انوار الفقاهة-ج13-ص33
ثالثهـا: يجب الابتداء بالأعلى في غسل الوجه واليدين وفاقاً لفتوى المشهور نقلاً بل تحصيلاً وللإجماع منقولا ظاهراَ ولأصالة بقاء الحدث وشغل الذمة بالوضوء والصلاة ولإجمال الوضوء كما في سائر أسماء العبادات فما شك في شرطيته له نجعله شرطاً ولصحيح زرارة في حكاية فعل النبي (() أنه أسدل الماء على وجهه من أعلى الوجه واستفادة الوجوب إما من دليل التأسي أو من أجل كونه بياناً للمجمل وللصحيح المروي في (الكافي) فوضعها على جبينه حكاية عن فعل النبي (() ولرواية الهيثم في تنزيل قوله تعالى (إلى المرافق) أنها من المرافق ولرواية صفوان وفيها ثم يفيض من المرفق ولصحيح زرارة ثم وضعه على مرفقه ولرواية الهيثم ثم أمرّ يده في مرفقه إلى أصابعه رداً على الهيثم حيث عكس ذلك وللإجماع المركب المنقول على عدم الفصل بين الوجه واليدين في إيجاب الابتداء بالأعلى فيهما وعدمه ولرواية الحميري أغسله من أعلى وجهك إلى أسفله ولمفهوم قوله لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبراً وقوله (() (المسح في الرجلين موسع) فمفهومه مشعر بأن الغسل له كيفية خاصة ولانصراف إطلاق أوامر الغسل للابتداء بالأعلى لأنه الفرد الظاهر ولرجحا نية الابتداء بالأعلى فيحصل اليقين باستمرار النبي (() عليه فيجب التأسي به أو اتباعه لكونه بياناً للمجمل ولقوله (() (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به بعد وضوئه) والمقطوع به ابتداؤه بالأعلى وبمجموع ما ذكرنا وإن اتجهت المناقشة من كثير منه يحصل الظن القوي لوجوب الابتداء بالأعلى وبه يقيد إطلاق الغسل المأمور به في الآية والروايات إن لم نوهن الإطلاق بعوده إلى الاجمال لكثرة وقوع المقيد له ولعدم إرادة إطلاقه قطعاً فيضعف الظن بإرادته ولأقل من توهنيه بفهم المشهور وفتواهم وعلى ما ذكرنا من وجوب الابتداء بالأعلى يراد به الأعلى الحقيقي لا العرفي فيجب أخذ شيء له من باب المقدمة للاحتياط الواجب في مقام شغل الذمة ولحمل لفظ الأعلى والمرفق في الأخبار على المعنى الحقيقي دون المسامحات العرفية ولظاهر زرارة حيث ذكر بعد غسل الأعلى غسل الجانبين ثم غسل اليد اليمنى ولو لم يكن حقيقياً لعاد إلى المتروك نعم لا يجب غسل أعلى الأعلى بل يتخير في الابتداء من أي أعلى كان وإذا ابتدأ بالأعلى ابتداء عرفياً لا مجرد الابتداء ولو كان بمقدار شعرة واحدة جاز غسل العضو الأسفل ثم العود إلى بعض الأعلى المتروك وجاز غسل كل أسفل قبل أعلاه مسامتا له أو غير مسامت في جانب واحد أو جانبين كل ذلك لحصول الامتثال بإطلاق الأوامر مع عدم الشك المعتبر فيها ولخلو الأخبار عن بيان ذلك مع توفر الدواعي على نقله ولعدم تعرض الأصحاب لوجوب الترتيب في العلو وخلو كلماتهم عنه وللسيرة القاضية بالخلاف ولنفي العسر والحرج اللازمين من ترتيب الأعلى فالأعلى ولصحيح زرارة أنه وضع اليسرى في الماء فأسدلها على اليمنى ثم مسح جوانبها ولما دل على أن الرجال يبدؤون بظاهر الذراع والنساء بباطنه ومن البعيد باستيعاب الظاهر والباطن ولما ورد في الاكتفاء بثلث غرفة ولو وجب ترتيب الأعلى فالأعلى لا يستوعب ماؤها من أول العمل نعم لا بأس بالاحتياط في شأن المسامت لظهور بعض الأخبار في الأجزاء من فوق إلى اللحية في مقام البيان ولإمكان وقوعه وإمكان دعوى فعل الأئمة (() لهُ ولإشعار بعض عبائر الفقهاء به ولو لم يمكن الأعلى الحقيقي وجب الأعلى الإضافي للاحتياط ولقوله (() (لا يترك الميسور بالمعسور) ولأن ما شك في شرطية شرط ولأنه أقرب المجازاة إلى الحقيقة إن جعلنا أسماء العبادات أسماء للاختياري منها وحكمنا بعموم الخطاب لسائر الأحوال وهل الواجب الابتداء بالأعلى أو عدم الابتداء بلأسفل وعليه فلو غسل الأعلى مع الأسفل صح وجهان أقواهما الأخير وأحوطهما الأول وذهب المرتضى إلى عدم وجوب الابتداء بالأعلى أخذاً بالاطلاق المبين لإجمال الوضوء ولأن فعل النبي (() لا يجب به التأسي مع عدم العلم بوجهه من الوجوب والندب مع احتمال كون فعله أفضل الفردين أو أقربهما إلى العادة أو من الحيليات الاتفاقية أو من أحد الأفراد للكلي المأمور به وفي الجميع نظر لضعف الإطلاق عن الأخذ بإطلاقه بل يعود مجملاً لما ذكرناه ولأن استمرار النبي (() على فعل شيء ينفي كونه من العاديات أو الاتفاقيات ولوقوعه في مقام البيان للواجب يجب التأسي به وإلا لزم الإغراء بالجهل ولأن ورود هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به مع فتوى المشهور مما ينفي الندب وصدور أمر أو اليد منهم (() لو لم ينعقد الإجماع على استحبابه ويرد النص الصحيح على أجزاء الوضوء بماء المطر بمجرد تساقطه لأوجبناه كالابتداء بالأعلى.