انوار الفقاهة-ج17-ص16
رابعهـا: النار مطهرة لما إحالته رماداً أو دخاناً لفتوى المشهور والإجماع المنقول وللصحيح (عن الجص يوقد عليه العذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد اسجد عليه؟ قال فكتب إليه بخطه إنّ الماء والنار قد طهراه) وفي آخر عن الجص يطبخ بالعذرة أيصلح أن يجصص به المسجد قال لا بأس وجواز تجصيص المسجد به والسجود عليه مع مخالطته لاجزاء رماد النجس من رماد العذرة وعظام الموتى دليل على طهارتهما لأنّ عدم جواز تلويث المسجد بالنجاسة وعدم جواز السجود على النجس أمران معلومان فجواز السجود على شيء وتلويث المسجد به من لوازم الطهارة قطعاً وربما أمكن الاستدلال بهما على طهارة الدخان أيضاً لمروره على الجص غالباً وبقاء أجزاء منه فيه ولا مكان رطوبة الجص عند ملاقاة الدخان فينجس به مع أنّ الإمام (() ترك الاستفصال فيه وكذا قوله (() فإنّ الماء والنار قد طهراه دليل على طهارة الرماد لأنّ الجص لم تتحقق نجاسته سابقاً بغير مخالطة أجزاء الرماد له كي يحسن السؤال عنه فحمل الرواية على تطهير الماء والنار له بالطبخ والحكم بنجاسته سابقاً عدول عن مقطوع به في كلام الأصحاب من تطهير الاستحالة إلى موهوم وهو التطهير بالطبخ كما ذهب إليه بعضهم وإنْ كان قد يشعر به ظاهر الرواية نعم استناد التطهير إلى الماء والنار معاً ربما يبعده على كلا الوجهين لأنّ الماء المتأخر عن الطبخ لا مدخلية له في التطهير على كل حال فلا بد أن يحمل أنّ استناد التطهير أصالة إلى النار ومجاز إلى الماء من باب عموم المجاز ويكون المراد بالتطهير فيه التنظيف ورفع القذارة الحاصلة من الرماد أو الاستعداد للطهارة عند تجفيف الشمس له بعد رطوبته لاحتمال تخلف بعض الأجزاء الغير مستحيلة فيكون المراد باستناد التطهير للماء من جهة ذلك ويلحق بذلك دخان الدهن النجس وبخار الماء النجس والعذرة النجسة لأصل الطهارة وعدم صدق لفظ النجس ويدل على الإلحاق السيرة المعلومة من عدم توقي الدخاخين والأبخرة الحاصلة من الأعيان النجسة والمياه النجسة في الحمامات وعند التخلي في الشتاء لتصاعد أبخرة النجاسة إلى بدن الإنسان أو ثيابه وحينئذ فما استشكله بعضهم من طهارة الدخان المتصاعد من الدهن النجس لتصاعد بعض أجزاء منه قبل الاستحالة بواسطة سخونة النار وكذا ما استشكله بعض آخر من طهارة الرماد لا وجه له والاستناد هنا للاستصحاب بعيد عن الصواب لتغيير الموضوع ودوران الحكم مدار النوع نعم يجيء الإشكال فيما لو صيرت النار النجاسة فحما من حصول الاستحالة بتبدل الاسم والصورة ومن استصحاب النجاسة والشك في تبدل الموضوع لعدم التلازم بين تبدل الصورة والاسم وتبدله لجواز بقاء الذات وتبدل الصورة فقط ويكون تبدل الاسم تابعاً لتبدلها والأقوى الأوّل والاحوط الأخير هذا كله في عين النجاسة وأما المتنجس فلا إشكال بدخانه وبخاره وطهارتهما لما ذكرناه من إطلاق الفتوى وقضاء السيرة بطهارتهما بل ربما كان الحكم بطهارتهما لمكان الأولوية من دخان عين النجاسة وأما الفحم منه بل الرماد أيضاً فالأقوى نجاستهما للشك في تعيين الموضوع أوّلاً ولأنّ حكم النجاسة تابع لنفس الجسم المتنجس فلا تزول بتبدل الموضوع ثانياً ضرورة أنّ النجس غير المتنجس لأنّ النجس نجاسته تابعة لنوعه والمتنجس تابعة لشخصه وكذلك الآجر والخزف المعمولان من الطين النجس فإنّ الأقوى عدم تطهير النار لهما سواء قلنا ببقاء اسم الأرضية فيهما أو قلنا بخروجهما من مسمى الأرض لأنّ نجاستهما تابعة لنفس الشخص لا للنوع كي ينقطع حكم استصحاب النجاسة فيهما ودعوى طهارتهما استناد الإجماع المنقول من الشيخ على الطهارة وللرواية المطهرة للجص بالنار ولأصالة الطهارة في مقام الشك ولمعارضته استصحاب نجاسة المحل لاستصحاب طهارة الملاقي ضعيفة لضعف الإجماع المنقول بعد العلم بضعف مستنده وفتوى جمع من الفحول بخلافه وضعف دلالة الرواية على المطلوب بعد ما قدمنا من بيان معناها والأخذ بمجرد قوله الماء والنار طهراه بان يجعل كل ماء ونار مطهرين ويترك ما يفهم من سياقها ومن السؤال المتضمنة له بعيد كل البعيد لصيرورة هذه الفقرة كالمجمل بعد ملاحظة سياقها والسؤال فلا يصلح التمسك بها لإثبات طهارة ما نحن فيه أو العجين مثلاً إذا خبز أو غير ذلك وأما الطعن في الاستصحاب فهو اضعف شيء في الباب لعموم أدلته لما ثبت بالإجماع أو بغيره من الأدلة ولما كان الشك فيه في عروض القادح أو قدح العارض وأما استصحاب طهارة الملاقي فاستصحاب نجاسة المحل وارد عليه والوارد حاكم على المورود عليه وكذلك العجين النجس سواء جفت رطوبته أو بقى رطباً للاستصحاب وفتوى أكثر الأصحاب والأخبار كالصحيح الآمر ببيعه ممن يستحل الميتة والآخر الآمر بدفنه وعدم بيعه والآخر الدال على أنّه فسد وإنّه يباع على اليهود والنصارى بعد ما تبين لهم نعم في الصحيح عن (ابن أبي عمير) في عجين خبز وعلم أنّ الماء كانت فيه ميتة قال إذا أصابته النار فلا بأس وفي آخر في عجين عجن بماء بئر يموت فيها الفأرة أو غيرها من الدواب قال إذا أصابته النار فلا بأس بأكله وكلاهما لا يقاومان ما قدمنا مضافاً إلى احتمال كون الميتة ميتة ما لا نفس له وكون البئر غير متغيرة بالنجاسة والظاهر أنّ بيعه جائز لأنّه ليس من المائعات التي لا تقبل التطهير بل يمكن تطهيره وانتفاع الدواب به والأمر ببيعه على اليهود والنصارى بعد إعلامهم محمول على الندب لأنّ شبيه الشيء منجذب إليه وكذا الأمر بدفنه لحسن تخليص المسلمين من وقوعهم في استعمال النجس.