انوار الفقاهة-ج16-ص14
أحدهـا: يجب التيمم بالصعيد الطيب إجماعاً كتاباً وسنة وفتوى، والصعيد هو التراب كما نص عليه جملة من اللغويين وجملة من الفقهاء وحكي عن الأصمعي وأبي عبيدة وهو المتيقن من وضع اللفظ بعد الشك في أنه موضوع للعام أو الخاص وهو المتيقن من إرادة أهل اللغة له حملاً للمطلق على المقيد وإن كانا ليسا من متكلم واحد في وجه قوي وهو الظاهر من إطلاق الأرض لأنّه فردها الظاهر وهو المتيقن من إرادته بعد الشك في إرادة العام أو الخاص وبعد الشك في المعنى الحقيقي والمجازي وبعد الإجمال الناشئ من الشك في إرادة المعنى الخاص من المشترك اللفظي أو المعنوي لو كان أحدهما وهو الظاهر من الآية بعد رجوع الضمير في (منه) إلى الصعيد وهو الظاهر من قوله في الصحيح (فليمسح من الأرض) لظهور تبعيضية الجار والظاهر من الصحيح في قوله (إن الله عز وجل جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً) والصحيح الآخر (إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر إلى أجف موضع تجده) والخبر الآخر عن الرجل لا يصيب الماء والتراب أيتيمم بالطين؟ قال: (نعم) وفي آخر (رب الماء رب التراب) وهو الظاهر من أخبار العلوق المشترط في التيمم وهو الموافق للاحتياط ووجوب الفراغ اليقين المسبب عن الشغل اليقين والصعيد أيضاً هو الأرض كما نص عليه جمع من اللغويين والفقهاء وهو الموافق للإجماع المنقول على إنه كذلك عند أهل اللغة وهو الموافق للأخبار الدالة على جواز التيمم بالحجر على وجه الإطلاق كالمروي عن علي (() أيتيمم بالضفا البالية على وجه الأرض قال: (نعم) وفيه لا يجوز بالرماد لأنه لا يخرج من الأرض والموثق فيمن تمر به جنازة وهو على غير وضوء قال: (يضرب بيديه على حائط لبن ويتيمم) ولا قائل بالفرق المؤيدة بفتوى المشهور والإجماع المنقولين وهو الموافق للصحاح الآمرة بالتيمم بالأرض كقوله: (إن رب الماء هو رب الأرض) وقوله: (فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض) وهذا أقوى إلا أن الأول أقوى دليلاً لأشهرية تفسير الصعيد بالتراب في كلام أهل اللغة ولأقربيته من وجه الأرض حيث قالوا أن الصعيد هو التراب لأنه يصعد من وجه الأرض ولظهور إرادة التراب ممن غبر بوجه الأرض أو الأرض من أهل اللغة والفقهاء والروايات لأن فردها الظاهر والغالب ولظهور الأخبار في إرادته غير ما قدمناه كقوله (() في الرواية المشهورة (خلقت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً) وهي ظاهرة في تخصيص الطهورية بالتراب وقوله ((): (الطين صعيد طيب وماء طهور) وقوله ((): (ثم أهوى بيده إلى الأرض فوضعها على الصعيد) ولأن عمار تمعك في التراب فأذرى به الرسول (() من حيث أنه تمعك وتمعكه في التراب دليل على أن استعمال التراب كان معلوماً لديهم إلى غير ذلك من الأخبار الناصة على التراب فحمل لفظ الصعيد لو كان مجملاً أو كان مطلقاً ولفظ الأرض المطلق على المقيد مما لا محيص عنه لأولويته من حمل لفظ التراب على إرادة الأعم منه وهو وجه الأرض لبعد إرادة العام من الخاص في أبواب المحاورات ولبعد الأخذ بالمطلق على إطلاقه وإبقاء المقيد على حاله في الخطابات العرفية والشرعية فالأقوى الأخذ بأدلة وجوب التيمم بالتراب وحمل ما جاء في الحجر وشبهه على حالة الاضطرار وينبغي أن يعلم أن المراد بالتراب ما قابل الحجر عرفاً فيدخل فيه التراب المتماسك وإن كان في غاية الصلابة كالمدر وشبهه ولا يشترط في التراب أن يكون هائلاً على الأظهر نعم لو اشترطنا العلوق لزم الضرب على هائل في الجملة وهو بحث آخر غير ما نحن فيه ولو سحق الحجر فعاد تراباً فإن صدق عليه اسم التراب صح به التيمم وإلا فلا ويمكن أن يقال أن الحجر بعد سحقه يكون تراباً مطلقاً ولكن على تأمل.
ثانيهـا: يشترط إطلاق التراب فلا يكفي التراب المضاف من أنواع الأرض أو مما نبت فيها أو مما خرج عنها ويشترط طهارته لقوله تعالى: (طَيِباً(، وللاحتياط ولأنه طهور ولفتوى الأصحاب والمشتبه المحصور يجب اجتنابه مع الاختيار ومع الاضطرار يحتمل الوجوب من باب المقدمة ويحتمل العدم إلحاقاً له بالماء لوجوب إراقته والأول أقوى ويشترط إباحته لتعلق النهي بغير المباح فتفسد العبادة ويشترط سلامته من خليط لا يدخل تحت اسمه ولا يستهلك فيه ويشترط جفافه لانصراف لفظه إليه ويشترط عدم الحائل بينه وبين الكف بحيث يستبين من تبن أو حب أو حصى كباراً وغير ذلك وسيجيء تمام الكلام إن شاء الله تعالى.
ثالثهـا: لو فقد التراب جاز التيمم بالحجر للإجماع المنقول وفتوى الفحول ولأنه مع امتناع المقيد يقوم مقامه المطلق وللأمر بالتيمم بالأرض مطلقاً فيحمل على إرادة التراب مع الاختيار وغيره مع الاضطرار وللأخبار المجوزة للتيمم المحمولة على حالة الاضطرار والظاهر أنه لو دار الأمر بين التيمم به مسحوقاً وبينه غير مسحوق قدم المسحوق منه لأقربيته من التراب بل يمكن القول بأنه بعد السحق يعود تراباً مطلقاً لاحتمال أن الحجر تراب اكتسب رطوبة وعملت فيه حرارة الشمس حتى تحجر فإذا انسحق عاد تراباً ويظهر من بعضهم أن الرمل والسبخ تراب ما عدا الملح الذي يظهر على وجه السبخة فإنه ليس منه وما عدا الحصى الكبار في الرمل فإنه ليس منه إلا إذا أسحق فلا يبعد القول بصيرورته تراباً والأحوط تجنبه بل الأحوط تجنب الأرض السبخة وإن نقل الإجماع على جواز التيمم بها والظاهر منه ولو في الاختيار لقول أبي عبيدة أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل والأحوط بل الأظهر تجنب الرمل على ما اخترناه وإن نقل الإجماع أيضاً على جواز التيمم به على وجه الإطلاق للصحيح الناهي عن الصلاة على الزجاج لأنه من الملح والرمل وهما ممسوخان ولمقابلة الرمل بالتراب عرفاً ولقول الشاعر:
عدد الرّمل والحصى والتراب
وعلى القول بجواز التيمم بالأرض مطلقاً فلا إشكال وشبهة خروج الرمل عن مسمى الأرض ضعيفة جداً ورواية المسخ لا عامل عليها.