انوار الفقاهة-ج16-ص9
أحدهـا: يشرع التيمم عند فقدان الماء إلى آخر الوقت أما بالكلية أو فقدان ما يسع لطهارته ولا يجب على من وجد الماء لبعض طهارته استعماله في البعض وضوءاً أو غسلاً لأن الطهارة لا تتبعض ولعدم الأمر به في مقام البيان ولظاهر اتفاق الأصحاب ولظاهر الصحيح أن من أجنب في سفره ولم يكن عنده ما يكفيه إلا للوضوء قال: (يتيمم ولا يتوضأ) ونحوه غيره وفي الخبر فيمن ترى الطهر وليس عندها ماء يكفيها لغسلها قال: (إذا كان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله ثم التيمم) وضعف الدلالة في الأول بعدم البيان وفي الثاني بتقديم غسل الفرج على غسل بعض الأعضاء مجبور بفتوى الأصحاب فظهر ضعف القول بوجوب غسل المقدور في الغسل لعموم (لا يسقط) و(ما لا يدرك) وما جرى عليه الماء فقد طهر هذا إذا كان مكلفاً بطهارة واحدة كوضوء أو غسل جنابة وأما لو كان مكلفاً بطهارتين فإن وسع الماء للغسل دون الوضوء وجب قطعاً حتى لو قلنا باشتراكهما في الرفع ووجب التيمم للوضوء وإن وسع للوضوء دون الغسل قوي القول بالوجوب أيضاً لأن كلاً منهما عبادة لا تسقط بامتناع الأخرى ولظاهر فتوى المشهور واختار بعضهم العدم لامتناع رفع الأصغر مع بقاء الأكبر فيجب حينئذ تيممان عن الغسل والوضوء ويسقط الوضوء وهو قوي لولا ما قدمناه على أنه إنما يتمشى فيما إذا كان الوضوء رافعاً أما لو كان مبيحاً كوضوء الاستحاضة وغسلها فلا لإمكان تركّب الاستباحة من ماء وتراب على أن يكون مبيح الأكبر (التراب) ومبيح الأصغر (الماء) وبالجملة فالأقوى بمقتضى عموم الأدلة والاحتياط جواز تركب الطهارة من مائيتين رافعين ومائيتين مبيحتين ومن ترابين مبيحين ومن مائية كبرى رافعة وترابية صغرى مبيحة ومن ترابية كبرى مبيحة ومائية صغرى رافعة ومن مائية كبرى مبيحة وترابية صغرى مبيحة وكلها واقعة والظاهر أن الفقهاء لا يتناكرونها ثم أن من قدر على إيجاد الماء بحفر أو بشراء لا يضر بالحال ثمنه يسمى واجداً عرفاً وأما ما وجد بثمن مضر بالحال أو كان في قبوله منة عظيمة أو كان محتاجاً لخلق جديد من إحالة هواء أو إذابة أجسام فالظاهر صدق عدم وجدان الماء ولا يجب إيجاد مقدمة الواجب المشروط نعم لو أمكن خلط المطلق بمضاف ليكون كله مطلقاً كان الوجوب أقرب لأقربية كون ذلك واجباً مطلقاً بالنسبة إلى ذلك وكذا لو كان عنده ثلج وشبهه بل وجوبه متعين ولو لم يكن الثمن مضراً بالحال وجب الشراء ولو بأضعاف مضاعفة للإجماع المنقول وفتوى المشهور والأخبار الدالة على ذلك ففي الصحيح فيمن احتاج الوضوء إلى الصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به وهو قادر بمائة درهم أو ألف قال: (يشتري قد أصابني مثل هذا فاشتريت) وغيره نعم في صورة الضرر لا يجب الشراء لحديث نفي الضرر والعسر والحرج وفتوى المشهور وظاهر الإجماع المنقول بل ربما كان محرماً لو فعل حراماً واشترى وبعد ذلك توضأ كان الوضوء صحيحاً ولو لم يكن في العطاء منه وجب القبول كالماء المبذول للمثوبة أو المبذول للزوار والمترددين أو الأضياف أو كهبة الوالدين في وجه قوي هذا كله في المال المبذول في المعاوضة اختياراً وأما المال المأخوذ قهراً بسبب الوضوء فلا يتفاوت الحال في تسويفه التيمم بين قليله وكثيره للإجماع المنقول على أن الخوف من اللصوص موجب للتيمم وللخبر فيمن كان الماء على يمين الطريق ويساره قال: (لا أراه يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع) ولأن في السلب والنهب غضاضة ومهانة يستباح معها كثير من المحضورات كما يرشد إليه باب وجوب التقية ولو توقف على اقتراض للثمن وكان معسراً لم يجب عليه القرض لأن إيجاد غير الموجود غير واجب.