انوار الفقاهة-ج19-ص10
المقام الثاني : لا يجب على الحاكم الثاني تتبع أحكام الأول بل فلا أحكام نفسه لأصالة الصحة والنهي عن التجسس ربما يمنعه في بعض المقامات نعم لو اقتضى المقام التتبع جاز كما إذا ادعى على الحاكم أو التمس منه مخافة لزوم فساد أو نحوه وكذا المفتي لا يجب عليه تتبع فتاوي غيره ولا فتاوي نفسه ولا يلزمه تجديد النظر وإن كان في بعض المقامات أحوط ولو وقع التتبع في المقامين فوجد الحكم أو الفتوى قطعاً عنده لا ظناً مخالفتان للقطعي وبالجملة قطعي البطلان نقصهما سواء كانت الفتوى مبنية على الدوام كالعقود والطلاق والعتق أو التجدد كالعبادات وأعاد وأعاد مقلدوه وأمر مقلدي غيره بذلك ونقص اثر الفتوى المبنية على الدوام وكذا الحكم لظهور انه حكم بغير ما انزل الله والتصويب ليس من مذهبنا ونقل عن الشيخ ( في المبسوط ان الحكم المخالف للقاطع ان كان في حقوق الله نقض وإن كان في حقوق الناس لم ينقض لاحتمال إسقاط صاحب الحق حقه وفي القواعد ميل إليه وهو ضعيف ويلزم الفتوى كذلك ونقل الشيخ وابن حمزة جواز نقض الحكم عند تبين المخالفة للقطعي أو الظني بالقطعي أو الظن المعتبر شرعاً ؟؟؟ على الأظهر وتردد السيرة القطعية في الظني في الجملة والاستصحاب ومنهم كالشهيد فصل بالظن فإن كان قطعي السند كنص الكتاب أو السنة المتواترة أو منصوص العلة وظهر مخالفة الحكم له والظاهر انه لفتوى مثله جاز نقضه وان كان ظنياً قد تغير فيه اجتهاد المجتهد الأول أو اختاره الثاني جاز نقضه كأنواع التراجيح في الأخبار ومسائل الدوران وتقديم الصحيح أو المشهور وتقديم التخيير أو الترجيح أو غير ذك جاز نقضه ثم إذا نقض مجتهد حكم آخر لزم على مقلديه النقض وهل يلزم على المجتهد الآخر ومقلديه أم لا ؟ وإذا سمع الآخر بنقضه فحكم بنقض النقض فهل يتبع أو يبطل نقض كل منهما نقض الآخر ؟ ثم ان نقض الحكم قد يكون لخلل في الحاكم حين الحكم أو المفتي حين الفتوى الجنون أو فسق أو غيرهما مما هو شرط في القضاء أو الفتوى أو الخلل في استنباطه وان كان حكمه موافقاً للأدلة إلا انه لم يأخذه عن دليل أو الخلل في دليله كما إذا ركن إلى الشاذ وترك الصحيح المشهور على نحو ما تقدم في جميع هذه الصور لو كان الحكم موافقاً لراي المجتهد الثاني هل له إمضاؤه وإجازته؟ والظاهر ان الحكم مما لا يجري فيه الإجازة لنفسه أو لغيره ولو ترتب على الحكم والفتوى عمل موافق كبيع مال الطفل أو إعطاء الخمس أو الزكاة لأهله أو طلاق جبري يجوز للحاكم أو بيع كراهة له توليه أو اخذ مال من حق الميت للفقراء والمساكين فهل له إجازة ذلك ؟ الظاهر ان له ذلك وبالجملة العدالة هل هي شرط في إنفاذ الحكم على الغير واخذ الفتوى منه وتسليم الحقوق ونحو ذلك ؟ أو هي شرط له في نفسه أو في نصبه من حيث هو فلا يجوز ان يحكم ولا يقبض حقا ولا يبيع مال غائب أو يتيم ولا يطلق كرها في مقامه ولا يجب أحداً وتصرفاته كلها فضولية والثاني قريب فيما عدا الفتوى فإن له العمل بنفسه قطعاً ولو تغير رأي المجتهد من ظن إلى آخر في العبادات عدل هو ومقلدوه للإجماع ولولاه لأمكن المناقشة في وجوب العدول ولا يجب عليهم القضاء مع المخالفة سواء كان تغير الاجتهاد في الشرائط الواقعية أم العلمية للإجماع ولولاه لأمكن المناقشة لصدق الفوت ولو تغير اجتهاد المجتهد في العقود أو الايقاعات أو الأحكام وقد عمل برأيه الأول السبب لكن بقي مسببه أو عمل حكماً لكن بقي اثره كما إذا باع واشترى معاطاة أو اخذ المارة فباعها أو صالح على مجهول أو زارع شرط بشيء معين أو استعبد بشرط الرقية أو نكح أمته من دون خوف العنت أو تزوج المطلقة ثلاثاً مرسلة أو طلق زوجته ثلاثاً مرسلة أو اخذ الحبوة عيناً أو صاد السمك بالخروج لا بالإخراج أو زكى بغير حديد أو غير ذلك فعدل عن الجميع وعين الثمن والمثمن عنده وكذا الزوجة واللحم والعبد فهل يحرم عليه الجميع ؟ ويجب عليه الرد مطلقاً أو لا يجب مطلقاً ؟ أو يفرق بين العدول في الأنساب من العقود والايقاعات فيمضي عليه وبين الأحكام كالذبح والمواريث مع بقائها والتحليل والتحريم المضافان للأعيان صح بقاؤها فلا يمضي أو بين ما تصرف فيه فنقله كالعبد باعه والسمكة نقلها والميراث اتلفه وبين ما لم يتصرف فيه فيمضي اثره فلابد من التأمل وأما اختلاف فتوى المجتهدين أمّا في العبادات فكل منهما يبني على صحة عمله ولا استبعد جواز إتمام أحدهما بالآخر سوى ترك القرابة وجواز استئجاره ونيابته والاحوط ترك الأيتام مع فقد الشرائط الواقعية وأما في غيرها كالفتاوي العامة فما كان الاختلاف فيه في السبب جاز للآخر اخذ اثره فيجوز لمن لا يرى بيع المعاطاة ان يأخذ ثمن من يرى جوازها وقد باع معاطاة وقبض الثمن ولا يجوز معاملته لمن لم ير جوازها لأن العقد لا يصح من جانب دون آخر وقد يحتمل الصحة فيكون مجموع العقد صحيحاً لمن يرى جوازها ومجموعه فاسداً لمن يرى فسادهما وهو قوي فتأمل وأما اختلافهما بالأحكام فالظاهر انه لا يجوز أكل صيد من يرى ان صيد السمك بالخروج لمن لا يرى انه بالإخراج ولا يجوز أكل العصر الزبيبي لمن يرى حرمته ولا أكل من فقد شيئاً من التذكية عنده وإن ذكاه من يرى جواز ولا يجوز تزويج المطلقة ثلاثاً مرسلة لو طلقها المجيز لذلك لمن لا يرى ذلك ولا استخدام من شرطت رقية لمن لا يرى ذلك وكذا لو اختلفا في الحكم بكون هذه مطلقة أو مزوجة أو ان هذا نجس أو طاهر أو ان هذا مال زيد أو عمر أو ان هذا مذكى أو ميتة وبالجملة فاختلافهم في الفتوى المتعلقة بالعقود أو الايقاعات أو اثارهما أو في نفس الأحكام أو اختلافهم في الحكم الصادر عنهم مما يوجب العمل لكل منهما بما أدى إليه نظره ولا يجوز له متابعة الآخر ولا استعمال ما يستعمله سوى آثار العقود والايقاعات فيما عدا الخروج فلا يبعد جواز استعماله للآخر للسيرة ولليسر وعدم العسر ويجب على كل منهما الإذعان للآخر وعدم الرد عليه فلو حكم حاكم بالهلال لزم حكمه على جميع الحكام إذا لم يكن بنظرهم واجتهادهم انه خطأ أمّا لو كان بنظرهم انه خطأ كما لو حكم بشاهد واحد وكان عندهم ان الشاهد لا يحكم به الحاكم لزمهم الإذعان به ظاهراً وتسليمه ولكن لا يجوز لهم الإفطار بحكمه لظنهم خطأ في طريق الحكم وخيال أنه يجب عليهم الإفطار تعبداً بعيداً .
المسالة الثانية : العدالة ملكة أو فعل ناشئ عن ملكة أو فعل يصدر متكرراً من الشخص من فعل الواجبات واجتناب المحرمات من دون نظر إلى أمر آخر أو أمر عدمي وهو عدم الفسق عما من شأنه الفسق والذي يظهر من المتأخرين الأول وأتباعهم حسن لأن العدالة من المسوغات الشرعية فلا يقصرون فيها عن أهل اللغة في بيان معاني الألفاظ والذي يظهر من الأخبار هو الثالث ولا تخلو الأخبار عن الإشارة عن الملكة لأن فيها بما يعرف ويعرف ولأن الغالب صدور هذا الفعل المتكرر عن الملكة ودعوى ان العدالة هي نفس حسن الظاهر وأنها ظاهر الإسلام ضعيفان لا يساعد عليهما نعم الطريق إلى الملكة قد يكون الصحة المتكررة والخلطة المتأكدة الواصلة إلى حد العلم أو الظن بالملكة لمكان تعسر العلم غالباً فيؤخذ بالأقرب والأقرب وهل يكون الطريق حسن الظاهر وجه قريب للزوم العسر والحرج لولاه وتعطل الأحكام ولكن ليس كل ظاهر حسن بل ما أنبأنا عن حسن الباطن من الأقدام على الطاعات واجتناب المحرمات ونحو ذلك وهل يكفي الظاهر من الإسلام ولو كان محكوماً به للتبعية أو الدار ذهب الشيخ إلى ذلك وجعل الأصل في المسلم العدالة حتى يقوم دليل على خلافها واستدل بالإجماع وظواهر جملة من الأخبار والأصل مقلوب والإجماع ممنوع لضعفه عن مقاومة الإجماع أو المشهور حتى كاد أن يكون إجماعاً على خلافه والأخبار ضعيفة محمولة على التقية والصحيح منها يمكن حمله على الأخبار المصرحة باشتراط الاطلاع على أعماله ومعرفته بالستر والعفاف والتجنب عن المعاصي والملازمة على الجماعة كصحيحة بن أبي يعفور وأضعف من قول الشيخ قول من منع اشتراط العدالة في الشهادة وجعل الفسق مانع ومع الشك في الفسق جعل الأصل عدمه لمخالفة الإجماع وأصالة عدم العمل بالظن وأصالة عدم نفوذ الحكم ومخالفته ظاهر الكتاب والسنة على ان الأمر تعلق بوجود التشبث عند خبر الفاسق ولا يتم إلا بالعلم به على ان خبر الفاسق منهي عنه ويجب في مقدمة الحرام الاجتناب كمقدمة الواجب على الأظهر .