انوار الفقاهة-ج16-ص11
رابعهـا: مما يسوغ له التيمم عدم الوصول إليه لخوف سبع أو لص للأخبار وفتوى الأصحاب وكذا لو وجد بثمن يضر بالحال في الحال أو المال بحيث كان ضرر المال متوقعاً عادةً مظنوناً لا مجرد الخوف من الفقر لأن الله هو الغني والرزاق قليلاً كان أو كثيراً ويختلف بالنسبة إلى أحوال الناس فرب شيء يضر بشخص دون آخر ولا يتفاوت الضرر بين كونه على نفسه أو أهله لجوع أو ذلة أو مهانة أو تأدية لذل السؤال أو إعواز نفقة أو شبه ذلك والدليل على ذلك فتوى مشهور الأصحاب والأخبار العامة النافية للضرر والضرار وفحوى ما دلَّ على جواز التيمم للخوف على المال وإن قل ولخبر الدعائم إلا أن يكون في دفعه الثمن ما يخاف منه على نفسه التلف إن عدمه والعطب فلا يشتريه وتيمم بالصعيد ويصلي واقتصر بعضهم على ما ذكر في هذا الخبر فقط ويرده ما ذكرناه وذهب بعضهم إلى جواز التيمم من تجاوز العوض عن قيمة المثل كثيراً استناداً إلى تجويز التيمم مع الخوف على المال اليسير فالكثير بالطريق الأولى لأن المال قليله وكثيره محترم لكفر مستحله وفسق غاصبه وجواز الدفاع عنه وهو ضعيف للأخبار الدالة على وجوب بذل المال الكثير في ماء الوضوء المعتبرة بنفسها وبفتوى الأصحاب نعم لو أجحف كثيراً كأن تصل الثلاث أكف إلى ألف دينار ربما أشكل فيه الحال لعدم وجود النظر له في أبواب الفقه ولعدم ذكرهم لمثله في لباس أو مكان أو ماء لرفع الخبث أو دليل على القبلة أو أرض يسجد عليها أو آلة لتحصيل الماء أو لتحصيل غيره من الشرائط أو لتحصيل كف من تراب للتيمم ولو وجب بذل الكثير على كل جزء جزء من هذه الأمور لذكروه في أكثر المقامات بل ربما يدعي قيام السيرة على خلافه بل ربما يدعي أن بذل ألف دينار في كف من تراب أو كف من ماء تسعه عرفاً فلا يسوغ شرعاً وربما يظهر من بعضهم الإجماع على أن الزيادة لو أجحفت بالحال تسقط وجوب البذل ومع ذلك فالتخطي عما نطقت به الأخبار ودلت عليه كلمات الأصحاب لا وجه له ومن عدم إمكان الوصول عدم الآلة لاستخراج الماء من دلو أو رشاً أو غيرهما للإجماع والأخبار الدالة على التيمم لمن لم يكن عنده دلو وقد مر بالبئر وأنه لا يقع في البئر ولا يفسد على القوم ماءهم.
خامسهـا: مما يسوغ التيمم عدم وجود الماء المحلل بملك أو إباحة أو إذن فحوائية علمية أو ظنية جرت السيرة على العمل بها أو بإذن الحقية كاستعمال الأنهار والعيون المملوكة في الطرق فإن المعلوم من سيرة المسلمين استعمالها مع القطع بالإذن الفحوائية ومع عدمه بل ومع القطع بعدم الرضا لإذن المالك الحقيقي بها كما يشهد به فعل الأئمة (() وسائر الشيعة والأخبار الواردة في أن الناس والمسلمين شركاء في الماء والكلأ وربما نقل عليه الإجماع هذا كله إذا لم يجحف المتناول وإلا حرم والأحوط التجنب مع النهي من المالك وكذا لو مع العلم بأنه لا يقام ونحو ذلك وكذا عدم وجود الماء الطاهر إجماعاً ولو كان عنده نجس وطاهر واحتاج الشرب شرب الطاهر وتيمم ولا يجوز له شرب النجس للنهي عنه والمنهي عنه مسوغ للتيمم كما من الأخبار وكلام الأخيار ولو كان عنده ماء طاهر وثوب نجس أو كان بدنه نجساً فهل يغسل به النجس ويتيمم أو يتوضأ أو يصلي بالنجاسة وجهان أقواهما وجوب غسل النجاسة والتيمم لأن الأدلة وإن كان بينها تعارض إلا أن المفهوم من أدلة التيمم أنه ينتقل إليه مع الموانع الشرعية والعرفية فكلما كان اضطراراً شرعاً أو عرفاً مساغ له التيمم على أن الظاهر أن الحكم اتفاقي.
سادسهـا: مما يسوغ به التيمم التألم الشديد على البدن وإن كان لا يغشى معه من المرض على الأقوى لعموم نفي الضر والعسر والحرج ولأته قد يكون أقوى من المرض فعلى هذا لو أصابه برد شديد أو حر شديد في الحمامات أو حركة عنيفة في المسير إلى محل الماء أو تعب شديد في الغسل لكبر وعجز ساغ له التيمم كما يفهم ذلك في الأخبار عموماً وخصوصاً لدخوله فيمن خاف على نفسه من البرد وكلام جملة من الأخيار وقيل بلزوم المائية للعمومات وصحيح ابن مسلم فيمن تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون جامداً قال: (تغتسل على ما كان) وفيه أن العمومات مخصوصة والرواية معارضة بصحيحته الأخرى عمن يجنب ولا يجد إلا الثلج أو ماءاً جامداً قال: (هو بمنزلة الضرورة يتيمم) فلتحمل الرواية على القدرة على ذلك لبعض الأمزجة.