انوار الفقاهة-ج16-ص18
أحدهـا: تجب في التيمم النية للإجماع ولأنه عبادة بالمعنى الأخص فيجب فيها النية إجماعاً ولأن الفراغ اليقين في العبادة موقوف عليها ولأن ما يشك في شرطيته شرط وهي عبارة عن قصد الفعل في الجملة مع نية القربة والعبودية والامتثال لحضرة ذي الجلال ولا يجب فيها نية الوجه من وجوب وندب بل لو نوى الخلاف فلا بأس به إلا أن يجعل نية الخلاف وصفاً للمنوي فالأظهر البطلان لتأديته إلى نية عمل غير مشروع وقصد فعل لا يمكن وقوعه ولو من جهة النية وهل تجب نية الاستباحة؟ الظاهر عدم الوجوب، لان الاستباحة كالرفع من الآثار المترتبة على نفس الفعل قهراً فلا حاجة إلى نيتها واحتمال لزوم نية الاستباحة لتشخيص المنوي عن غيره لاشتراك التيمم بين المبيح وغيره ضعيف لأن التيمم عند عدم التمكن من الماء لا يكون إلا مبيحاً وعند التمكن منه لا يكون إلا صورياً ولا تجب نية رفع الحدث لأن التيمم غير رافع حقيقة إجماعاً إلا إذا أريد من الرافع رفع المانعية عن فعل المشروط به إلى زمن انتفاضه فإنه يصح ولكن يغني عنه نية الاستباحة بل هو معناه ولو نوى الرفع الحقيقي به لغت نيته وصح عمله عمداً أو جهلاً أو نسياناً إذا جعل الرفع غاية له ما لم تدخل تحت عبادة الجاهل ولو جعل نية الرفع وصفاً له فنوى التيمم الرافع كان القول بالفساد قوياً نعم لو ضمها إلى الاستباحة توجهت الصحة ترجيحاً لجانب الصحة مهما أمكن وهل يجب فيه نية البدلية مطلقاً لقوله (إنما الأعمال بالنيات) أو لا يجب مطلقاً لحصول المنوي في الجملة فلا حاجة إلى أمر آخر أو الفرق بين ما إذا قلنا باتحاد صورة التيمم مطلقاً فلا يحتاج لأنه ماهية واحدة يقع أثرها بحسب ما تصادفه فإن كان أصغر استبيحت به الصلاة عن الأصغر وإن كان أكبر استبيحت به الصلاة عن الأكبر وبين ما إذا قلنا باختلاف صورته فضربة للبدل عن الوضوء وضربتان للبدل عن الغسل فيحتاج إلى نية البدلية لكونهما ماهيتين مختلفتين فيجب تمييز أحدهما عن الآخر أو الفرق بين ما إذا وجب على المكلف تيممان فيجب نية البدلية للتمييز وبين ما لم يجب إلا واحد فلا يجب لانصرافه إليه وأصالة عدم وجوب التعيين وجوه أحوطها بل أظهرها الأخير ويجوز تداخل التيممات عن أغسال متعددة يصح فيها التداخل لعموم البدلية ويجب استدامة حكم النية كما تقدم في الوضوء ويجب مقارنتها لأول أجزاء التيمم فإن كان هو الضرب وجب مقارنتها للضرب وإن كان غيره وجب مقارنتها له أيضاً وعلى القول بأن النية هي الداعي يسهل الخطاب غاية السهولة.
ثانيهـا: يجب المباشرة في التيمم للإجماع والاحتياط والتأسي والعمل المعهود وظاهر الخطاب وعدم تيقن الفراغ بغيره إلا مع العجز فتجوز التولية بمعنى أن يرفع أعضائه شخص ثم يمسح بهما وإن لم يمكن تولى غيره الضرب بيديه ومسح أعضائه بها كتيمم الميت والأول هو المقدم لأنه هو المتيقن به فراغ الذمة بعد شغلها.
ثالثهـا: تجب الموالاة في التيمم مطلقاً سواء كان بدلاً عن الغسل أو الوضوء والمراد بها الموالاة العرفية لا الحكمية والدليل على وجوب الموالاة الاحتياط ولأنه المعهود والمتيقن للفراغ ولظاهر الإجماع المنقول ولفتوى المشهور من الفحول وللتأسي بما فعله الأئمة (() في مقام البيان للنقل عنهم (() أنهم تابعوا في تيممهم ولظاهر الآية وقع العطف فيها بالفاء المقتضية لتعقيب العمل المركب ولا يتم إلا بمعاقبة أجزائه بعضها ببعض وهذا لا يخلو من نظر.
رابعهـا: يجب الترتيب بين الأعضاء الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى للإجماع المنقول وفتوى جمهور الفحول ولظاهر الآية في تقديم الوجه أما لأن الواو للترتيب أو لقوله ((): (ابدؤوا بما بدأ الله تعالى) وللأخبار الظاهرة في الترتيب في الضرب ثم مسح الوجه ثم مسح اليدين وفي الخبر المعتبر أنه مسح اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى وهو ظاهر في الترتيب في مقام البيان ولقيامه مقام ما يجب ترتيبه بل ربما يدعي أن عموم المنزلة يقضي به أيضاً يجب الابتداء بالأعلى بالنسبة إلى الأجزاء الآتية إن شاء الله تعالى للاحتياط وفتوى الأصحاب والفراغ اليقين وعموم المنزلة والتأسي بالمعلوم من فعلهم وفعل التابعين لهم وإن لم يصرحوا به لفظاً بل ربما كان معلوماً لديهم في الزمان السابق ولقوله في بعض الروايات فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلاً وهي ظاهرة في الابتداء بالأعلى ولا قائل بالفصل.
خامسهـا: يشترط طهارة الأعضاء الماسحة والممسوحة للاحتياط ولفحوى البدلية ولتوقف الفراغ اليقين عليه ولفحوى اشتراط طيب التراب ولو لم يمكن إزالة النجاسة وجب المسح على النجس إلا إذا أدى النجس إلى سرايته النجاسة إلى التراب فإنه يسقط حكم التيمم وترجع المسألة إلى حكم فاقد الطهورين ولو كانت على محال التيمم جبيرة طاهرة وجب المسح عليها لعموم المنزلة والبدلية عن الوضوء والغسل وإن كانت نجسة وضع عليها طاهرة ومسح عليها.