انوار الفقاهة-ج18-ص21
الثاني والعشرون:إذا تعذر عادة على الغاصب تسليم المغصوب وكان موجوداً يعسر الوصول إليه سواء تمكن المالك منه أم لا لخوف أو مرض أو لبعد أو ضياع وإباق أو ضلال أو كان في البحر أو مدفوناً تحت الأرض ولا يعلم مكانه ولو وقع في البحر أو في الطرق بحيث جرى عليه حكم الإعراض كان كحكم التلف أو تعذر عليه تسليمه حين المطالبة وإن أمكن تسليمه بعد زمان كثير لزم الغاصب دفع اليد مثلاً لا قيمة وإن أمن تسليمه بزمان قليل عرفاً بحيث لا يفوت على المالك شيئاً من المنافع المعتد بها فالظاهر أن الغاصب لا يكلف بالبدل ودفعه بل ينتظر أن يرد على المالك ماله وهل يملك كل منهما مال صاحبه فيملك المالك المدفوع إليه عوض العين ويملك الغاصب العين المغصوبة عوض ما دفع أولاً يملك أحد منهما شيئاً منهما أو يملك المغصوب منه المدفوع إليه بل لا دون الغاصب وبالعكس ولا قائل بالأخير إجماعاً وإلا ولأن يذكر أن وجهاً وظاهر الأصحاب هو الثالث وعليه فهل إرجاع العين من الغاصب من حينه أو كاشف عن عدم الملك من اصله كما أن تلف العين كاشف عن ثبوت الملك من الأصل أو مملك من حينه ويكون الملك ابتداء ملكاً ظاهرياً أو أن إرجاع العين تحدث خماراً في الفسخ للمالك فإن فسخ أرجع مال الغاصب وأخذ عينه وإلا فلا وهو قريب للقواعد بل في القواعد إشارة إليه أو إنها تحدث خياراً للغاصب في فسخ المدفوع إلى المالك فإن شاء فسخ وأخذ ما دفع وإلا بقي على ملكه ولا قائل به وكذلك أنها تحدث خياراً في تملك غير المالك وعدمه ومع حصول الانفساخ من المالك أو الفسخ فهل يلزم برد مال الغاصب لأنه أخذه منه فيجب إرجاعه إليه أولا يجب عليه لأنه أخذه بحق وأبقاه بحق فلا يلزم بإرجاعه وعلى عدم وجوب الإرجاع فهل للغاصب حبس عين المالك إلى أن يرد إليه ماله كالمعاوضة أو ليس له وهل عليه ضمان العين لو حبسها وقلنا له حق الحبس استصحاباً أم لا ضمان عليه لأن القبض المتجدد بحق وهل يلتزم الغاصب بأجرة العين إلى حين رفع البدل ولو تلفت العين بعد رد البدل فهل يضمن الغاصب قيمتها يوم التلف أو يوم رفع البدل والأعلى ما بينهما ولو كانت أعلى يوم البدل فدفعها ثم نقصت يوم التلف لم يرجع بشيء وهل يختص ضمان الحيلولة بعدم تمكن المالك من أخذه أو لو تمكن لأن المخاطب بالرد هو الغاصب وهل الامتناع من الغاصب وأخذ المالك مقاصة من ماله كالدفع لمكان الحيلولة أو أن الأخذ بنية المقاصة مملك دائماً وهو غير مسألة الحيلولة والظاهر ذلك يظهر من كلام الأصحاب من قوله ((): (لا ضرر ولا ضرار) ومن قوله ((): (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) على معنى أن عليها ضمان ما أخذت حتى تؤدي العين أن المالك لو قبض بدل العين كان له وملكه إلى أن يؤدي الغاصب العين فليس للمالك شيء ومقتضاه لزوم إرجاع ما أخذ المالك حين إرجاع الغاصب العين واحتمال أن للمالك الجميع من عين ماله ومن ما دفعه الغاصب لأنه ملكه بالحيلولة فلا يزول ملكه عنه والحيلولة سبب للملك لا وقت له كي يزول بزوالها فيملكها دائماً صيغة بل لم نر أحداً احتمله وحديث: (لا ضرر ولا ضرار) كما يدل على لزوم دفع الغاصب البدل لمكان الحيلولة كذلك يدل على جواز الفسخ عند رد العين إليه من الغاصب كي لا يحصل الجمع بين العوض والمعوض لأن الجمع بينهما ضرر على أن جميع ما ذكر من الأدلة لا يدل على ملك المالك البدل غايته أنه يباح له التصرف فيه