پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج19-ص11

فائدة: تتجزى ملكة العدالة فتكون متعلقة ببعض الكبائر دون بعض وبعدم الإصرار على بعض الصغائر دون بعض وعلى اجتناب بعض منافيات المروة دون بعض ولكن الفرد الكامل الذي هو شرط في القبول هو المتعلق باجتناب جميع الكبائر وبعدم الإصرار على جميع الصغائر وباجتناب جميع منافيات المروة أو بعدم الإصرار عليها في وجه آخر وقد تترقى الملكة فتتعلق باجتناب جميع الصغائر وهي مرتبة المتقين بل تترقى فتتعلق باجتناب جميع الشبهات وهي مرتبة الورعين وقد تتعلق باجتناب المكروهات وفعل جميع المندوبات وهي مرتبة المقدسين بل قد تترقى فتتعلق باجتناب جميع المباحات وفعل جميع الطاعات وهي مرتبة الأبرار بل قد تترقى فيكون صارفاً كل ذماته وحركاته وسكونه في العبادة مع الخشية والخضوع وهي مرتبة الأولياء والمقربين إلى غير ذلك ولكن الشرط في قبول الشهادة المعنى المعروف بل هو كافٍ في كل ما يشترط فيه العدالة نعم قد يقال في منصب القضاء والإفتاء والولايات انه لا بد من الزيادة على العدالة من ورع وخشوع ومواظبة على كثير من المندوبات والقيام بالمواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والزهد في الجملة وتجنب الشبهات إلى غير ذلك كما يفهم ذلك من طريقة نصب أمير المؤمنين ونصبة الأئمة لآبان بن تغلب وقوله( : هذا مقام شقي أو ولي ولظهور جملة من الأخبار في ذلك ولولا ان الفقهاء على خلافه لكان القول به متجهاً وهل يخل بالعدالة ترك جميع المندوبات عمداً وجه قوي بل ربما يؤذن بمنافاته للمروة وعدم مبالاته بالطاعات والاكتراث في الدين وسيما ترك الجماعة لأنه منصوص وتاركها يستراب فيه ويراد باجتناب الكبائر اجتنابها بعد التفطن لها والقدرة عليها لا مجرد الاتفاق وقد يشكل ان اجتناب الكبائر لا يكون إلا للعارف بها ومعرفتها مما يشكل على العامي فلا بد من الإلتزام أن يعرف باجتناب كل كذب حتى تدخل في اجتنابه الكبائر ولا تقبل شهادة غير العارف بالكبائر وقد يقال بكفاية معرفة انه عنده ملكة لو عرف الكبيرة لاجتنبها والكل محتاج إلى التأمل والكبيرة قد تحد فيقال هي ما أوعد الله عليها النار كما في صحيحة ابن أبي يعفور حيث قال : ويعرف باجتناب الكبائر التي اوعد الله عليها النار بناء على ان الصفة موضحة لا مخصصة ويراد بالوعد عليها بالخصوص كما هو الظاهر وإلا فقد توعد الله العصاة وقيل : ما توعد الله عليها العقاب في الكتاب أو على لسان نبيه ( وقيل : ما قام على حرمته قاطع وقيل : كل معصية تؤذن بقلة المبالاة في الدين وقيل : ما سمي عند أهل الشرع بالكبيرة وقيل كل ذنب كبيرة إلا إنها تختلف بحسب الإضافة وهؤلاء عندهم كل ذنب مخل بالعدالة إلا ان يتوب عنها أو عندهم لا يخل بالعدالة إلا الكبائر المتوعد عليها أو انه عندهم يخل كل ذنب عند ظهوره ومع عدم ظهوره بل ظهور الصلاح منه تقبل شهادته وأهل هذا القول جعلوا الكبائر والصغائر اضافية فالقبلة صغيرة إلى ما فوقها من الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر إلى ان تنتهي إلى اصغر ما لا اصغر منه والظاهر انه لو تحقق هذا عندهم كان صغيرة ويحتمل ان المخل بالعدالة عندهم هو خروج الشخص عرفاً عن سمة التقوى والورع بحيث يقال عند أهل الشرع : ليس من أهل الديانة والتقوى وهذا القول محكي عن الشيخ المفيد وابن البراج وأبي الصلاح وابن الجنيد وابن إدريس ونقل عليه الإجماع واستدل لهم بما جاء من الأخبار ان كل معصية عظيمة وكل ذنب يوجب النار وما جاء من التحذير