انوار الفقاهة-ج16-ص10
ثانيهـا: يجب عند فقدان الماء الطلب له مع الإمكان وعدم الضرر به في جهة يعلم وجوده بها وفي جهة لا يعلم وجوده بها معيناً فيجب من باب المقدمة وفي جهة يشك في وجوده بها مطلقاً ولا يجوز التّمسك بأصالة عدم وجوده للإجماع المنقول وفتوى الفحول والأخبار كالحسن (إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام الوقت) وما ورد في الخبر (لا تطلب الماء يميناً وشمالاً ولا بئراً إن وجدته على الطريق فتوضأ به وإن لم تجده فامض) محمول على صورة حصول الخوف من سبع وشبهه كما ورد في الخبر (لا تطلب ولكن تيمم فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتغتسل ويأكلك السبع) ومقتضى إطلاق الفتوى والنص والإحتياط من باب المقدمة ولو المقدمة الإحتمالية وجوب طلب الماء حتى يحصل القطع أو الظن الشرعي بعدمه وربما دل عليه (فليطلب ما دام في الوقت) سواء كان دوام الوقت ظرفاً للطلب أو كان ظرفاً للوجوب للأمر بالطلب وإرادته في الجملة والإجتزاء بمسماه بعيد وحيث إنه لم يجد تعين حمله على أن نهاية القطع بالعدم على أن من لم يطلب لا يصدق عليه أنه غير واجد للماء أيضاً فظهر أن الطلب واجب لصحة التيمم إلا أن يحصل القطع بالعدم ويكفي فيه القطع العادي بحيث تطمئن نفسه بالعدم والمراد بالقطع بالعدم هو القطع بعدم وجوده في ذلك الزمن وعدم حصوله إلا أن يمضي زمن كثير من الوقت ليعتد به وإلى أن يمضي الوقت كله كما هو الأظهر والأحوط فإذا قطع بذلك ساغ له التيمم ولا يجب عليه التأخير إلى الضيق وربما كان القول بجواز البدار للتيمم عند القطع بعدم وجود الماء في مكانه وعدم العلم به في جهة يمكنه الذهاب إليها وإن كان يرجو حصوله بعد ذلك من مار أو مستطرق أو وجوده في الطريق بعد ذلك في غير ما دل الدليل على وجوب الطلب بقدره قوياً في النظر وربما كان فتوى المشهور عليه فيراد في الطلب في كلامهم هو الطلب الخاص الذي جاءت به الرواية ولكن الأظهر والأحوط ما ذكرناه وعلى كل تقدير فقد ورد الأمر للمسافر بطلب غلوة سهم في الحزونة وغلوة سهمين إن كانت سهولة وهي وإن كانت سكونية ولكنها منجبرة بفتوى الأصحاب والإجماعات المنقولة في الباب ونقل عن (ابن إدريس) أنه ادعى تواترها فالأخذ بها متعين ولكن على ما اخترناه منه وجوب الطلب حتى يحصل القطع واليأس بعدم وجود الماء وعدم حصوله في جميع الوقت تكون الرواية مخصصة لذلك الحكم في المسافر فقط ويبقى الحاضر ومن بحكمه على القاعدة في وجوب الطلب إلى حد اليأس وكذا الأعمى والخائف والعاجز عن الطلب ومن كان في ليل لا يبصر شيئاً على القاعدة أيضاً ويحتمل كفاية الاستنابة لهم ممن يوثق به وعلى الوجه الآخر وهو كفاية عدم وجدان الماء وعدم العلم به في جهة في صحة التيمم وإن احتمل حصوله بعد ذلك ووجوده في مكان آخر كان الطلب المأمور به خاصاً بالمسافر وتنزل الإجماعات الدالة على وجوب الطلب على الطلب المخصوص في الرواية وفيه مع ضعفه أنه يلزم أن يكون المسافر أسوء حالاً من الحاضر والمراد بالسهلة هي الخالية عن صعوبة الوطء من شجر وحجر وعلو وهبوط وغير ذلك وبضدها الحزونة والمراد بالغلوة قدر الرمية 0المتعارفة من الرامي المعتدل والجذب المعتدل بالآلة المعتدلة في الهواء المعتدل ومعرفته موكولة للعرف ومع الشك يأخذ باليقين وتقديره بشيء معلوم غير معلوم كما قدره بعضهم ثم أن الظاهر من