انوار الفقاهة-ج16-ص13
تاسعهـا: مما يسوغ له التيمم زيادة المرض للمريض باستعمال الماء أو عسر علاجه أو تألمه باستعماله له أو خوف استمراره أو خوف التلف بسببه لنص الكتاب والإجماع إلا فيمن أجنب مختاراً والنصوص الواردة في المجدور والكسير والمبطون ومن به جروح وقروح أو خاف على نفسه من البرد والعمومات النافية للعسر والحرج والضرر والناهية عن إلقاء النفس في التهلكة وكذا خوف حدوث المرض باستعمال الماء وإن كان صحيحاً قبل استعماله للعمومات وفحوى الأخبار الواردة في الصوم والواردة هاهنا ولدخوله في الخوف من البرد المسوغ للتيمم ولأن حفظ الصحة يساوي دفع المرض في كون كل منهما مطلوباً للنفس إن لم يكن أولى ولإتفاق الأصحاب على ذلك بحسب الظاهر ويتحقق خوف المرض من الصحيح وخوف الزيادة من المرض بحصول الظن به بل والشك لأن الشاك في المخوف خائف والضرر المشكوك به مخوف هذا إذا صدر من معتدل المزاج جبناً وشجاعة فلو كان جباناً كثير الخوف رجع إلى عامة الناس فإن حكموا بأنه مخوف تركه وإلا عمله وكذا المتجاوز عنه في الشجاعة حد التهور مع احتمال دوران الحكم مدار الخوف مطلقاً ومع الجهل وعدم المعرفة بحال نفسه يرجع إلى أهل الخبرة المفيد قولهم الظن أو الخوف واحداً أو متعدداً مسلماً عدلاً أو فاسقاً أو كافراً ولو لم يفد قولهم الظن أو الخوف فإن كان المخبر عدلين وجب الأخذ بقولهما وإن كان عدلاً واحداً جمع بين الوضوء والتيمم والرجوع إلى ما ذكرنا من قول الأطباء وأهل الخبرة قضت به الأخبار في كتاب الصوم وكلمات الأصحاب والمراد بالمرض هو ما يسمى مرضاً عرفاً بحيث يعتد به ويهتم بحاله فلو كان المرض يسيراً جداً كألم لحظة في جزء من البدن أو حصول رجفة في الأعضاء من البرد أو اختلاج أو همول عين أو أنف يسيراً أو غير ذلك فلا يعتد به ويجب استعمال الماء تمسكاً بالقاعدة وشكاً في الخروج عنها للشك في شمول الإطلاق لمثله ولو حصل له الخوف فاستعمل الماء بطل عمله لتوجه النهي إليه ولو وافق الواقع من عدم حصول ما خاف منه ولو لم يحصل له الخوف فاستعمل الماء صح استعماله ولو خالف الواقع من حصول ما لم يخف منه لدوران الأمر مدار الخوف وكذا الخوف من العطش والبرد والخوف على النفس وعلى العرض وعلى المال واحتمال أن الحكم معلق على ترتيب الأمر المخوف واقعاً لأن الأصل في الشرائط والموانع الواقعية ضعيف لمخالفته الأخبار وكلام الأصحاب من تعليق الحكم على نفس الخوف وجوداً وعدماً والامتثال قاض بالإجزاء والنهي قاض بالفساد وأما حدوث الشين في الوجه كالتفطير والانكماش فقد نقل الإجماع على جواز التيمم معه وظاهر إطلاق الإجماع أن الشين مسوغ للتيمم مطلقاً وهو مع حصول الضرر به من سيلان دم أو تشويه خلقة أو حدوث ورم لا إشكال فيه ومع عدم ذلك كالواقع معتاداً في البلاد الباردة ففي تسويغه للتيمم إشكال والأقوى عدم جواز التيمم معه ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوى والكتاب عدم الفرق في جواز التيمم للمريض بين أن يجنب اختياراً أو اضطراراً بعد الوقت أو قبل الوقت ونسب للشيخين القول (بأن من أجنب مختاراً يجب عليه الغسل وإن خشي التلف للمرفوعتين من المجدور إصابته جنابة إن أجنب نفسه فليغتسل وإن احتلم فليتيمم) والصحيحين في أحدهما عن المجنب يتخوف أن يصيبه عنت من الغسل لأنه في أرض باردة قال: (يغتسل وإن أصابه ما أصابه) وفي الآخر تصيبه الجنابة في أرض باردة فقال: (اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل) وهذا القول ضعيف لضعف المرفوعتين سنداً ودلالة لاحتمال إرادة أنه إذا أجنب نفسه كان قادراً على تحمل الغسل دون ما إذا احتلم لضعف الصحيحتين دلالة لاحتمال أن المشقة هو البرد نفسه ولم يبلغ إلى حيث لا يمكن تحمله أو إلى ترتيب ضرر عليه ومع ذلك فهما معارضتان بعمومات أدلة نفي العسر والحرج والضرر وسهولة الشريعة كتاباً وسنةً وبالأخبار الصحيحة والمعتبرة الدالة على أن من أصابته جنابة في ليلة باردة ويخاف على نفسه إن هو اغتسل قال: (يتيمم فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد) وبالأخبار الدالة على جواز الجنابة لمن كان فاقد الماء وأنه حلال يؤجر عليه فإنها ظاهرة في تسويغ التيمم لأن القائل بمنعه ووجوب الغسل إنما يقوله عقوبة له على تعمده الجنابة وتقصيره نعم ما دل على التيمم والاغتسال بعد ذلك وإعادة الصلاة محمول على الندب لفتوى المشهور بعدم الإعادة للصلاة ولأن الامتثال مقتضٍ للإجزاء والأخبار الدالة على عدم وجوب الإعادة للصلاة.
عاشرهـا: مما يسوغ له التيمم عدم التمكن من الطهارة الشرعية لتقية غير تقية المخالفين من يهود أو نصارى أو ملل أخر فإن التوضأ والغسل على طريقهم لم تثبت مشروعيته فالعدول للتيمم من الأمور اللازمة وكذا يسوغ التيمم لمن منعه الزحام يوم الجمعة أو عرفة وقد ضاق عليه الوقت للأخبار وفتوى الأصحاب وفي بعض الأخبار أنه يعيد وهو محمول على الندب أو على أن الصلاة مع العامة فيصلي معهم صورة ثم يعيدها ومما يسوغ له التيمم تأدية استعمال الماء إلى الإفساد على المستطرقين والمارين من المسلمين كالدخول إلى الآبار الموضوعة في الطرق والعيون والقنوات للأخبار الناهية عن الوقوع في البئر وأن يفسد على القوم ماؤهم.
القول فيما يتيمم به
وفيـــه مباحـــث :