انوار الفقاهة-ج14-ص3
ومنهـا: مراعاة الجفاف في البطلان حيث يستند إلى نفوذ الماء واستند من أوجب المتابعة شرعاً حقيقة أو عرفاً بحيث لا يتراخى عن اللاحق بعد تمام السابق بل بحيث أن لا يتوانى في غسل عضو بحيث يخرج عن المبادرة إلى العمل حقيقة أو عرفاً إلى الإجماع المنقول على لسان جمع من الفحول وإلى أن الأمر في كتاب الله فوري بغسل الأعضاء لظهور الأمر فيه أو للإجماع عليه وإلى آيتي المسارعة والاستباق وإلى أن فاء التعقب تقضي بوقوع جميع ما تعقبها فوراً ولا يمكن الحقيقة فيتنزل على الأقرب إليها وهو المتابعة وإلى ظاهر الوضوءات البيانية مع قوله هذا ووضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وإلى أنه المعهود من فعل الحج فيجب التأسي به وإلى أن الواقع منهم ذلك قطعاً لرجحانه فيجب متابعتهم وإلى الاحتياط وإلى قوله (() (اتبع وضوءك بعضه بعضاً) وإلى خبر حكيم فيمن خالف الترتيب أنه يعيد الوضوء ولان الوضوء يتبع بعضه بعضهاً وإلى ما ورد من أن الوضوء لا يتبعض والتبعيض يحصل مع عدم المتابعة وفي الجميع نظر لوهن الإجماع المنقول بفتوى المشهور ومنع دلالة الأمر على الفور لغة وشرعاً والإجماع ممنوع ولظهور (آيتي المسارعة) والاستباق في الندب ومنع دلالة فاء التعقيب على الفور نعم تلك فاء العاطفة ولان الفصل والوصل ليسا من الكيفيات الظاهرة في البيان ليدخلا في أجزاء الوضوء ويجب إتباعهما ولأن التأسي إنما يجب في معلوم الوجه ولأن الاحتياط حق لو كان الشك في الشرطية وليس كذلك ولان وجوب الاتباع في الخبرين مراد به وجوب الترتيب والأمر بالإعادة محمول على حصول الخلل بغيرها لعدم وجوبها شرطاً على هذا القول ولأن خبر أن الوضوء لا يتبعض لا دلالة فيه للاحتمال الظاهر من أن يراد منه أنه لا يوجد منه بعض بعد انعدام الأبعاض الباقية لجفافها كما يؤذن به قوله حتى ييبس أو ينشف وضوؤك على أن وجوب المتابعة لو كان لبان لتوفر الدواعي إليه وليس فليس، وإنها لو كانت واجبة لما حصل وضوء محلل إن أريد بها المتابعة الحقيقية ولقلّما لو حصل أريد بها العرفية فإنه قلّما يتفق حصول متابعة عرفية لم يتخلل فيها بينهما التفات أو نقل إناء من محل إلى آخر أو طول عمل في عضو وإن أراد بالمتابعة ما لم يخل به ذلك سهل الأمر في وجوبها وأما من أوجب المتابعة شرعاً وشرطاً فمستنده الاحتياط وظهور وجوب الوصف في العبادة إنه شرط لها ولكنه ضعيف لنقل الاتفاق في القائلين بوجوب المتابعة على إرادة الوجوب الشرعي دون الشرطي وإن الإخلال بالمتابعة لا يؤثر فساداُ ولما ذكرناه من عدم اشتهار الحكم مع توفر الدواعي إليه ولزوم فساد أكثر وضوءات العالم ولورود الأخبار بصحة الوضوء فيمن أبطأت عليه الجارية إن لم يجف وضوء وبصحة وضوء من مسح رأسه فذكر وكان في محل الوضوء رطوبة أخذ منها وبما دل على من أن خالف الترتيب يعيد من غير تفصيل بين العامد والناسي والقليل والكثير فظهر بذلك ضعف هذا القول نعم للوضوء هيئة خاصة يخل بها الثاني كثيراً كيوم وبعض يوم لعدم صدق الوضوء عليه وللشك في صحة مثله وأما القول بوجوب الموالاة شرطاً وشرعاً فمستندة الاجماعات المنقولة على وجوبها والظاهر منه الوجوب الشرعي ورواية أن الوضوء لا يتبعض والإجماعات المنقولة على اشتراطها مطلقاً سواء جامعت المتابعة العرفية أم لا وسواء كان الجفاف لنفاد الماء أم لا وصحيح معاوية بن عمار مسألة أنه يتوضأ فينفد الماء فيدع الجارية فتبطيء بالماء فيجف الوضوء فقال أعد وموثقه أبي بصير إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى ييبس وضوؤك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يتبعض والحق أن يقال أن الوجوب الشرعي منظور فيه والإجماعات المنقولة قد يراد بها الوجوب الشرطي كما يظهر من كثير منهم حرمة إبطال العمل لم تثبت هاهنا ورواية (أن الوضوء لا يتبعض) ليست صريحة في النهي عن الإبطال وأما الوجوب الشرطي فالظاهر أنه كذلك مطلقاً للروايات والإجماعات المتكثرة النقل على وجوب الموالاة وتفسيرها بعدم الجفاف والإجماعات المنقولة على اشتراط عدم الجفاف في الوضوء وللاحتياط وفتوى المشهور بذلك وأما ما نسب للصدوق من عدم البطلان بالجفاف إذا جامع المتابعة وللمقنع من البطلان به لنفاد الماء استناداً للأخذ باليقين من الروايات الدالة على البطلان بالجفاف لأن موردها الجفاف لفوات المتابعة ولصحيح حريز في الوضوء يجف قلت فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه قال أو لم يجف أغسل ما بقي قلت و كذلك غسل