انوار الفقاهة-ج17-ص35
ثانيهـا: تثبت النجاسة بالقطع على النحو المعتاد من الأشخاص فلا عبرة بقطع أهل الوسواس وتثبت بالظن الشرعي كشهادة العدلين لعموم حجية شهادتهما وللقطع الحاصل من الاستقراء بقبول شهادتهما ولقبولهما في إثبات النجاسة في مقام دعوى العيب الحاصل منها قطعاً فلتقبل في غيرها وللخبرين الدالين على حلية كل شيء حتى تقوم بينة على أنّه ميتة وإنّه حرام وغير ذلك وهل تقبل شهادتهما تعبداً أو لحصول الظن أو تعبداً ما لم يحصل الظن بخلافهما ويستراب بشهادتهما وجوه ثلاثة أقواها الأخير لما سيجيء إنشاء الله تعالى في باب القضاء من أنّ الحاكم لو استراب في الشهادة وقف عن الحكم خلافاً لمن أوجب عليه إمضاء الحكم تعبداً وبما ذكرنا من الحجية يخصص عموم كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنّه نجس أو يحمل العلم على ما هو الأعم منه ومما قام مقامه من الظن الواجب الأخذ به لشيوع إطلاقه على ذلك شرعاً كتاباً وسنة بل وعرفاً وتثبت بشهادة العدل الواحد على الأظهر إذا لم يسترب بخبره ولم يحصل الظن بعدمه لعموم حجة خبر العدل ولوجوب الأخذ به فيما هو الأقوى فليثبت في الأضعف ولوجوب الأخذ به في الأصل فبالأولى في الفراغ ولبعض الأخبار الدالة على قبول شهادته فيما هو أقوى من ذلك كقبوله في عزل الوكيل وفي استبراء الأمة وفي إنفاذ الوصية وتثبت أيضاً بقول صاحب اليد عدلاً أو فاسقاً ما لم يظن بخلافه أو يسترب بخبره لقبول خبر ذي اليد في جميع الأشياء من تذكية وحلية وحرمة وتطهير وملك وتمليك كما دل على ذلك استقراء الأخبار وورد أيضاً أنّ المعير لو اعلم المستعير بنجاسته ثوبه المستعار بعد ما صلى به أعاد الصلاة والسيرة القطعية قاضية بقبول أخبار صاحب اليد في حلية وحرمة وطهارة ونجاسة وبيع وشراء وغير ذلك والمراد بصاحب اليد هو المالك والمتصرف وإنْ لم يكن مالكاً كالمستعير والودعي والوكيل ويلحق به الغاصب للسيرة القاضية بقول اخبارهم وهل يشترط في قبول خبر الشاهدين أو الواحد أو ذي اليد ذكر السبب لاختلاف الانظار في النجاسة وفي انواعها وفي كيفية التنجيس والأصل الطهارة أو لا يشترط لظهور اخباره في نجاسته واقعاً المعلومة أو المظنونة بطريق شرعي حجة عليه وعلى المخبر وجهان أظهرهما الثّاني وهل تثبت النجاسة بالظن لأنّ المرء متعبد بظنه ولرجحانه والاخذ بالمرجوح قبيح أو لا يثبت للاخبار الدالة على الطهارة إلى العلم بالنجاسة والدالة على طهارة الثوب المعار للذمي حتى يحصل اليقين بأنّه نجسه والدالة على جواز استعمال الثياب والصلاة فيها الماخوذه من المجوس أو التي عملها المجوس الشاربون للخمر والاكلون للميتة والدالة على جواز الاخذ مما في يد المسلمين ولو كانوا مستحلين للميتة من دون مسالة والاخبار في هذا المضمون اخبار كثيرة وهي معتضدة بالاصول وفتوى الفحول وظاهر الكتاب وعمل الاصحاب فالركون اليها اقوى بل هو المقطوع به وما ورد في بعض الأخبار من الأمر بغسل الثوب المعار لشارب الخمر قبل الصلاة به وغسل الثوب الماخوذ من النصراني قبل الصلاة به وغسل الثوب الماخوذ من النصراني قبل لبسه والصلاة به محمول على الندب للاحتياط لا تقديماً للظاهر على الأصل كما قد يتوهم لأنّ الظاهر لم يجعله الشارع حجة مطلقاً فكيف يعارض الحجة ولو كانت النجاسة تثبت بالظن كما ظنه بعض الاصحاب وإنْ الظاهر يقدم فيها على الأصل لما بقي للمسلمين سوق ولا حكم بطهارة جواريهم واطفالهم ونسائهم والاعراب وأهل البادية والعامة المستحلين لكثير من المحارم والمطهرين لكثير من النجاسات والعوام الغير عارفين بالأحكام والحبشة والسودان والفسقة الغير معتنين بالأحكام واكثر أهل البادية المباشرين للكلاب