انوار الفقاهة-ج19-ص50
ثامن عشرها : لا يجوز للقاضي ان ينفذ حكم قاضٍ آخر ويمضيه بمعنى الحكم بنفوذه وإجراء آثاره وقطع النزاع به والزام المحكوم عليه به بل وصحته بالنسبة إلى المتداعين وان خالفه فيه بمقتضى الدليل الظني ولا يجوز الرد عليه عند مخالفته بالدليل الظني ولا بد من إمضائه ظاهراً نعم لا يجوز له العمل واقعاً بحكم المخالف له كما إذا حكم عليه بأن المطلقة بالثلاث المرسلة زوجته وهو يرى وقوع الطلاق بها فإنه يلزمه إمضاء حكمه ظاهراً وعدم العمل عليه بينه وبين الله تعالى ولا منافاة ولا يجوز للقاضي ان يحكم بحكم قاضٍ آخر لأنه حكم به لأن الحكم لا يكون إلا بأسبابه من البينة واليمين المردودة ونحوها وعلى ما ذكرنا فلو قطع القاضي بحكم القاضي الآخر من شياع ونحوه أمضاه والإمضاء يختص بحقوق الناس سواء كان عن قطع أو ظن ولا يعم حقوق الله ولو كان عن قطع على ما يظهر من الأصحاب وانما اختص بحقوق الناس لابتناء حقوق الله على التخفيف وقد يحتمل العموم في المقطوع به وكذا لو حكم بحضوره منشأ للحكم أما لو اخبره : باني حكمت بذلك فالأوجه القبول لأن الاعتماد عليه في إنشائه يقضي عليه بصحة إخباره به ولتضمن الإنشاء الأخبار وهو فتوى المشهور والأولى ان يبرز الحاكم حكمه بصورة الإنشاء في مقام يجوز ذلك دون الإخبار وكذا لو اقر المحكوم عليه بالحكم أو قامت بينة على إقراره وهل يكفي اعتراف المحكوم عليه بكتاب مدرج يتضمن الحكم عليه به فيقول هذا الكتاب حق أو قول القاضي مشيراً إلى كتاب يتضمن الحكم : ان هذا الكتاب حق وجهان الجواز لأنه اقرار وان كان بمجمل أو مجهول يمكن استعلامه واقرار العقلاء على أنفسهم جائز فيجوز ان يشهدا على ذلك بإقراره كما يشهد على الوصية بكتاب أقرّ أنه مشتمل على وصية أو مشتمل على بيعة وشرائطه وموانعه أو نحو ذلك والمنع للإجماع المنقول عليه ولعدم القطع بتفصيله ولاحتمال الخطأ فيه من السهو في الكتابة والغلط فيها أو الخطأ في التأدية والكذب فيها ونحو ذلك والشهادة لا تكون إلا على مثل الشمس واحتمال الخطأ في الإقرار اللفظي لا عبرة به إجماعاً ولا يجوز تنفيذ حكم قاضٍ بكتابه إلى قاضٍ آخر إجماعاً منا ولرواية السكوني المعتبرة المنجبرة وللأصل القاضي بعدم صحة تنفيذ الحكم ولو عرف خطه ورسمه ولو كانت فيه خطوط أخر ما لم يقطع بصدقه ولا تكفي القرائن والأمارات ولو دفع القاضي كتابه إلى آخر وقال : ما في هذا حكمي لم يلزم لأن الحكم لا يكون إلا باللفظ بل لو شهد شاهدان ان هذا حكمه كتابه أو أشهدهما على ذلك لم يثبت الحكم بل لو علم ان الخط خطه وانه كتب : حكمت وأخبر الشاهدين إني حكمت بمضمون هذا الكتاب لم يلزم إلا ان يبين مضمونه بنفس اللفظ لاحتمال الخطأ ولكن لا يبعد صحته تنفيذ الحكم في هذا الأخير لجريان السيرة به ولقضاء العلم بالقطع بصدور الحكم منه لفظاً ووقوعه على مضمونه الذي تضمنه ظاهر الخطاب ولمكان الضرورة الداعية إلى تنفيذ مثل هذا الكتاب المقترن بذلك الكلام من الحاكم والشاهدين ولجريان السيرة القطعية على الأخذ بما في كتب الأصحاب من فتاواهم وآرائهم وأقوالهم والنقل عنهم وحيال ان هذه الأدلة تقضي بجواز العمل بكتاب