الجنابة قال هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك قلت وإن كان بعض يوم قال نعم بحمله على ما إذا لم تفت المتابعة خوفاً من مخالفة الاجماع ولقول الرضا فإن كان قد جف بعض وضوئك قبل أن يتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء ما مضى على ما بقي جف وضوءك أو لم يجف والكل ضعيف لان الاقتصار على المتيقن بعد إطلاقات الروايات المؤيدة بفتوى الأصحاب وبالاحتياط وبالإجماعات المنقولة لا وجه له ولان الخبر الأخير ضعيف السند فلا يعارض ما تقدم فيحمل على جفاف بعض السابق تحزراً من طرحه وأما الأول وإن صح سنده لكنه مشتمل على ما لا نقول به من تنزيل الوضوء منزلة الغسل فليحمل على التقية أو على غير العضو الثاني فيراد منه جفاف البعض أو يطرح لمعارضته لما هو أقوى منه والظاهر أن القائلين بعدم الإخلال بالجفاف مع المتابعة يريدون به ما لم يلزم منه نفوذ الرطوبة عند المسح لاستلزامه المسح بماء جديد وهو غير جائز عند عدم الاضطرار ثم أن المختار من اشتراط عدم الجفاف يراد به عدم الجفاف الحسي لا التقديري فلو بقي الماء على أعضاء الوضوء لعارض يقضي ببقائه ولولاه لما بقي منح الوضوء وإن طال الفصل ما لم يمح صورة الوضوء عرفاً ويراد باعتباره اعتباره مع الإمكان فلو لم يمكن سقط اعتباره وهل يجب ملاحظته تقديراً بمعنى وجوب المتابعة بقدر ما تجف أعضاؤه لو كان عليهما ماء، الأحوط ذلك ويراد به جفاف الجميع فلا يبطل بجفاف البعض وإن اتصل لتعلق البطلان في النص والفتوى على جفاف الوضوء ويبسه وجفاف السابق وهما ظاهران في الجميع ولإطلاق صحيح حريز وللاتفاق على جواز أخذ البلل من الوجه للمسح إذا لم يكن نداوة على غيره وذهب بعض إلى اشتراط بقاء الرطوبة في الجميع وهو بعيد لضعف القول به ولزومه للمشقة غالباً والاستناد للاحتياط وإلى أن الوضوء لا يتبعض ضعيف أيضاً وذهب بعض آخر إلى اشتراط بقاء الرطوبة في الأخير وبعض آخر إلى أن اليدين بمنزلة عضو واحد فيشترط بقاء رطوبة الوجه إلى تمام غسلها وبقاء الرطوبة فيهما إلى المسح والكل ضعيف وعلى المختار أيضاً لا فرق في وجوب عدم جفاف ما تقدم بين الغسل والمسح ولا بين الرطوبة الباقية في محل الغسل أو المسح ولا بين ما كان في الشعر أو البشرة ولا بين ما كان مستوراً بالشعر أو لم يكن ولا بين ما كان من مسترسل اللحية وبين غيره على أشكال ولا بين ما كان من الغسلة الأولى أو الثانية ولا ما كان في الظواهر والبواطن مما يستحب تحليله أو من ماء المضمضة والاستنشاق ولكن على إشكال شديد في الأخير ولو مازج ماء الوضوء بغيره بحيث لم يستهلكه كفى بقاؤه في عدم الجفاف وكذا العرق وشبهه وذو اليدين يكفي بقاء الرطوبة في إحداهما على الأظهر وكذا ذو الوجهين ولو تعذرت الموالاة أعاد الوضوء فإن لم يكن سقط حكمها ومسح بماء جديد والجمع بينه وبين التيمم أحوط.
فائــــدة:
نذر المتابعة راجح فيلزم رجحانه ثابت بالكتاب والسنة والاحتياط وكلما كان كذلك فهو لازم إجماعاً فإن نذر المتابعة في وضوء خاص ففعله من دونها حنث ولم يفسد الوضوء إلا إذا نوى أنه امتثال للنذر ولو نذر المتابعة في وضوء مطلق وجب عليه أداءها في أي وضوء كان فإن فعل وضوء من دونها بنية الامتثال فسد لمكان التشريع على الظاهر ويحتمل الصحة ووقوع النية لغواً ووجب عليه أدائها في وضوء آخر إلا إذا ضاق الوقت كما إذا كان النذر مؤقتاً أو تضيق بظن الموت فإنه يحنث إن لم يأت بها ووضوءه صحيح لعدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد واحتمال البطلان لتعلق النهي به باعتبار أن الشارع أوجب المتابعة في هذا الوضوء المعين ونهى عن تركها فيلزمه النهي عنه مجرداً عنها لا يخفى ضعفه ولو نذر وضوءاً متابعاً فيه معيناً حَنث بعدم فعله فإن فعله لغير المتابعة ونوى أنه وفاء للنذر فسد على الظاهر وإن أتى به لا بقصد أنه وفاء صح على الظاهر لعدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدان الجزء الواجب وخيال بالعارض كالواجب الأصلي يفسد العمل بفواته ونقضه كما ينقض الواجب الأصلي بعيد لعدم تشخيص الواجب الأصلي بالواجب العارضي من جزء وغيره فلو خلا منه صح الواجب الأصلي وإن نذر وضوءاً مطلقاً لم يحنث ووجب عليه أداءه إلا إذا تضيق بوقت أو بظن الموت فإن أذاه متابعاً بَرَّ يمينه وإن لم يؤده كذلك وجب عليه التأدية ولا فرق بين تعلق النذر بوضوء معين لفريضة أو بوضوء مطلق ويجري الحكم لجميع هيئات الواجبات المندوبة بل وجميع أجزاء الواجبات المندوبة فتأمل، وهاهنا مباحث :