عن استحقار الذنب واستصغاره كقوله ( : لا تستحقروا شيئاً من الشر وإن صغر ولا تستحقرن صغيرة فربما كمن فيها غضب الله تعالى وهو ضعيف لمعنى الإجماع وللزوم القول به إلى انتفاء العدالة غالباً ولقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) (الشورى: من الآية37) وفي الخبر ان الأعمال الصالحة تكفر الصغائر وأيضا من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه وورد في بعض الأعمال إنها تكفر الذنوب إلا الكبائر وأيضا في تفسير قوله تعالى : ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(النساء: من الآية48) من الكبائر وما ورد في تعدادها وخصرها أقوى شاهد وكذا ما هو المشهور عند الإمامية ان الصغائر تقع مكفرة وهو التكفير وقيل إنها سبع الشرك وقتل النفس وقذف المحصنة واكل مال اليتيم والزنا والفرار من الزحف والعقوق وقيل تسع بزيادة السحر والظلم في بيت الله وقيل عشر بزيادة الربا وقيل اثنا عشر بزيادة شرب الخمر والسرقة وقيل عشرون السبع الأول واللواط والسحر والربا والغيبة والنميمة واليمين الغموس وشهادة الزور وشرب الخمر واستحلال الكعبة والسرقة ونكث الصفقة والتعرب بعد الهجرة واليأس من روح الله والأمن من مكره وقيل مع ذلك زيادة أربع عشرة أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله والسحت والقمار والبخس في الكيل والوزن ومعونة الظالمين وحبس الحقوق من غير عسر والإسراف والتبذير والخيانة والاشتغال بالملاهي والإصرار على الذنوب وقيل بعد ذلك القيادة والدياثة والغصب والنميمة وقطيعة الرحم وتأخير الصلاة عن وقتها المفروض والمكذب على الله ورسوله وضرب المسلم ظلماً وكتمان الشهادة والسعاية إلى الظالم ومنع الزكاة وترك الحج والظهار والمحاربة وقطع الطريق. وعن ابن عباس إنها إلى السبعمائة اقرب منها إلى السبع وفي الخبر انه كل ما عد كبيرة لأن الله تعالى يقول وذكر ما جاء فيها من الوعيد من الكتاب وهو ظاهر في المعنى المتقدم وكذا الخبر المتقدم وهما ظاهران في انهما ما توعد الله عليهما في الكتاب والظاهر ان هذه اكبر الكبائر وإلا فالكبائر معرفتها موكولة لنظر أهل الشرع ولما جاء في الأخبار من عظم الذنب ومن المعلوم بديهة ان هنا كبائر كالحكم جوراً فيها والفتوى كذباً اللتان يؤديان إلى تحليل الفروج والأموال المغصوبة والفتها والمكر وتشيع الفاحشة واهداء الكفار على المسلمين إلى غير ذلك وقد تصير الصغيرة كبيرة مع عدم المبالاة بالمعصية وعدم الاكتراث بطاعة الله تعالى بل قد يقال يكون كفراً وهل تجب الشهادة على من كان فاسقاً وجه وهل يجوز للفاسق التقدم للجماعة والقضاء وتولي أموال الأيتام وجهان الأول لأن النهي تعلق بالأتمام به ونصبه قيماً وتقبضه الحق والترافع إليه دون فعله لذلك فتبقى العمومات شاملة والثاني لظهور التلازم بين النهي عن الاقتداء وبين تقدمه للقدرة وبين دفع الحق إليه وبين قبضه له لما نرى كثيراً من أحكام الشرع يبين منها أحد المتلازمين ويوكل بيان الآخر إليه ويجري ذلك في شرائط الإمامة وربما كان في تقدمه وقضائه إغراء بالجهل ولاستبعاد أن يقول الشارع ترافعوا إلى الفاسق ويقول للفاسق اقض بينهما وقد يفرق بين حالة العلم من المترافعين بفسقه فيحرم عليهما وعليه وبين الجهل فينفذ ولا يحرم على أحد منهما أو يحرم عليه خاصة والمراد بعدم الإصرار هو الإكثار من نوع أو أنواع من الصغائر فعلاً أو تركاً أو ملفقاً سواء تخللت بينهما التوبة أم لا ويحتمل مع تخلل التوبة والإكثار والمراد بالإكثار العرفي سواء