انوار الفقاهة-ج14-ص19
أحدهمـا: الترتيب بأن يغسل الرأس أولاً ثم الشق الأيمن ثم الأيسر ويدل عليه فتوى المشهور والإجماع المنقول والاحتياط اللازم في الخروج عن العهدة بعد يقين الشغل وما ورد في الأخبار وأفتى به الأخيار من لزوم الترتيب في غسل الميت وإن غسل الميت كغسل الجنابة وإن علة غسل الميت خروج النطفة منه عند الموت كما دلت على ذلك الأخبار ونطقت به كلمات الأخيار حتى أنه ورد في السؤال من الأئمة (() [ لِمَ كان غسل الميت كغسل الجنابة ] ويدل على لزوم الترتيب عمل العلماء والسيرة القطعية المستمرّة على فعلهِ وأنّهُ المعهود بين الشيعة والشائع لديهم وانه لو كان خلافه لبانَ ولما خَفي على أَحد لتوفر الدواعي على نقله وكثرة الحاجة إلى عمله ووفود تكرره وإنه من خواص مذهبهم لان العامة لا يرون وجوبه والرشد بخلافهم ويدل عليه أيضاً أن المفهوم من الأخبار وكلام الأصحاب أن الغسل ماهية واحدة كالوضوء لا تختلف أفراده فلا تتغاير أنواعه وغير الجنابة يلزم فيه الترتيب كما يجيء إن شاء الله تعالى في محله فيجب فيه أيضاً ويدل عليه أيضاً حسنة زرارة الواردة في كيفية اغتسال الجنب ثم صب الماء على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين فإن الظاهر من الواو فيها في مقام البيان والعطف بذلك النحو والسياق وإرادة الترتيب والظاهر أن الترتيب الذكري قرينة على الترتيب الحكمي في أمثال هذه المقامات ومثل هذه الحسنة موثقة عن غسل الجنابة أفض على رأسك ثلاث أكف وعن يمينك وعن يسارك فإنها ظاهرة في الترتيب ويؤيد ما ذكرناه ما ورد عن النبي (() إذا اغتسل بدأ بميامينه وما ورد أن الله يحب التيامن من كل شيء إلى غير ذلك ويدل على خصوص لزوم تقديم الرأس خصوص ما جاء من الأمر بإعادة الغسل لمن لم يبدأ برأسه وكونه الآن إجماعاً محصلاً بل كاد أن يلحق بالضروريات فلا يعارض ما قدمناه ما جاء من الأخبار الدالة على عدم لزوم الترتيب بين الرأس والجسد كقوله في الصحيح ثم يصب الماء على رأسه وعلى جسده كله وفي آخر ثم أفض على رأسك وجسدك بناء على عدم فهم الترتيب من الواو وعدم لزوم الترتيب بين الجانبين كقوله في الصحيح ثم تصب على رأسك ثلاثاً ثم تصب على سائر جسدك مرتين وغير ذلك لأنه محمول على بيان أصل الأمر بالغسل وعدم افتقاره للوضوء لا لبيان كيفيته أو محمول على انه بيان الكيفية للتقية أو غير ذلك ويدخل في الرأس حكماً لا اسما الرقبة فيجب غسلها معه ويجب تقديمها على الجانبين ويجوز تقديمها على الرأس لأنها بمنزلة جزئه وتأخيرها عنه فيجوز مقارنة النية لغسلها كلاً أو بعضاً ويجوز غسلها مقارنة للرأس ولا ترتيب بين أجزائها وذلك كله لا بأس به لفتوى الفحول ولأنه المعهود والظاهر من بعض الأخبار كقوله (() في الحسن (ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين) ضرورة عدم جواز إبقائها بلا غسل وعدم دخولها في المنكب وعدم كونها واسطة بحيث يجب غسلها وسطاً لعدم البيان في مقام الحاجة ويشعر بذلك غيره من الأخبار والظاهر أنه من المتفق عليه بين الأصحاب بل ربما ندعي أن إطلاق الرأس على ما يشمل الرقبة من الحقائق لا المجازات أو انه مجاز قرينته الشهرة في هذا المقام وبالجملة فالرأس حقيقة في العرف العام في الكرة التي هي منبت الشعر كرأس المحرم وقد يطلق على ذلك مع الأذنين كرأس الصائم وعلى ما يشمل الوجه كرأس الجنابة وعلى ما يشمل الرقبة كرأس الغسل وهذه الإطلاقات إما حقيقة فيكون مشتركاً لفظياً وقرينة التعين فتوى الأصحاب وظاهر الإتفاق في الباب أو مجاز قرينته ما قدمناه أو أنها مشاركة للرأس في الحكم لان في الاسم وترك بيان ذلك لظهوره وبعض أصحابنا أشكل عليهم حكم الرقبة لعدم التّصريح به في الأخبار فينبغي الاحتياط بغسلها بعد الرأس كُلاُّ وأحوط منه غسلها مرتباً واحوط منهما غسل شقها الأيمن بعد غسلها أجمع مع اليمين وغسل شقها الأيسر مع اليسار والاحتياط الشديد أن لا يبتديء بها قبل الرأس وأما العورتان فالظاهر من أخبار الترتيب دخول كل نصف منهما في شقة المضاف إليه ويؤخذ شيء من باب المقدمة لتحصيله والاحوط غسلهما مع الحاجبين وأحوط منه غسلهما بعد الفراغ من الجانبين منفردين ولو أخر غسلهما إلى تمام الشق الأيمن كفى غسل جميعها على الوجه الأول مرة واحدة منتهياً بها للشق الأيمن ومبتدئاً بها بشق اليسار ولو أغفل لمعة من المتقدم غسلها وغسل العضو اللاحق ولو كان من المتأخر كفى غسلها فقط وورد أن الإمام (() ترك لمعه فعاد إليها وهو محمول على التعليم للغير أو على ان اللمعة في نفس العضو المغسول الذي لم يفرغ منه أو على أن الترك ليس للنسيان بل لكفاية الظن بالوصول وهو لا ينافي مرتبة العصمة ولا يجب الابتداء بالأعلى لإطلاق الأخبار ولفتوى الأصحاب وكذا يجوز الغسل منكوساً ومستوياً لما قدمناه ولا موالاة في أجزاء الغسل الترتيبي ولا في أجزاء أجزائه لا موالاة عرفية ولا مولاة جفافية للأخبار وكلام الأصحاب ويدل على ذلك خصوص ما جاء عنهم (() قولاً وفعلاً .