قاضٍ إلى آخر مطلقاً بعيد لمخالفته للأصل والإجماع ودعوى تأدية عدم العمل بالكتاب إلى أبطال الحجج والطوامير التي قد استمرت السيرة على فعلها دعوى ضعيفة لأن الحجج لتذكار الأحوال لا لإثبات الأموال وبالجملة فما لم يقطع من الكتاب بصدور الحكم اللفظي من الحاكم وكون الكتاب دليلاً عليه لا يؤثر أثراً وإخبار الحاكم بكتابه : إني حكمت وان كان مقطوعاً بكتابه له أيضاً لا يؤثر لأن المقطوع به هو ما إذا أخبر بلفظه نعم لو كان الحكم به مقطوعاً به من كتابته بحيث لا يحتمل السهو والغلط ولا يحتمل الكذب جاز انفاذه واحتمال الكذب في إخباره ساقط لمكان السيرة ومساواته للإنشاء بخلاف احتمال الكذب في الكتابة فانه لم يعم دليل على اعتبارها مع ذلك الاحتمال وهل يلزم تنفيذ ما شهد به الشاهدان على صدور حكمه المعين على المعين وان لم يشهدهما الحاكم وجهان من الأصل وحرمة العمل بالظن ومن ظاهر الأصحاب نقلاً عن المنع ومن حجيته شهادة الشاهدين وقيام السيرة على الأخذ بهما أمّا لو أشهدهما الحاكم فالمقطوع به من كلام اكثر الأصحاب قبول شهادتهما لقيام السيرة ولمكان الضرورة وللعسر والحرج لولاه ولصعوبة نقل الشاهدين على الأصل وعدم التمكن من شهادة الفرع غالباً لعدم سماعها مع تعدد الطبقات ولعدم أبطال الحجج بتقادم الأزمنة لإمكان إثبات حكم الحاكم في كل زمان عند آخر واثبات تنفيذ الآخر له عند آخر وهكذا فتستمر الحجج والطوامير على هذا الطريق ولعدم انقطاع الخصومات والنزاع لو لم يثبت الحكم الأول بالبينة لاستلزام ذلك المرافعة في الدعوى الواحدة عند حكام متعددين لا يعلم أحدهم بحكم الآخر ومنع البعض من قبول الشهادة على الحكم للإجماع المنقول على عدم جواز العمل بكتاب قاضٍ إلى آخر ولرواية السكوني المانعة عن ذلك ولأصالة عدم العمل بالظن وعدم نفوذ الحكم ضعيف لأن الأولين غير محل النزاع والآخرين مردودان بالأدلة على الجواز .
تاسع عشرها : يلزم في شهادة الشاهدين أن يشهد على الحكم لا على الثبوت فلو شهدا على انه ثبت عندهم للحاكم الآخر كي يأمر بالمعروف به وينهى عن المنكر كما كان للأول ان يأمر وينهى ولا بد ان شهدا على عين المحكوم عليه أو على اسمه أو وصفه المقطوع بانطباقه عليه فلو كان محتملاً لغيره عند الشاهدين أو عند الحاكم بعد شهادتهما بحيث لم يعلم ان هذا هو المشهود عليه لم يجز له التنفيذ نعم لو ادعى المدعي على شخص انه المحكوم عليه أو المشهود عليه فأنكر كان للمدعي اليمين عليه على نفي ذلك فإن اقر الزم بالحق وظاهر جملة من الأصحاب ان المشهود عليه بالوصف لو كان مما لا يقع الوصف بغيره إلا نادراً كذي رأسين أو يد زائدة أو استقصى الوصف بحيث يكون احتمال انه غيره ضعيفاً قبلت شهادة الشاهدين في ذلك والزم بالحق ولو أنكر الاختصاص بالوصف لم يسمع قوله إلا بأن يحضر من شاركه بالوصف فإن اقر من شاركه بالحكم الزم بالحق واطلق الأول وإلا اطلقا ووقف الحكم أو يقيم بينة على المشاركة ولو شهدت بمشاركته ميت له لا يعلم ان ذلك الميت لم يعاصر المدعي أو لم يحضر معه لو شهدا عليه بالحضور فإذا أقام بينة بذلك وقف الحاكم عن الحكم إذ الحكم على أحد الرجلين لا يفيد فائدة .