انوار الفقاهة-ج19-ص22
استدل القائلون بجواز الحكم عليه بالحق بمجرد النكول بأصالة عدم لزوم رد الحاكم وأصالة براءة ذمة الحاكم من الرد وأصالة براءة ذمة المدعي من لزوم اليمين وأصالة عد كونها حجة للمدعي وأصالة عدم كون النكول عنها مبطل للحق وأصالة عدم توجه اليمين على غير المنكر وأصالة عدم صحة تولي الحاكم الرد بعد كونه من وظائف المنكر وبقوله ( : البينة على المدعي واليمين على المنكر حيث حصر البينة في المدعي فلا تلزم على المنكر وحصر اليمين على المنكر فعند نكوله يلزم بالحق لأن اليمين عليه وحيث لا يمين على المدعي وكان اليمن على المنكر فعند نكوله يلزم بالحق لأن اليمن عليه في دفع الحق فمن لم يحلف ثبت الحق عليه لأن دفعه موقوف على اليمين كما ان إثبات الحق موقوف على البينة بالنسبة إلى المدعي وإلزام المدعي بالبينة على سبيل الوجوب الشرطي في ثبوت حقه وإلزام المنكر باليمين على جهة الوجوب الشرطي في رفع الحق عنه وهل يجب على المنكر اليمين وجوباً شرعياً تخييرياً بينه وبين الرد فإن لم يفعل أحدهما عصى وجه لا يبعد من سياق الرواية ولكن ظاهر الأصحاب عدم الوجوب الشرعي وعدم جواز عقوبته وحبسه نعم لو ترك الجواب وعدم جوازها على ترك اليمين والنكول نعم يجب عليه مخيراً بين دفع الحق وبين اليمين عليه ويجوز حبسه على ذلك و قد يحتمل هنا أيضاً جواز القضاء بالنكول من دون حبسه وإلزامه باليمين لأن الحبس عقوبة لا يثبت موجبها واحتمال سقوط الدعوى هنا احتمال بعيد وبرواية الأخرس عن علي حيث كتب له اليمين وأمره بشربها فامتنع فألزمه الدين الظاهر في ترتب إلزامه الدين على الامتناع وتعقيبه له لمكان إلقاء وهو ينافي تخلل اليمين على انه لو كان هناك يميناً لنقل ولا يجوز عدم بيانه للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة والرد عليه ان التقدير لازم في الخبر لأن مجرد الامتناع عن اليمين لا يثبت الحق إلا بالامتناع عن الرد إلى المدعي أيضاً فحين لا بد من التقدير وتقدير هذا ليس بأولى من تقدير الرد على المدعي بمعنى فامتنع فرد اليمين فألزمه الحق وان البيان متأخر عن وقت الخطاب لا عن وقت الحاجة لأن الحاجة إلى كيفية بيان حلف الآخر لا بيان حكم امتناعه وان الرواية حكاية حال فلا عموم فيها وان ما اشتملت عليه الرواية من طريق حلف الأخرس لا يقول به الأصحاب فيضعف الاستناد إليها وان مضمونها مخالف لما اطبق عليه الجمهور من نسبة رد اليمين إلى علي ( ضعيف لظهور الامتناع في الامتناع عن اليمين وردها بل كان الامتناع عن ردها مفروغاً منه وإلا لم يحتج إلى تحمل مؤونة كتابة اليمين وغسلها وأمره بشربها وكان يكفي دون ذلك من البيان والتغليظ ولمنع القول بالفصل بين الأخرس وغيره وكونها حكاية حال لا تنافي لزوم التأسي ولأن ورودها مورد بيان الكيفية في اليمين ظاهر في إرادة كيفية اليمين المترتب عليه أداء الحق بقرينة ترتبه عليه على ان تأخير البيان عن وقت الحاجة والخطاب كلاهما ممنوع ولمنع كونه عن الكيفية التي عند الفقهاء من تحليف الأخرس بل هو فرد منه عند إرادة التغليظ ولمنع الاعتماد على رواية الجمهور خلافه عن علي( بعد ورود الرواية الصحيحة فيه وبرواية الأخرس المعتبرة في الرجل يدعي الرجل ولا بينة له قال: بيمين المدعي عليه فإن حلف فلا حق له وإن لم يحلف فعليه وليس من طريقها سوى ياسين وهو من أهل الأصول والرد عليه بوجود نسخة أخرى من الفقيه بدل محل الشاهد وان يرد اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له ضعيف لأن تعدد النسخة كتعدد الرواية حجة من المقامين وبان الضمير عليه محل لاحتمال عوده إلى المدعي وخبره اليمين واحتمال عوده إلى المنكر ومبتدئه غير الحق بل بقاء الدعوة وشبهها ومنه بقاء اليمين المردودة لإثبات حق المدعي وهو بعيد لأن الاحتمال لا ينافي الظاهر وبان في ذيل الرواية ما يؤذن بلزوم رد الحاكم اليمين لقوله : ولو كان المدعى عليه حياً الزم باليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه بصيغة المجهول والعدول عن المعلوم إليها أمارة على ان الراد ليس خاص بالمنكر وليس غيره إلا الحاكم وفيه المنع من ثبوت صيغة المجهول وليس بمسلم فالمنع خاص من انحصار الفائدة فيما ذكر وبان مضمونها موافق لفتوى العامة فيضعف بها الاستدلال وفيه انه موافق للحنفية مخالف للشافعي وغيره وقعاً واستدل الموجبون