والممارسين لليهود والنصارى والنساء الحيض والمباشرات للاطفال والمباشرين نزح النجاسات والخدمة في الحمامات وبالجملة فالحكم بثبوت النجاسة بالظن افراط كما أنّ الحكم بعدم ثبوتها إلاّ بالقطع الحقيقي ولا يكفي الظن الشرعي تفريطه نسأل الله تعالى لتجنب عن جادة الافراط والتفريط نعم يندب التوقي من سؤر المتهم في النجاسة والمظنون فيه ذلك للاخبار في بعض الموارد والاحتياط هذا كله في الموارد الخاصة واما الموارد العامة كالاخذ مما يوجد في الاسواق وما يجلب من ديار الكفار أو من ديار المسلمين المتهمين في مباشرة النجاسات فالظاهر عدم مشروعية الاحتياط فيه ولا يندب التجنب عنه للسيرة القاضية بذلك وعمل الاصحاب الائمة (() والعلماء من قديم الزمان إلى الان ولا يجب اخبار من تلوث بالنجاسة للأصل ولورود النهي عن اخباره في الصحيح عن الرجل يرى في ثوب اخيه دماً وهو يصلي قال لا يؤذيه حتى ينصرف وفي آخر عمن اعار ثوبه وصلى المستعير فيه وهو لا يصلي فيه قال لا يعلمه ونظيرهما ما ورد من اغتسال الباقر (() وإنّه بقيت لمعة لم يصيبها الماء فقيل له فقال ما عليك لو سكت ولو لا فتوى الاصحاب والسيرة على جواز الاعلام لكان القول بعدم الجواز متعيناً والأظهر حملها على الكراهة لمكان الاذية ولو كان في عدم التنبيه اذية ارتفعت الكراهة والظاهر عدم التفاوت في عدم وجوب الاعلام بين أن يكون مع جهل النجاسة أو مع نسيانها وبين النجاسة وغيرها من الشرائط من ستر أو استقبال ونحوهما لعدم كونه منكراً في الجمع فلا يجب النهي عنه كما لا يجب ايقاض النائم لتادية فرض أو حق دنيوي أو أخروي نعم يجب تنبيه الغافل فيما كان من الموضوعات العامة المؤيدة لسراية الضرر ومشيوع المنكر كالغناء والزنا واللواط وقتل النفس وشبهها ويجب تعليم الجأهل في الحكم الشرعي لما ورد من وجوب العلم والتعليم والتعلم لولا ذلك لما ارسلت الرسل وانزلت الكتب ودونت الصحف ويحرم اغراء الغير بأكل المحرم كتقديم الطعام النجس للغير أو الميتة أو الخبايث وكذا بيعها للنهي عن الضرر والاضرار ومن غش المسلمين فليس منهم وللاخبار الناهية عن بيع العجين النجس والدهن والزيت والعسل إلاّ مع البيان لمن اشتراه.
ثالثهـا: يثبت التطهير بعد العلم بحصول النجاسة بخبر العدلين قطعاً وبخبر الواحد وبخبر ذي اليد كل ذلك للاخبار وسيرة المسلمين على قبول اخبار ذي اليد في حرمة وحليته وتذكية وتطهير وتنجيس والاخبار الواردة في جواز الاخذ مما في يد المسلمين في الاسواق مع الشك بالتذكية وعدمها وفي جواز الاخذ بقول المسلم في تطهير العصير إنّه على الثلث وفي جواز اخذ ما يعلم أنّها مما تنجست قبل اخباره بطهارتها ومن اقسام ذي اليد الوكيل في التطهير وإنْ كان فاسقاً لمشروعية الوكالة في الطهارة وقبول خبر الوكيل فيما وكل فيه كما سيأتي في باب الوكالة إنشاء الله تعالى لأنّ الوكيل امين مصدق ولأنّ الوكيل ذو يد فيما وكل فيه وللسيرة القاطعة على قبول اخبار النساء والجواري والغلمان في التطهير اما لكونهن وكيلات فيما يتعلق بهذه الامور أو لأنّهن ذوات يد حيث أنّ المالك جعل متعلق امور البيت تحت يدهن وفي تصرفهن ويؤيد ما ذكرنا ما يفهم من الأخبار من أنّ كل ذي عمل مؤتمن على عمله ومصدق فيه كالاخبار الواردة في القصارين والخبراوين وفي تطهير الجارية ثوب سيدها وإنْ الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة إذا لم يكن صبياً وظاهره اعم من العدل والفاسق والظاهر أنّ المستعير صاحب يد فيصدق اخباره بالتطهير حتى بالنسبة إلى المالك ولا يبعد أنّ الغاصب كذلك واما المالك بالنسبة إلى المستعير إذا لم يكن له يد حين الاعارة ففي تصديق خبره وجهان احوطهما العدم.