پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج19-ص1

خلق الله الخلق ليعبدوه كما نص في الكتاب المجيد قال : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)(الذاريات: من الآية56) ومن المعلوم أنه لا يعود نفع العبادة إليه لاستغنائه بل يعود لعباده فخلقهم لتكليفهم وتكليفهم لإيصال الثواب إليهم وإيصاله إليهم محض جود منه ولطف وتوسط التكليف لهذه الإفاضة مما تقتضيه الحكمة ويحكم بحسنه العقل وإلا فهو الجواد المطلق والفياض الحق ولا ينافي كون العلة في الخلق هو العبادة وما ورد إني أحببت أن اعرف فخلقت الخلق لكي أعرف لأن التكليف مظهر من مظاهر معرفته ولأنه المعرفة من العبادة إذن هي السبب الموصل للنظر في إثبات ذاته ومفاده فغاية الخلق تكليفهم لإيصال اللطف إليهم وغاية ذلك هو الوصول إلى معرفته وقد ترتب على التكليف غايات أخر كالإهداء إلى المعرفة بمظاهر الصفات الجلالية والكمالية كما أحب أن يظهر أنه العفو والغفور والتواب والمحسن والحليم بواسطة التكليف حيث ان من خالف ما أمر به وعصاه تاب عليه وغفر له وعفى عنه وأحسن إليه وحلم عليه في الدنيا وإظهار الصفات الجلالية صفة جلال وكمال وبالجملة فالخلق كله وتكليفهم من مظاهر المعرفة العائدة إلى إثبات تلك الصفات ثم انه عز وجل لما كلف عباده وجعل لهم واسطة منهم وهو النبي ( كما تقتضيه الحكمة ثم انه قرن مع النبي ( كتاباً معجزاً مصدقاً له ثم أمر النبي ( بنصب الوصي وأمر الأوصياء بنصب العلماء والقضاة كي ينتشر العلم في العالم ولا يبقى جهل لبني آدم وقد فعل النبي( ما أمر به وكذا الأوصياء وإن خالفهم الأشقياء ونقضوا الغرض من بعث الأنبياء ثم ان الأوصياء لم يقصروا في زمن ظهورهم بما تمكنوا منه من نصب العلماء والأمر بالرجوع إليهم ونصب القاضي العام للرجوع إليه في السياسات والأحكام ولكنهم يتخفون بذلك لمكان التقية إلى أن ولد الصاحب روحي له الفداء فغاب فكان الواجب عليه أن يفعل كما فعلوا ونصب كما نصبوا بحسب الإمكان كي تبقى لله طاعة وعبودية ولا ينسى ذكره ولا تعود جاهلية وحينئذ فإن الواجب عليه أن ينصب منصوباً عاماً حيث لا يتمكن من المنصوب الخاص كما نصبوا وضرورة التكليف أيضاً قاضية بنصب مرجع للأحكام مميز بين الحلال والحرام أمراً بالمعروف على حسب الإمكان قاطع للخصومة بحكمه وفاصل للدعوى بفصله وقضائه فنصب المجتهد من إمام العصر ضروري مقطوع به من إمام العصر ولو لم يجيء فيه دليل لعلمنا بوجوب النصب عليه وعلمنا بعدم قابلية غير المجتهد الجامع للشرائط لهذا المنصب بل قد يقال أن بعد غيبة إمام العصر ولزوم الهرج والمرج وضرورة بقاء التكليف مما يقضي العقل القاطع به لزوم الرجوع للعالم الجامع للشرائط في اخذ الأحكام منه وفي قطع الخصومة لديه وفي إرجاع أمور السياسة إليه بل قد دل الدليل النقلي على تقديم العلماء والرجوع إليهم قال تعالى : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْر)(النحل: من الآية43)، وقال : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون)(الزمر:من الآية9 ) ، وقال : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى) (يونس: من الآية35) فيلزم من ذلك لزوم الرجوع للعلماء المجتهدين وإمضاء أحكامهم وإنفاذ قضائهم ولو لم يجيء دليل على نصب الأئمة لهم كيف وقد دلت الأدلة كما سيجيء إن شاء الله تعالى على نصب الأئمة ( للعلماء بل نصب صاحب الأمر لهم على ما يجيء إن شاء الله وبالجملة فالرجوع إلى المجتهد على ما نحن عليه وعموم ولايته وإنفاذ حكمه دليله العقل والنقل فهو منصوب نائباً عن الأئمة( بل يجب تنصيبه وتقديمه على الناس كافة ولو لم يقوموا به الناس لعصوا بذلك كما عصوا في تركهم الرجوع للأئمة ( وعدم مضرتهم ومن تخاذلهم عنهم وعدم الرضا بحكمهم فيكون هذا من الواجبات على الأمة وإن لم يبلغهم به نص من الأئمة وبالجملة يجب على الناس تقديم رئيس مستحق للتقديم عليهم في الرجوع إليه في سياساتهم وأحكامهم لاستقامة النظام بذلك ولتوقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبقاء النوع الإنساني دوام التكليف عليه وعلى نصبه وهذه فذلكة يجيء تمامها إن شاء الله .

كتاب القضاء