انوار الفقاهة-ج18-ص1
أحدها:الكتاب والسنة والإجماع بقسميه على تحريم الغصب ويترتب الضمان عليه في الجملة في مقام الضمان وإنما يترتب عليه أحكاماً أخر خاصة به كالأخذ بأشق الأحوال فيه ونحو ذلك وحينئذٍ فلو علق حكم عليه ولم يعرف دخوله تحت قاعدة أخرى احتيج إلى معرفة معناه ترتب ذلك الحكم المعلق عليه وكذا لو حصل الشك في دخول شيء تحت اسمه وعدمه نفياً دخوله بالأصل ولكن الثمرة في ذلك قليلة جداً وذلك لندرة فاعلق حكمه على لفظ الغصب بحيث توقف بيان حكمه على تحقيق مفهومه لوضوح المحرمات من الأدلة كما جاء في تحريم السرقة وتحريم أكل المال بالباطل والأكل من دون تراض والنهي عن العدوان والنهي عن الاعتداء والنهي عن الظلم من أخذ مال الغير من دون إذنه وكذا ما دل على ضمان التلف وضمان المتعدي وضمان على اليد ما أخذت حتى تؤدي وضمان المباشر وضمان المسبب للتلف ولزوم رد الأمانات إلى أهلها وقوله لا يضيع مال امرئ مسلم ولا يطل دمه إلى غير ذلك ومع ذلك فيتحقق معناه من اللوازم والظاهر أنه ليس معنى شرعي بل هو باق على المعنى المفهوم اللغوي والعرفي إلا أن معناه فيهما أمر غير بديهي فلهذا وقع اختلاف في تفسيره من أهل اللغة والفقهاء فبعض قال أخذ الشيء ظلماً وبعض أزاد جهاداً وكأنه لإخراج السرقة أو ما أكل بالحيل والخدع وبعض جعله أخذ مال الغير على جهة التعدي وبعض جعله الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا وبعض جعله الاستيلاء على مال الغير وبعض جعله الاستيلاء على مال الغير بغير حق وبعضهم الاستيلاء على حق الغير من غير حق والظاهر أن المراد بالمال في حدودهم ما يتمول فمالا يتمول وإن كان مملوكاً كحبة الحنطة على هذه التعاريف ليس من المغصوب وإن حصل فيه التعدي وكذا ما لا يملك كالحر بطريق أولى وكذا ما يملك الانتفاع به ولا يملك نفسه كمنفعة البضع فإنها ليست مالاً وإن كانت مضمونة على بعض الوجوه وليس كل مضمون غصب ولا كل غصب يتعقبه ضمان ويمكن القول بأن الغصب لغة عرفاً لا يخص المال بل يهم البضع وكل ما يملك وإن لم يتمول بل ويعم ما لا يملك ويعم ما ملك الانتفاع به دون المنفعة كغصب حق الإنسان في مسجد أو طريق عام وغير ذلك ومن خصه بالمال أراد خصوص ما يترتب عليه الضمان من الأموال لا ما يترتب عليه التحريم ونحوه الذي يفهم من هذه الحدود ويتوقف الحال على بيان الراجح من معناه أمور.
منها: إن الظاهر من تعاريفهم أن الغصب هو الأخذ قهراً وليس هو القهر بالأخذ ونحوه فهو فرد من أفراد الأخذ لا فرد من أفراد القهر والغلبة وإن احتمل ذلك من معناه لغة وعرفاً ويجوز أراد كل منهما منهما من قوله تعالى يأخذ كل سفينة غصباً
ومنها: إن الغصب هو الاستيلاء على أن حد الشيء بمعنى السلطنة عليه ودخوله تحت يد الغاصب عرفاً وقدرته على التصرف فيه بعد رفع سلطنة المالك عنه وإزالتها أو مشاركته في تلك السلطنة فهو قد يجتمع مصداقاً مع اسم القبض المراد في المبيع وقد يفترق فلو حصل قبض من الغاصب ترتب الضمان كما لو حصل قبض باليد ونحوها ولو لم يحصل قبض باليد كما إذا أزعج المالك عن فرسه وأثبتها وهو واقف عليها وإن لم يقبضها بيد أو أزعج المالك عن أمواله وداره فدخل داره وفيها الأموال فإنه عرفاً غاصب لتلك الأموال وإن لم يترتب عليه ضمان مع احتمال الضمان حينئذٍ لا مكان دخول ذلك تحت عموم على اليد ويجيء الكلام أيضاً فيما لو أزعج المالك عن داره فحصلت التخلية بين الغاصب والدار وقد يحصل قبض من دون استيلاء كما إذا مس أحد مالاً مغصوباً بيد غاصبه أو قبضه قبضاً يسيراً لينظر إليه بحيث لم يكن له سلطنة عليه وقدره على أخذه من الغاصب فإنه لا يبعد عدم الضمان بخلاف ما لو أخذه فباعه أو أجاره أو غصبه منه فإنه يكون مستولياً عليه وإن اتقى وخاف على نفسه وإن لم يرجعه إلى الغاصب حيث أنه استولى عليه باختياره وبالجملة فالخوف الرافع للضمان هو الخوف عند القبض وعند الرد بحيث أنه أقبضه تقية ورده كذلك وقد يحصل الانتفاع بالمال ولا يكون المنتفع غاصباً للغير كما إذا تصرف بشم رائحة مال الغير أو الاستضاءة بناره أوالاستظلال بحائطه بل قد يحصل التصرف من دون استيلاء على العين فيكون آثماً به لا بالاستيلاء كما إذا دخل دار إنسان وفيها حجارة مغصوبة ونحو ذلك.