پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج19-ص60

ثانيها : المدعي عرفاً هو من نسب إليه شيئاً من شأنه ان ينكر ويطالب بإثباته أو نسب إلى غيره شيئاً من شأنه ان ينكره أو يطالبه بإثباته فالأول يدعي لنفسه والثاني يدعي على غيره ومن الأول من ادعى ما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان ومن الثاني البينة على المدعي والمعروف في المدعي شرعاً هو كل من ذكر ان له على غيره حق يجاوز استيفاءه منه أو ذكر انه قد وفى حق غيره بعد ثبوته عليه يحاول خلاصه منه ففي المدعي شائبة من شوائب الإنشاء فالدعوى تتضمن معنى زائداً على مجرد الأخبار واختلف الفقهاء في تفسيرها على قولين كما ذكر جماعة وهو المعنى الأول أو الثاني المردد بين مخالفة الأصل أو الظاهر وقيل ثلاثة بجعل المردد قولين ربما يظهر من بعضهم انهما اثنان وهو الأول وأول المردد بينهما ويظهر من آخرين انه الأول وثاني المردد بينهما وعلى كل حال فالظاهر من هذه التعاريف إنها كشف عن العرف لا بيان المعنى الشرعي لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية لعدم ثبوت معنى جديد مفرّع للدعوى في الشرع وانهم يحاولون بيان معنى واحد فلا يصح الجمع بين تعاريفهم بحمل العام على الخاص أو بالحمل على الاشتراك اللفظي أو الاشتراك المعنوي لأن كلا منهم بين معنى غير الذي بينه الآخر والظاهر انه آخر أحد يحاولون في تعاريفهم كشفه وبيان المراد منه بذكر لوازمه وخواصه فكل يذكر له خاصة وعلامة غير الآخر وكل منهم يريد بأصل المعنى ما يريده الآخر وليس اختلافهم في اصل المعنى الموضوع له اللفظ حق يكون من باب تعارض النقل أو من باب اختلاف الاجتهاد وان كان الظاهر من جماعة ان هذه أقوال متغايرة وانه اختلاف في اصل المعنى بحيث يلزم معه الترجيح والاجتهاد في تطبيق المنقول على العرف وعدمه وعليه فكل قول في بيان معنى المدعي يكون المنكر مقابله وعليه فالأرجح تعريفه بمن لو ترك لترك لأنه اقرب إلى العرف ولا ينظر بعد ذلك إلى موافقة الأصل وعدمها ولا إلى موافقة الظاهر وعدمها وفي الغالب ملازمتهما له على انه يشكل المراد بالأصل هو الأصل العقلي أو الشرعي كأصل الصحة فلم يعلم أيها المراد بالموافقة والمخالفة وأيضا فالأصول لم تزل متعارضة في باب الدعوى ويشكل المراد بالظاهر لأنه على الظاهر في مقابلة الخفي مع انهم عدوا من مخالفة الظاهر ودعوى زيد في ذمة عمر مالاً ويقوى القول بأن اختلافهم بالتعاريف من قبيل الاختلاف بالعلائم فكل يذكر علامة للمعنى العرفي لأنه لما كان المعنى العرفي هو نسبة الإنسان لنفسه أو لغيره أمرً يطالب بإثباته مما يلزمه انه يخلي وسكوته لأنه لا يطالب بإثباته إلا إذا حاول حصوله فإذا تركه ترك ويلزمه ان يقول غالباً خلاف الأصل لأنه لو كان على الأصل لسلم له ولم ينكر أو خلاف الظاهر لأنه لو وافقه لسلم أيضاً وحينئذ فالمنكر من لم يتصف بشيء من هذه العلائم وعلى هذا الوجه يكون الترديد منهم ترديداً في أفراد الحد بالخاصة فكل حد منهم قابل لأن يحد به ذلك المحدود ولو فرض ان المتراضين وجد في كل منهم خاصة من ذلك الخواص متساوية أو متغايرة جاز للحاكم ان يطلب البينة من كل منهما والأظهر انه يطلبها ممن يخلي وسكوته لأنه اقرب للعرف وأظهر أفراد المشترك اللفظي أو المعنوي لو كان كذلك وأسلم العلائم وأحكمها أو يقال انه عند التعارض يكون مما اجمل على الفقيه حالة فيأخذ بالفرد الأكمل وبالأحوط الدية والمعنى الأول متفق عليه فيطلب البينة من صاحبه فإن اشكل عليه طلب البينة من كل منهما إذا كانتا بينة إثبات لأن بنيته الإثبات مسموعة إذا لم تكن بنية داخل فيطلب الترجيح وان كانت أحدهما بنية نفي أطرحها ويطلب اليمين من كل منهما بل قد يقال ان في كلام كثير من الفقهاء إجمالاً بناء على ان الترديد في نفس