پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج19-ص5

سادسها : لا يشترط في الإفتاء سوى الاجتهاد واستفراغ الوسع من المجتهد لتحصيل الظن بالحكم الشرعي ولا يشترط في الاستفتاء من المقلد سوى ذلك وإحراز عدالته للوثوق بفتواه نعم لو كان الغالب عليه السهو والنسيان وعدم الضبط بحيث لا يركن إلى فتواه لم يجز استفتاؤه وأما الحكم في حالة الغيبة فلما كان منصباً من المناصب يقتصر فيه على ما يقطع بثبوته ونصبه وأيضا فالأصل عدم نفوذ الحكم وأيضا فالأصل عدم نفوذ الحكم إلا ما دل الدليل على نفوذه بالمشكوك في شرطيته لنفوذ الحكم بخلعه شرطاً والمشكوك في مانعيته بخلعه مانعاً إلا أن يقوم إطلاق معتبر بنفي الشرطية والمانعية ومما انعقد الإجماع على اشتراطه وقضت ظواهر الروايات به هو اشتراط البلوغ والعقل والذكورة والإيمان والعدالة وطهارة المولد والعلم وكل ذلك لا كلام فيه سوى العلم فالمتيقن منه هو العلم الاجتهادي للإجماع المنقول ولظاهر روايات القضاء وأنه منصب للعلماء لا لسائر من عرف ولو مسألة جزئية يمكنه القضاء بمضمونها وكذا ظاهر رواية أبي خديجة والمقبولة تدل على ذلك نعم هل يكفي الاجتهاد التجزي في القضاء فقط دون باقي الولايات أو يكفي فيه وفي الولايات المترتبة على ذلك القضاء أو لا يكفي مطلقاً وجوه بل أقوال ويقوى القول بكفاية القضاء للمجتهد المتجزي فيما تجري فيه لدخوله تحت إطلاق العالم والعارف وتحت ما دل على الحكم بالقسط والعدل بل قد تشمله الروايتان المتقدمتان سيما رواية أبي خديجة فإنها كالصريحة فيه ولكن ظواهر الإجماعات المنقولة والاحتياط والأصول العقلية وانصراف نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا إلى المجتهد المطلق مما يبعد نفوذ حكم المتجزي ويقرب اشتراط الاجتهاد المطلق وتحمل رواية أبي خديجة على معرفة استخراج الفرع من الأصل وهو بالحقيقة شيء أو بعض شيء من قضاياهم واشترط جمع الحرية والقول به قوي في المنصوب الخاص والعام لانصراف الأدلة إلى الاحرار واصالة عدم النفوذ ولأنه عبد مملوك لا يقدر على شيء واشترط بعضهم البصر فلا ينفذ قضاء الأعمى لافتقار القاضي إلى التميز بين الخصوم والكتابة وللأصل والأقرب نفوذه للعمومات والتميز يكفي فيه غير البصر من الحواس والمعرفين فلو عرضناه لم يميز بحكومته لم تنفذ حكمه واشترط بعضهم الكتابة لإصالة عدم النفوذ إلا معها وهو ضعيف واشترط بعضهم الضبط وهو حق إذا كان نسيانه غالبي وسهوه أكثري سيما لو لم تكن له تقوى تامة تمنعه عن التسرع في الفتوى بل لا يمضي حكم بعض المتسرعين في الفتوى المتهجمين عليها قبل النظر التام وكذا من كانت لهم حالة اللجاجة والشجاعة والاقدام على أدنى ظن يخطر لهم بالبال وكذا من يرى نفسه ان ما يصل إليه لا يصل إليه أحد فيتهور ويفتي ولا يبالي وكذا من يقودهم إلى الفتوى حب الشيء يعمي ويصم وكل هذا لا ينافي العدالة لوقوعه من الشخص غالباً من غير اختيار وتأمل وإن كانت مقدماته اختيارية واشترط بعضهم السلامة من الخرس للأصل والشك في نفوذ الحكم ولظاهر قوله : وروى حديثنا وبعضهم السلامة من الصم كذلك والأقرب شمول الأدلة للأخرس والاصم إلا إذا أدى خرسه وصممه إلى عدم الوثوق بإشارته وعدم الوثوق بفهمه بحيث استرابت النفس بإصابته لخطئه غالباً ولعدم معرفته كثيراً لفوات المطالبة السمعية والنطقية عليه غالباً وعلى كل حال فلو قلنا باشتراط الكتابة والبصر والسمع في المنصوب الخاص فلا نقول به في العام ولا في قاضي التحكيم لعموم الأدلة من غير معارض ومجرد الشاك مع الإطلاق لا يكون شكاً معتبراً .

سابعها : إذا اختلف المتداعيان في الرجوع إلى أي المجتهدين لزم اتباع المنكر للمدعي أو اتباع من أراد الأسهل طريقاً والأقرب وصولاً مع احتمال لزوم من طلب الرجوع إلى الفاضل مطلقاً وهو بعيد وكذا احتمال القرعة نعم لو علم اختلاف الفاضل والمفضول في ذلك الحكم رجعا إلى الفاضل على الأظهر ولو اختار كل منهما الرجوع إلى مجتهد وكان أحدهما فاضلاً والآخر مفضولاً فلما رجعا إليهما اختلفا في الحكم فلا شك في لزوم تقديم الأفضل إلا إذا علم المقلد أو المتداعيان أن حكم الأفضل مخالف للمشهور أو مخالف للكتاب أو موافق للعامة وبالجملة عرف ضعف دليل الفاضل بنفسه أو بنظر العارفين المطلعين له فالأقرب عدم وجوب الرجوع إليه .

ثامنها : لو رجع المتداعيان إلى غير المجتهد أو إلى حكام الجور من غير ضرورة كانا غاصبين قطعاً ولو أدت الضرورة إلى تخليص مال أحدهما بالرجوع إلى هذين فلا بأس لأن الضرورات تبيح المحظورات ولانصراف ما دل على المنع من الرجوع إلى غير أهل الحق وانه رجوع إلى الجبت والطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به منصرف إلى غير الضرورة ومن الضرورة الرجوع إليهم تقية وفي الأخبار أن الأخذ بقولهم سحت وان المال لا يحل بحكمهم وهو في دعوى الغير مع التهمة متجه لو أقام بينة عليها ولو عادله عند حاكم الجور فأخذها بحكمه نعم له أن يأخذها بمجرد البينة من دون ملاحظة حكم الحاكم الباطل في وجه قوي أمّا لو كان قاطعاً بأن العين عينه وماله فلا يكون أخذها حراماً نعم قد يقال ان اخذها بهذا العنوان حرام وإن كان التصرف بها حلالاً لأنها ملكه أمّا لو كانت الدعوى على دين فأخذه بحكم الجائر فالظاهر شمول الأخبار له وأنه سحت ولا يكون وفاءً له بذلك الأخذ إلا إذا امتنع الغريم بعد ذلك من الوفاء فيكون مقاصة أو يرضى الدافع بكونه وفاء له بعد الحكم ولو كانت دعوى الدين تهمة فأخذه بحكم الحاكم الجائر فلا شك أيضاً انه سحت صرف نعم لو أخذه من جهة البينة كان له وجه .