لرد اليمين من الحاكم بأصالة عدم نفوذ الحكم بدونه وبالاحتياط وبان الحاكم ولي الممتنع وقد امتنع المنكر من الحق الذي عليه فيتولاه الحاكم وبالاجماع المنقول وبفتوى مشهور المتأخرين وبان هذا القول موافق لفتوى الشافعي وهو موافق لمذهب الإمامية غالباً وبان العامة نسبوا هذا القول لعلي ومن البعيد كذبهم وتخطئتهم وبقوله : يمين المطلوب أولى من طالب الحق وفي الجميع نظر لانقطاع الأصل بالدليل ومعارضة الاحتياط بالاحتياط فيما لو نكل المدعي عن اليمين فانه يذهب حقه وبان ولاية الحاكم يكفي فيها الحكم بالنكول عند الامتناع عن اليمين ورده لأن مشروعية اليمين لرفع الحق عنه ولضعف الإجماع المنقول بمصير الكثير من الفحول إلى خلافه وفتوى المشهور غير حجة في معارضة الروايات المتقدمة وقول العامة لا اعتماد عليه وكذا الموافقة لفتوى الشافعي والروايات ضعيفة ومنها حكاية حال لا تفيد العموم في المقام ويمين المطلق لا شك أولى ان أريد به اللزوم وأولى أيضا ان أريد به الندب بالنسبة إلى الرد والحق ان الأدلة من الجانبين لا تخلو من وهن سيما أدلة القول الأخير مما يخرج عن مواضع النزاع هو ما إذا لم يكن المنكر الرد ولا الحاكم لعدم كون المدعي مالكاً إذا كان دعوى تهمة أو كان وصياً وشبهه فإن الظاهر هنا الحكم بمجرد النكول أو حبس المنكر فأما أن يحلف أو يؤدي وكون الحبس عقوبة لا بأس به عند استحقاقها واحتمال سقوط الدعوى ضعيف وإطلاق رواية الأخرس وغيرها تدل على ان النكول بمجرد الامتناع من اليمين وليس فيها ان يقول الحاكم حلفت وإلا جعلتك ناكلاً فوجوب الواحدة لا دليل عليه بل قد يقال ان تحليف الوصي والولي للمنكر إذا هم المنكر بالحلف لا مصلحة فيه فلعل الطفل يبلغ ويصل إلى حقه بيمين مردودة أو بينة أو نكول نعم إلا إذا قلنا ان اليمين هنا لا تذهب بما فيها لأن المتيقن من ذلك ما إذا رضى المالك بيمينه لا غيره من ولي أو وصي جاز اليمين هلما وقد يخرج عن مسألة ما إذا كان المدعي عليه ولياً أو وصياً أو شبههما فانه يلزم على الحلف على نفي العلم ولا يجوز له رد اليمين على المدعي ولا للحاكم مع نكوله لعدم الغبطة بمال الطفل فلو فرضنا انه أمر على نكوله لزم الحاكم تحليف المدعي احتياطاً وتسليمه ما ادعى به ويبقى الطفل على حجته بعد بلوغه فإن أنكر وحلف على الجزم من اخذ ماله من الوصي لتفريطه أو من المدعي لمباشرته كما يمضي فعل الوكيل عن الغائب في رد اليمين أو في ثبوت الحق بالبينة مع يمين الاستظهار أو بدونه ويحتمل مضي فعل الولي على المولى عليه وليس له تجديد الدعوى ويحتمل الفرق بين الولي الإجباري فيمضي عليه فعله وبين غيره فيضمن لتفريطه برد اليمين على المدعي أو نكوله عن الحلف على نفي العلم وقد يستدل على الحكم بمجرد النكول ما جاء في مفاهيم أخبار المنكر مثل من حلف له فليرض ومن حلف فصدقوه فمفهوم لا تصدقوه ولا ترضوه ومفهوم ذهبت اليمين بما فيها وذهبت بحق المدعي انه إذا لم يكن بيمين فلا تذهب بل يبقى الحق ومفهوم ان المدعي في اليمين المردودة إذا نكل سقط حقه فهذا يثبت الحق عليه ولأن صحة دعوى المسلم لا ينقضها كما هو المفهوم من الأخبار إلا اليمين ولا يكفي فيها مجرد الإنكار فالقول بالحكم بمجرد النكول أقوى .
سابعها : قوله ( : البينة على المدعي واليمين على من أنكر مقتضي بحسب منطوق الأولى ان البينة تختص بالمدعي وبحسب مفهوم الثانية حيث حصر اليمين في رفع الحق على المنكر باليمين ان المدعي مقصور على البينة ليس له في اليمين نصيب وكذا حصر اليمين بالمنكر من منطوق الثانية ومفهوم الأولى وكان بمقتضى الرواية ان الفقرتين بينهما عموم من وجه لاقتضاء الأولى ان البينة مثبتة للحق سواء جامعها يمين المنكر أم لا واقتضاء الثانية ان اليمين رافعة لدعوى المدعي سواء جامعتها بينة المدعي أم لا وهي فيما لو لم تكن بينة وأبقى الأولى لقوة البينة وأبقى الأولى على حالها ومن ذلك يفهم ان المدعي يثبت حقه فيما لو امتنع المنكر عن اليمين لتوقف ارتفاع الحق عن المنكر على اليمين فإن لم يحلف يلزمه بالحق ولا ينافيه ما ذكرناه من حصر المدعي على البينة لأن ذلك حصر بالنسبة إلى اليمين لا بالنسبة إلى كل مثبت بأخذ المدعي به حقه وما ظهر من بعض الأخبار من الأمر بانضمام اليمين إلى البينة محمولة على الندب عقد استرابة الحاكم من أحد الشاهدين أو على التقية أو شبهها .