الرواية كون الطلب في جهة واحدة كاف في صحة التيمم ولكن ظاهر الأصحاب والإجماع المنقول في الباب هو وجوب الطلب في الجهات الأربع الأمام والخلف واليمين والشمال وان تكون متقاطعة على طريقة زوايا القوائم عرفاً لا على طريقة الحادة والمنفرجة ويجتزئ بقطع الأربع بذهابين وإيابين بان يذهب بواحدة ويرجع بأخرى والأولى جعل الأربع ثمانيا بتفريق الذهاب والإياب ويحتمل وجوب الطلب ذلك القدر على جهة الاستدارة من طرف الحد ويحتمل وجوب طلب ذلك المقدار مستديراً فيكفي في الجهة المسامتة أقل من ذلك ويحتمل وجوب طلب كل جزء جزء مما بينه وبين الحد وربما يحصل العلم بجميع أجزاء الأرض الداخلة في الحد عند الطلب في الأربع جهات لأن الماء لا يكاد يخفى واحتمال كفاية الجهتين من اليمين واليسار أو الثلاث دون الخلف ضعيف والجهة المعلومة عدم وجود الماء فيها يسقط عنها الطلب كلاً أو بعضاً كما أنه عند العلم بوجوده في مكان متجاوز للحد وجب طلبه وكذا لو كان من باب الشبهة المحصورة فإنه يجب التتبع حتى يحصل القطع بالعدم وربما كان الظن مثله وتجوز الاستنابة لمن يوثق به والأحوط استنابة العدلين والأعمى يكفيه الواحد على الوجه المتقدم ولو أخل بالطلب فعل حراماً ويفسد تيممه لفقدان شرطه مع السعة لأن الظاهر من الأمر به هو الشرطية لا التعبدية ولأن الأصل حرمة التيمم مع رجاء الماء خرج المسافر مع الطلب هذا المقدار فيبقى الباقي ولو أخل به حتى ضاق الوقت صح تيممه على الأصح ولا إعادة عليه كما هو المشهور سواء ضاق عن الطلب أو عن الاستعمال لصدق عدم الوجدان عليه والامتثال يقضي بالإجزاء ودعوى شرطية الطلب حتى عند الضيق ممنوعة ولو كانت الأرض مركبة من السهلة والحزنة أخذ من كل بنسبتها والأحوط مراعاة الغلوتين في المركب بجهة واحدة كأن كان نصف سهلة ونصفاً حزنة ولو عجز عن الطلب إلا بمقدار النصف لم يجتزئ به ورجع إلى القاعدة ولو طلب فاحتمل بعد طلبه تجدد الماء وجب عليه التجديد ما لم يلزم العسر والحرج ويجتزئ بالطلب قبل الوقت إذا لم يحتمل وجود ماء جديد بعد الوقت ولو طلب حتى ضاق الوقت عن الطهارة المائية نفسها فتيمم وصلى ووجد الماء في رحله صحت صلاته لمصادفتها الأمر الواقعي وكذا لو قصر في الطلب حتى ضاق الوقت فتيمم وصلى ووجد الماء في رحله ولو طلب فلم يجد فتيمم في السعة فصلى فوجد الماء في موضع طلبه من دون تقصير منه لخفاء الماء فالوجه (الصحة) والأحوط (الإعادة) سيّما مع بقاء الوقت ولو وجده في رحله بعد طلبه وكان الوقت في سعة فالوجه الإعادة لوجود الماء وإن خفي عليه والأصل في الشرائط الواقع دون ما ظهر لدى المكلف وللخبر فيمن معه ماء فنسيه فتيمم ووجد الماء في رحله قبل أن يخرج الوقت قال: (عليه أن يتوضأ ويعيد) ويمكن القول بعدم الإعادة لأن المرء متعبد بقطعه والأصل في الامتثال الإجزاء ولأنه يصدق عليه أنه لم يجد الماء والرواية ضعيفة لا تصلح لهدم ذلك ويمكن الفرق بين الناسي فيعيد أخذاً بمنطوق الرواية وغيره فلا يعيد ولو قصر في الطلب فضاق الوقت عن الطلب لا عن استعمال الماء فتيمم وصلى فوجد الماء في رحله فإن كان ناسياً فالأظهر الإعادة للرواية وفتوى المشهور وعلى الظاهر وإن لم يكن ناسياً فوجهان أحوطهما الإعادة إلحاقاً بالناسي ولو ضاق الوقت عن استعمال الماء أيضاً فالأقوى الصحة مطلقاً كما قدمنا وذهب بعضهم ونسب للمشهور إلى وجوب القضاء