وفي عادة نمائه ومنافعه فلعل ذلك عقوبة للغاصب كثمن المغصوب لو دفع للبائع من العالم بالغصب والحرية فإنه قد نقل الإجماع على عدم جواز إرجاعه من الدفع عقوبة نعم قد يقال أن ظاهر لزوم الدفع من الغاصب إلى المالك أنه تمليك لأن الأصل فيما أمر بدفعه وقبضه إرادة الملك والتمليك إلا أنه يدل الدليل على الإباحة بل ظاهر التأدية المأمور بها في الرواية الشاملة للحيلولة هو التمليك وظاهر القبض المأذون به كذلك وأيضاً ما دل ضمان الأمين لو مرق المال أو ضاع بعد التعدي أو التفريط هو ذلك وأيضاً خبر الضرار ينبئُ عن الملكية لأن مجرد الإباحة ضرر على المالك في المنع عن بيعه وشرائه وعن التصرف فنماؤه وضمان نمائه لو تلف وبقائه أمانة عنده وجواز ذلك له في الإباحة فيترتب عليه أحكام الملك لا حاجة إليه لأن أثار الملك تدل على الملك ولا يفنى بالملك سوى ذلك نعم قد يستوجه من حديث الضرار أن المالك بعد ملكه للبدل وتصرفه له الخيار بعد رجوع العين بين فسخ ملكه وإرجاع البدل أو مثله أو قيمته وبين الرضا به فيملكه مستقراً ويملك الغاصب حينئذٍ العين قهراً حكماً شرعياً أو بولاية المالك لذلك جبراً له عن ضرر غصبه ولا بعد فيه بعد أن يكون ذلك مقتضى الأدلة والجمع بينها وقد يقال أن الغاصب لو أخذ البدل عازماً على البدلية عن العين دائماً ملكها دائماً ولا من بعد رد الغاصب المغصوب ولا انفساخ وإن أخذها ملكاً مؤقتاً ما دام الحائل بينه وبين ما ملكها ملكاً مؤقتاً ولا تابع من الملك المؤقت أو أخذها عوض الحيلولة لا عوض المال فإذا زالت الحيلولة زال ملكه عنها قهراً وزال لزوم الملك منه فيبقى له الخيار حينئذٍ ولا بأس بالقول به ثم أن إذا قلنا بملك المالك البدل وعدم ملك الغاصب للعين فعند تلف العين فإما أن يكون التلف بملك للغاصب وهو بعيد أو أنه تبرأ لذمته بعد شغلها عند التلف بأن ما أو أنه يبقى مشغول الذمة ولكن تحرم مقاصة ومطالبة أو يقال أنه عند التلف إن تساوت قيمة البدل والعين وكانا تالفين لها تهاتراً وان زادت قيمة المغصوب أخذت منه الزيادة ويضمن الغاصب قيمتها يوم التلف ويحتمل يوم دفع البدل لإنكشاف حصول المعاوضة يومئذ كما أن زيادة قيمة البدل ونقصه ولا اعتبار به بعد وضعه دفعه إلى المالك والأوجه أن يقال إن دفع البدل ليس عوضا عن نفس المغصوب لعدم تعقل ملك عوض دون آخر في المعاوضة ولا عن الحيلولة لأنها ليست ملكاً للمالك فيعاوض عليها على أنها لو كانت ملكاً له للزم دوام ملك المالك على البدل لحصول البدلين معاً ولا على المنافع الفائتة ضرورة جواز أخذ المالك لأجرتها فلم يبقَ إلا أنها ملك يحكم الشرع ليس عوضاً عن شيء يستمر عند تلف عينه وينفسخ عند ردها فهو من قبيل الغرامة الشرعية المسببة عن الحيلولة وما عينه المغصوبة فيجري عليهما أحكام الغصب إلى حين التلف إلا أنها غير مضمونة على الغاصب بعد أداء البدل إذا تلفت منه أو أتلفها بمباشرة أو تسبيب سواء زادت قيمتها عما أداه عند الحيلولة أو ساوت أو نقصت مع احتمال ضمان الزيادة للزوم الضرر على المالك وكان عدم ضمان العين عند تلفها من الغاصب بعد التأدية للمالك مقطوع به في كلام الأصحاب لأن المدفوع أولاً كأنه عوض حيلولة ابتداء واستدامة تعذراً أو تلفاً فلا يضمن الغاصب مرة أخرى عند تلف عين المالك بل هو ضرراً أيضاً بل قوله ((): (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)بمعنى أن عليها ضمان