كان في يوم أو أيام وتشتد في اليوم أو المجلس الواحد ويحتمل حصول الإصرار بالفعل مرة مع العزم على العود إليها مرات بل مرة واحدة في وجه ويحتمل إنها الإكثار مع الغرم على العود والظاهر انه يكفي الإكثار ولو مع عدم العزم على شيء ولا ينافي الإكثار مع تخلل التوبة إلا إذا خرج عن حد التائب بحيث تكون توبته كلا توبة والمقتحم على الذنب مع جهله بصغره وكبره تسقط عدالته في وجه ويحتمل العدم ولو فعلها صغيرة فبانت كبيرة احتمل الإخلال وعدمه وكذا العكس والمراد بمنافاة المروة هي اتباع محاسن العادات واجتناب مساوئها وهو يختلف باختلاف الزمان والبلدان والأغراض الصحيحة وقد تجامع الكبيرة والصغيرة وقد تنفك عنهما ولا بد من الإخلال بها معرفة ذلك انه مما ينافي المروة عند الفاعل وهل حكمها كالكبيرة يقدح فيها المرة أو كالصغيرة شرطها الإصرار ولا حد لها بل ما يؤذن فعلها بدناءة النفس والهمة وخساستها وعدم المبالاة بشيء وفي الأخبار المروة غير ما في كلام الأصحاب والأخذ بالجميع حسن لأن كلامهم مبني عن تعريف العدالة في لسان الشرع والظن في الموضوعات الشرعية الراجعة للوضع كافٍ وكيف وقد كاد أن يكون إجماعاً ولأن الإعراض عن الأخبار المصرحة بأن المروة كذا وكذا ان ذلك طريق لمعرفة حصول اجتناب المروات العرفية من صاحبها إذا ظهر منه ذلك .

المسألة الثالثة : ثبوت العدالة والفسق مطلقين ولا يحتاج إلى التفصيل من المعدل نعم لا يجوز له ان يطلق ويريد المقيد من مذهبه أو مذهب مجتهد للإغراء بالجهل الظاهر من الإطلاق إرادة المطلق على جميع المذاهب ومثله الشهادة في رضاع أو طهارة أو نجاسة ولا يجب على الحاكم الاستفسار عن السبب حملاً لظاهر قوله على الظاهر نعم يجوز له استظهاراً بل لا يبعد لزوم الاستفسار عند التعارض لضعف الظاهر حينئذ كما إذا تعارضت بينة الجارح والمعدل ومن الغريب لزوم الاستفسار عن بيان الجرح لحصول الخلاف والاختلاف فيه مع عدم عسر البيان فيه بخلاف العدالة فإنه يعسر ضبطها فالاستفسار عنها مما يؤدي إلى تعطيل الأحكام وبذلك حكم المشهور مع احتمال لزوم الاستفسار عنها دون الجرح لشدة الاختلاف والخلاف فيها مع لزوم التدقيق فيها وصعوبة العلم بها لافتقارها إلى المعاشرة والمخالطة دون الجرح فانه وإن حصل فيه الاختلاف والخلاف كالعدالة لأنهما متقابلان إلا انه لا يحتاج إلى زيادة خلطه وتكرار صحته بل يكفي فيه المعاينة والاحوط الاستفسار فيهما معاً لضعف الظهور وللاحتياط في الشهادة وطريقة أهل الرجال ذكر سبب الجرح غالباً دون العدالة لعسر ذلك عليهم ولكن مع ذكر سبب الجرح غالباً يكتفون بالإطلاق مع اختلاف المذاهب فيما يجرحون به ولول علم المعدل اتفاقات مذهبه مع مذهب الحاكم جاز الإطلاق مع إرادة مذهبه وكذا لو علم الحاكم ذلك مطلقاً حكم الاستفسار في حقه وهذا كله فيما لو كان العدل عارفاً بالمذاهب أمّا لو كان جاهلاً لا يعرف معنى العدالة والجرح إلا بكلام العوام والسماع من الناس ومع ذلك كان فاقد البصيرة وعرف الحاكم منه ذلك لزم الاستفسار منه في التعديل والجرح قطعاً وهل يجب على الحاكم بعد تعديل الشهود طلب تزكيتهم في انهم مقبولي الشهادة وليس فيهم ما يمنع القبول من نسب أو شركة أو عداوة الظاهر عدم الوجوب إلا إذا جرحهم المدعى عليه وقف عن الحكم حتى يأتي بالجارح فلو لم يثبت الجرح لم يسمع جرحه مع احتمال لزوم طلب الحاكم التزكية في ذلك كله سيما لو طلبه المدعي عليه ويقوى ذلك في النسب كما لو قام احتمال ان الشاهدين أولاد المدعى عليه أو ان العدلين كذلك .