وعدم الصحة مستندين للرواية المتقدمة وفيه أنه مع الضيق عن الاستعمال يلزمه التيمم على كل حال فلا معنى للقضاء بعد صحة الأداء والرواية موردها السعة دون الضيق عن الاستعمال ولو كان عند المكلف ماء أو مر بماء فأراق الأول ولم يستعمل الثاني فإن فعل ذلك قبل الوقت تيمم عند عدم الوجدان ولا إثم عليه وصح تيممه إن لم يعلم بعدم الماء بعد دخول الوقت ومع العلم بعدمه احتمل القول بالجواز وصحة التيمم للأصل وعمومات أدلة التيمم واحتمل القول بحرمة الإراقة وصحة التيمم أيضاً لاهتمام الشارع بالصلاة وكونها أعظم الفرائض فتجب مقدمتها مع العلم بعدمها في الوقت قبل الوقت ويؤيده ما ورد من المنع من السفر إلى أرض لا ماء فيها وإنه هلاك للدين وإطلاقها شامل لذلك وهو الأقوى نعم لو كانت صنعته في ذلك المكان كالحطاب قوي القول بالجواز دفعاً للضرر وإن فعل ذلك بعد دخول الوقت فإن كان راجياً للماء فحكمه كذلك وإن علم بعدمه أثم لتفويته الواجب بعد تعلقه به ولخطابه بحفظه من باب المقدمة وصح تيممه عند فقدان الماء لعموم الأدلة والامتثال يقضي بالإجزاء وقيل بوجوب الإعادة لتعلق الخطاب بذمته بالطهارة المائية والشك في حصول الانتقال إلى الترابية مع تفويت الواجب بنفسه فلا يكون فعله عذراً مسوغاً لذلك وفيه أن العذر المسوغ هو نفس عدم الوجدان ويكمن الفرق هاهنا بين التيمم حال الضيق عن الاستعمال إعادة وبين التيمم في السعة ثم يجد الماء في الوقت بعد ذلك فيعيد استصحاباً للأمر الأول وانكشاف بقاءه وهو أحوط ومثل ما ذكرنا من علم كون الماء بمكان يمكن الوصول إليه فأهمل حتى ضاق الوقت عن الوصول فإن الوجه صحة التيمم وعدم الإعادة.
ثالثهـا : مما يسوغ له التيمم ضيق الوقت عن استعماله مع إدراك ركعة من فرضه أو مع إدراك جميعه وهو الأقوى أو ضيق الوقت عن الوصول إليه مع استعماله وإدراك ركعة لو علمه في مكان أو ضيق الوقت عن طلبه في الجهات الأربع واستعماله وإدراك ركعة لو لم يعلمه أو ضيق الوقت عن التفحص عنه حتى يعثر عليه لو علمه في مكان محصور مشتبه ولا يتفاوت بين كون الضيق ناشئاً عن تفريطه أو غير ناشئ عن ذلك كل ذلك لعموم المنزلة ولأنه طهور واحد الطهورين وأنه يجزي عشر سنين ولأن مشروعيته للمحافظة على أداء الفرض في وقته كما يفهم من الأخبار والآثار ولأن الصلاة لا تسقط بحال والصلاة من دون طهور والتراب موجود لا يلتزمه أحد ولأن من بعد عنه الماء بحيث أنّه لو سعى إليه لفات الوقت وجب عليه التيمم اتفاقاً فهذا مثله ولأن رب الصعيد ورب الماء واحد ولأن الظاهر أن مشروعية التيمم عند عدم التمكن من الماء على جميع الأنحاء فالقول بوجوب الطهارة المائية والقضاء لعدم الدليل على مشروعية التيمم هاهنا وعدم تسويغ ضيق الوقت للتيمم ضعيف كالفرق بين ضيق الوقت عن الوصول إليه فيسوغ التيمم لعدم وجدان الماء وإن كان قريباً وبين ضيقه عن استعماله فلا يسوغ لأنه واجد للماء ويجري الحكم لكثير من الشرائط إذا لم يتسع الوقت لتحصيلها كإزالة النجاسة وتحصيل الساتر ونحوهما فإنه يسقط وجوب تحصيلها اهتماماً بإيجاد الصلاة مهما أمكن ولو تطهر بالماء من كان فرضه التيمم صحت طهارته على الأقوى لعموم الأدلة ولأن الأمر بالشيء لا يقضي بالنهي عن ضده وكونه غير مخاطب بالطهارة المائية لهذه الصلاة لا يقضي بأنه غير مخاطب مطلقاً نعم الأحوط أن لا ينوي الطهارة لهذه الصلاة الخاصة.