انوار الفقاهة-ج17-ص15
ثالثهـا: الأرض مطهرة في الجملة إجماعاً فتوى ورواية عامة كقوله (() (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) وخاصة متضمنة لأنّ الأرض يطهر بعضها بعضاً ومعناه أما أنّ البعض يطهر لما تنجس من البعض منها فعدل إلى ذلك للاختصار كما يقال الماء يطهر البول أي للمتنجس منه وعلى ذلك فيختص تطهيرها لما تنجس منها ولكن بإلغاء الفارق وعدم القول بالفرق يتم المطلوب وأما أنّ البعض يطهر بعضاً من الأشياء فيكون من قبيل المجمل المفتقر إلى بيان وأما لأنّ بعضها يطهر بعضاً منها أي من الأجزاء المتعلقة بما تطهره الأرض من قدم أو خف أو نحوهما وأما أنّ بعضها يطهر بعضاً منها باعتبار انتقال النجاسة من أرض إلى أخرى مرة بعد مرة إلى أن تستحيل وتستهلك وأما لأنّ أصل الأشياء هو الأرض فالمطّهر والمطّهر أرض (منها خلقناكم وفيها نعيدكم) وعلى كل حال فوجه دلالتها على التطهير بها ظاهر والحكم مختص بما يسمى أرضاً من حجر أو تراب أو طين مفخور ولا يسرى للمعادن والنباتات اقتصاراً على المورد المدلول عليه بالدليل وما ورد في صحيح زرارة من الأمر بمسح الرجل حتى يذهب أثرها ويصلي لمن ساخت رجله بالعذره محمول على ما هو المتعارف ونطقت به الأخبار من مسحها في الأرض نعم ما ذكرناه من حصول التطهير بالأرض مجمل بالنسبة إلى الكيفية والى نفس ما يطهر بها والظاهر في الأوّل من مجموع الأخبار وكلام الأخيار أنّ كيفية التطهير بها هو أن يستند إزالة النجاسة إليها كالغسل بالماء سواء كان بدلك أو مسح أو مشى أو نحو ذلك والوارد في الأخبار المسح والمشي وشبهها مثلهما لأنّ المفهوم من النصوص والفتاوى ذلك ولا تقدير في المشي على الأقوى فما دلت عليه (صحيحة الأحول) من اشتراط وطئ خمسة عشر ذراعاً ونسب (لابن الجنيد) القول به محمول على بيان الإرشاد إلى ما تزول به النجاسة غالباً أو على الاستحباب لعدم قابلية الرواية لتقيد ما ذكرنا والظاهر أيضاً أنّه لا يتفاوت في التطهير بها بين النجاسة الحكمية والنجاسة العينية إذا زال أثرها بها ولا بين كون النجاسة رطبه أو جافه نعم لو بقيت رطوبة النجاسة العينية كرطوبة البول أو العذرة فالاحوط توقف التطهير على التجفيف ولو كانت الرطوبة من متنجس فلا إشكال في حصول الطهارة لإطلاق الأخبار وكلام الأصحاب وهل يشترط طهارة الأرض المطهرة للشك من حصول التطهير مع القطع بالنجاسة واستصحابها ولبعد تطهير النجس ولظهور أنّ الأرض طهور هو الظاهر المطهر ولاشعار التشبيه في قوله (() ( جعل التراب طهوراً ) كما جعل الماء طهوراً بمساواته للماء والماء النجس لا يفيد طهارة إجماعاً ولقوله (() في المروي عن (دعائم الإسلام) (إذا مشى على أرض نجسة ثم طاهرة طهرت قدمه) ولاشعار صحيحة الأحول في السؤال عمن وطأ أرضاً نظيفة بعد ما وطأ قذرة بتوقف التطهير على نظافة الأرض أو لا يشترط لإطلاق الأخبار وكلام جملة من الأخيار وترك الاستفصال فيها في مقام البيان دليل على عدم الاشتراط وجهان أظهرهما وأحوطهما الأوّل وهل يشترط جفاف الأرض للشك في حصول الطهارة في المبتلة بعد القطع بها ولقوله (() في رواية (المعلى بن خنيس) أليس وراءه شيء جاف؟ قلت بلى قال لا بأس وقوله (() في المروي في مستطرقات السرائر أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت بلى فقال لا بأس أنّ الأرض إلى آخره ولأنّ الأرض الجافة ابلغ في حصول التطهير أو لا يشترط لإطلاق جملة من الأخبار وفتوى الاكثرين من الأصحاب وحمل ما دل على الجفاف على الاستحباب والإرشاد وجهان أقواهما وأحوطهما الأوّل ولو كانت الأرض وحلاً أو طيناً فلا شك بعدم تطهيرها على كلا القولين كما أنّ اليبس الكلي الزائد على مرتبة الجفاف لا يشترط أيضاً على كلا القولين على الأظهر وأما بالنسبة إلى ما يطهر بها فالأصل يقتضي بالاقتصار على مورد اليقين من الدليل والمفهوم من الأدلة وكلام الأصحاب أنّ الأرض تطهر ما تمسه مما يطأها سواء في ذلك القدم والنعل والخف والقبقاب وخشبته الأقطع ونحو ذلك ما يوطأ بالقدم أو باليد أو بالركبة أو بالبطن لمن يمشي على يديه أو ركبتيه أو بطنه ولا يتعدى إلى ملابس القدم أو عكاز الشخص أو حديدة بالرمح أو غير ذلك ولا يقتصر على اسفل الخف والنعل كما عن بعض أو على الأوّل كما عن آخر أو الثاني كما عن ثالث أو إضافة القدم إليهما فقط كما عن رابع ولعل من اقتصر أراد المثال لعموم الدليل لكل ما يوطأ من لزوم العسر والحرج لولا ذلك ومن سيرة المسلمين المستمرة على الدخول في المساجد والأماكن المشرفة مما يطؤنه من دون غسل من غير إنكار من قوله (() (في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً قال لا بأس) والآخر (أن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً قال لا بأس) إن الأرض يطهر بعضها بعضاً فإنّ ترك الاستفصال في مقام البيان دليل العموم في المقال على أن يتفتح المناط بين أفراد ما يوطأ كأنّه قطعي فما نقل من الإجماع على خصوص القدم والنعل والخف وما دل من الأخبار على النعل كقوله (() في النعلين (فليمسحهما وليصلي) وقوله (() (إذا وطأ أحدكم الأذى نجفيه فإنّ التراب له طهور) وفي الخبر عنه (() (أنى وطأت عذرة نجفي ومسحته حتى لم أرَ فيه شيئاً) ما تقول في الصلاة فيه فقال لا بأس فإنّ الظاهر من نفي البأس أنّه من حيث النجاسة المنافية للصلاة الكاملة لا من حيث العفو عن نجاسته ما لا تتم الصلاة فيه وكذا ما دل على القدم كقوله (() (فيمن مر حافياً على ما تقاطر من خنزير أليس وراءه شيء جاف قلت بلى قال لا بأس إنّ الأرض يطهر بعضها بعضاً) والآخر (فيمن مر على زقاق يبال فيه وليس عليه حذاء وهو يريد المسجد فقال أليس يمشي بعد ذلك في أرض يابسة قلت بلى قال لا بأس إنّ الأرض) إلى آخره والآخر فيمن ساخت رجله في العذرة إنّه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي لا ينافي ما ذكرناه من العموم لكونه أكثرها قضايا واقعية واقعة في السؤال فلا تخصص ما دل على الإطلاق نعم هي نافية للقول بالتخصيص بأحد ما ذكرناه سابقاً.