ما أخذت حتى تؤدي فإن أدت فلا ضمان بمعنى أنه ينفسخ وإن لم يؤدهِ استمر الضمان أو لا غاية في التلف لأن امتناع الغاية كتأخرها وحيث لا غاية لزم الضمان بل يظهر الملك من الرواية للمدفوع لأن الأمر بالدفع وكونه لجبر المالك وكونه بدلاً أو عقدته عن ماله وعلى فعله كان الظاهر من المدفوع أنه على جهة الملك والتمليك واحتمال أن معنى الرواية أنه على اليد العين بمعنى أنه يلزم بها الغاصب حتى يؤديها خلاف يرد بها خلاف ما فهم الفقهاء إلا بضميمة أنه يلزم بها الغاصب حتى يؤديها لها عيناً عند وجودها ومثلا وقيمة عند تلفها وهما نوع تأدية فلا يكون شاهداً على ما قدمنا ضعيف لشمول للفرد المتعذر حصوله في قيام المثل والقيمة مقامه ومتى ما قام مقامه فالظاهر ثبوت ملكية له ثم أنه على ما ذكرنا من بقاء عين المالك على ملكه كان بمقتضى الضوابط أن الغاصب هنا من الأجرة العين والمنافع والنماآت المتصلة والمنفصلة سواء كان بقاؤها عنده على جهة الغصب أو على جهة الحبس لو جاز له أن يحبس العين أن يأخذ البدل من المالك لاستصحاب ضمان يده بل لو تلف المال بعد القدرة عليه وحبسه لزمه ضمانه ويكون البدل عوضه فإن نقص البدل عن قيمة يوم تلف عين الغاصب المحبوسة ضمن الزائد مع احتمال عدم ضمان الأجرة مطلقاً بعد دفع البدل لأن دفع البدل كان للخلاص من الضمان ولأنه بمنزلة الوفاء فكان الغاصب قد برأ ولأن دفع البدل إنما كان عن العين والمنفعة بل والنماء وكلما يتلف منه فهو غير مضمون على الغاصب وبنى المحقق على عدم ضمان المنافع من رفع البدل إلى حين الرد كما ذكرنا والأقوى الضمان إلى حين الرد بل إلى حين التلف لو تلفت وقد يفرق بين ردها بعد ذلك فيضمن الأجرة وبين تلفها فلا يضمن وقد يفرق بين المنافع المستوفاة فتضمن وبين المتلوفة من دون ذلك فلا تضمن لعدم دخولها تحت اليد وكذا الكلام في النماء فما دخل منه تحت اليد كان مضموناً بعد دفع البدل وما لم يمكن كذلك فهو غير مضمون لأن دفع البدل إنما كان عن البراءة عن الضمان المتعلق بالعين ولا فرق بين المنفصل والمتصل بعد انفصاله ولو وجد الغاصب عين مال المالك فهل له حبسه مطلقاً إلا أن يقبض البدل سواء امتنع المالك من رفعه أم لم يمتنع لسبقه ذلك بالمعاوضة أو لفرق بين أن يمتنع فله الحبس وبين أن لا يمتنع فليس له الحبس وبين أن لا يمتنع فليس له الحبس لدخول الأول تحت عموم من اعتدى ودخول الثاني تحت من ظلم لا يظلم وعلى تقدير جواز الحبس فهل يبرأ من ضمانها لو تلفت لأن الأذن الشرعية ظاهرة في رفع الضمان أو لا يبرأ لعموم دليل ضمان اليد ولا منافاة بين الإذن وبين الضمان والاستصحاب لضمان السابق ولأن اليد السابقة باقية فضمانها باق والأذن في الاستثناء لا يرفع الضمان واليد مستمرة لا تتبدل وقد يفرق بين أن تجدد القبض للحبس فلا يضمن وبين أن لا يجدد يتضمن وعلى الضمان فإن ساوى هذا المتلوف البدل المدفوع للمالك جنساً ووصفاً كان وفاؤه وإن زاد دفع الزائد مع احتمال عدم لزوم الدفع لرضاء المالك بالبدلية وإن نقص رجع على المالك عما زاد عنده مع احتمال عدم جواز الرجوع لأنه رضي بما رفعه بدلاً عما غصبه بحيث لو تلف لمكان بدلاً له ولو تخالفا جنساً أرجع كل منهم ما صاحبه وللمالك حبس البدل إلى أن يقبض العين من الغاصب ولا يجب عليه الرد تحمل مؤنته للأصل وما دل على وجوب رد الأمانة إلى أهلها يراد به التخلية بينهم وبينها وعدم منعهم منها.