الحد فيعود الترديد للمحدود فيكن من باب المجمل وبالجملة فالمدعي سيما عند الخصومة لا يخفى عليه الفقيه الماهر وهو من الألفاظ الموضوعية فيرجع فيه إلى ظن الفقيه الجامع للشرائط ويختلف ذلك بالنسبة إلى ابراز الدعوى فرب صورة يكون المدعي فيها منكراً في صورة أخرى وهي دعوى واحدة كما إذا اسلم الزوجان فأبرزا الدعوى في بقاء الزوجية وزوالها فمدعي الزوال مدعٍ ولو أبرزاها في تقدم الإسلام ومقارنته فمدعي الاقتران مدعٍ فلو قال الزواج ببقاء الزوجية وقال بالاقتران وذكرهما معاً فهو منكر بالنسبة إلى الأول مدعٍ بالنسبة إلى الأخير ولو لم يقرنهما جرى على كل من الصورتين اسمها وكذا ينبغي ان يلاحظ قولهم ان المدعي ما خلي وسكوته ان مدعي وفاء الدين ليس مدعياً ان لوحظ فيه اصل الدعوى ولأن الغريم يريد ماله فلا يتركه وإن لوحظ فيه انه لو يترك دعوى الوفاء لأدى فترك من التداعي إلزاماً بإقراره الأول والظاهر ان المراد المعنى الأول وبهذا عرف ان دعوى الودعي الرد مدعي لمخالفته الأصل وليس بمدعٍ بالمعنى الأول ولكن خرج عن الحكم بالإجماع لإحسانه القاضي بالاكتفاء منه باليمين وكذا الأمين في دعوى التلف واحتمال انه يوافق الظاهر لأنه يدعي بقاء أمانته وصدقه ويوافق الأصل وهو استصحاب صدقه وأمانته وعدم خيانته وصدق قوله بعيد لأن هذه لوازم لدعوى الرد والدعوى هي نفس الرد ويمكن سماع قولهم لأنهم يتركون لو تركوا والفرق بين دعوى الوفاء وبين دعوى الرد هو اعتضاد دعوى الرد بقاعدة الإحسان واعتضاد دعوى الغريم بقاعدة إحسانه وبتسمية أهل العرف لمدعي الوفاء انه مدعٍ كما ان قول مدعي الصحة يقدم وان خالف الأصول العقلية لاعتضاده بالأدلة الشرعية سواء كان مصب الدعوى هو نفس الصحة والفساد أو ما يلزمهما من علم بالقدر أو القدرة على التسلم ونحوها .

ثالثها : يشترط في المدعي والمنكر العقل والبلوغ واحتمال سماعها فيما يصح من غير البالغ كدعوى الأذن في دخول الدار ودعوى الوقف والوصية بناء على صحة وقفه ووصيته كما يدعي إني وقفت هذا المبيع وجعلت الولاية لي ليفسد بيعه أو أوصيت به سابقاً لزيد أو إني وقفته أو أذنت له في دخول الدار وكونه مالكاً أو ولياً أو وصياً أو حاكماً أو وكيلاً عني من تقدم أو حسيباً من عدول المؤمنين عند الاضطرار أو له تعلق حق من رهانة أو وديعة أو عارية على الأظهر الأقوى مغصوبتين مع ضمانهما عليه بل مع عدمه أو حق عام من خمس أو زكاة أو وقف عام ولا تسمع دعوى الفضولية ولو حكم الحاكم له لم ينفذ حكمه ويجوز للحاكم ان ينصب عن الغائب والقاصر من يدعي عنه ويصح دعوى المشتري فضولاً ممن غصب من اشتراه ولو قبل الإجازة لتعلق حقه على الأظهر ولاية يجوز الدعوى بما لا يتمول في وجه ولا فيما لا يملك إلا إذا تعلق له به حق كبعض الكلاب والسنانير والأرواث وان لم يتعلق بها ملك ويصح على ما يعود له به نفع وان ملكه غيره أو كان لا يملك وتصح الدعوى بواجبات كانت على المكلف كاحراق كتب الضلال وتكسير الزيوف وتكسير الأصنام فغصبها غيره وكان قادراً على استخلاصها ولا يشترط في دعوى الملك اللزوم فيجوز ان يدعي المبيع معاطاة أو ما فيه خيار للمدعي عليه إلى أن يفسخ ويجوز ان يدعي الهبة بعد قبضها نعم لا تصح الدعوى بما لم تثبت صحته كالهبة قبل قبضها والسلم والوقف قبل قبضها والصرف كذلك إلا إذا عاد عليه نفع من وجوب التقبيض وشبهه نعم يصح إطلاق الدعوى في الهبة وتنصرف إلى المقبوضة الصحيحة وكذا الوقف وكذا دعوى السلم ولا يجب على الحاكم الاستفسار لظهور اللفظ أو الدعوى في الصحيح فلا يجب على مدعي الهبة ونحوها ان يقول : وقبضت أو تصرفت وكون العقد الجائز ينزل إنكاره منزلة فسخه وانه لو اقر به لا يلزم به فلا ثمرة للدعوى به ضعيف لمنع الأول ولجواز الإلزام لنذر أو شبهة ولجواز إبقائه عند الإقرار به فيمضي أثره .