه أيضاً الخصومة إلى ان يحضر الغائب فيصدق أو يكذب وليس عليه سوى اليمين على نفي وهل ينتزع الحاكم من يده العين لأنه مال غائب فيرجع حفظه إليه أو لا ينتزع لإمكان وضع يده عليها بحق والأوجه انه ان أطلق أو قال هي بيدي اعارة أو إجارة أو بوكالة أو أمانة لم تنتزع وان قال هي غصب كان للحاكم انتزاعها أو تكليفه بالرد فإذا حضر الغائب فإما ان يصدق أو يكذب على ما تقدم ويحتمل ان للمدعي إحلافه فإن نكل اخذ العين إلى ان يقدم الغائب ولو دفع العين المقر بها للثاني ضمن للأول المثل أو القيمة ويحتمل في الصور المتقدمة ان تحليف المدعي للمقر يكون على البت ولا يجزيه الحلف على نفي العلم وهو وجه إلا ان الاظهر انه بعد إقراره صار بمنزلة غير المالك فهو كالوصي فيحلف على نفي العلم ثم ان ضمان المقر وقت الإقرار لأنه به تحققت الحيلولة مع احتمال كونها وقت اليمين المردودة أو النكول لأنه بهما ثبت حق المدعي ولو أقام المدعي بينة على إنها له بعد الإقرار إنها لغائب حلف مع البينة على بقائها على ملكه إلى الآن ما لم تشهد البينة بذلك وهو على حجته إذا قدم في حرج الشاهد أو إثبات الانتقال ولو أقام صاحب اليد بينة على إنها للغائب فإن أثبت وكالته عنه أو ولايته سمعت بينته بناء على سماع بينة الداخل وان لم يثبت فلا تسمع دعواه ولا بينة لأنه ليس لإنسان ان يدعي عن آخر ولا يمضي حكم الحاكم والحال ذلك ولو ادعى المدعي على صاحب اليد العلم بإنها له لم تكن له بينة كان له اليمين على نفي العلم عليه فلو أقام صاحب اليد البينة على إنها للغائب فهل يسقط عنه حق اليمين بتلك البينة وان لم يتحقق بها الإثبات أم لا وجهان ولو ادعى صاحب اليد إنها رهن عنده أو إجارة سمعت دعواه وقبلت بينته فلو أقام البينة بذلك وأقام المدعي بينة على إنها له ففي تقديم بينة أيهما إشكال من خروج المدعي وشهادة بينته بالملك فتقدم لأنها بينة خارج ومن خروج صاحب اليد بدعواه الرهن والإجارة وشهادة بينة بالسبب وهن الرهن أو الإجارة فتكون أولى بالتقديم لأنها بينة من يدعي التشبث ولو صدق المدعي حيث لا بينة فجاء من أقام البينة انتزعها ولا غرم للمنتزع على من كانت في يده سبب اعترافه لوصول ما يدعيه إليه بالبينة ولو اقر بها للمنتزع لم يغرم للمدعي لأن الحيلولة بينه وبينها لم يكن بالاعتراف بل بالبينة .
سابعها : لو ادعاه بألف فقال : ابرأتني منها كان إقرار الاستلزام البراءة الشغل ولو قال لي عن دعواك هذه مخرج فليس بإقرار لاحتمال كون المخرج نفس الإنكار ولو أجاب مستهزئاً بحيث يظهر من حاله ذلك لم يلتزم لأن الشرط في نفوذ الإقرار التصريح فلو ادعى بواحد فقال مثلك من يطلبني مائة ألف أو قال بلى ذلك من دولة أبيك المعسر وغير ذلك ولو ادعى بألف فقال مالك عليَّ ألف لم يكن إقراراً بما دون بل الأقل مسكوتاً عنه أو أحد المعاني لو طلب منه اليمين لزمه ان يقول مالك ألف ولا اقل منه ولو قال له مزقت ثوبي فلي ارشه جاز ان يجيب بنفي التمزيق وجاز ان يجيب بنفي الارش ويكفي ذلك ويحلف عليه ولا يلزم بجواب نفي التمزيق لعدم ترتب ثمرة عليه سوى الارش ولعله مزقه دفاعاً ولو قال لي عندك كتاب وكان له عنده كذلك إلا انه رهن أو إجارة جاز له ان يقول مالك عندي ما يجب دفعه إليك أو لا يجب على دفع شيء إليك وفي جواز انه يجيب مالك عندي ملك مورياً عن الملك المطلق الغير المحجور عليه وجه وليس بالبعيد ولو اشترى منها زيد شيئاً فادعاه به غيره فجادل الغير وقال هذا مال زيد اشتريته منه وليس لك فيه شيء فانه ليس بإقرار في مقام المجادلة لظهور إرادة تخليص ما اشتراه من المدعي لا لبيان حال المبيع نعم لو ظهر منه الجد كان إقراراً ولا يرجع على البائع بالثمن لاعترافه بظلم المدعي .
ثامنها : لو انتزع أمة بحجة من أحبلها ثم اعترف ببطلان دعواه اخذ بكليهما فيحكم باعتبار الأول بحرية الولد ووجوب نفقته عليه وفي الجارية بأنها أم ولد تلزمه نفقتها وباعتبار الثاني يمنع من وطء الجارية واستخدامها وميراث الولد ومطالبته بالنفقة ويؤخذ منه قيمتها ومهرها وقيمة ولدها يوم ولد ولا يرد إلى المالك الذي اعترف بظلمه لعدم نفوذ إقراره بالبينة إليهما نعم يغرم القيمة ولو اعترفت هي بظلمه ردت إلى مولاها لأن الحق لا يعدو ثلاثتهم .