انوار الفقاهة-ج13-ص23
الخامس والعشرون: صدور أفراد الحدث من نوع واحد وصدورها من أنواع متعددة في اكبر أو أصغر سبب من إيجاد طبيعة الحدث الأصغر في الأسباب الصغريات والأكبر في الأسباب الكبريات وطبيعة الحدث الأصغر سبب في الطهارة الصغرى وطبيعة الأكبر سبب في الطهارة الكبرى أو الطاهرتين والقاعدة في الأسباب الواقعية العقلية عدم التداخل لاحتياج كل سبب إلى مسببه بانفراده لامتناع اجتماع العلل المستقلة على معلول واحد خارجي ومع تعدد المسببات بتعدد أسبابها يمتنع التداخل بينها عقلاً لامتناع صيرورة الواحد اثنتين والقاعدة في الأسباب الذهنية التي هي المعرفات جواز التداخل لكون المعرف علّةً للوجود الذهني ومعلولة موجوداً وأخذ ذهني لمعرفات متعددة جائز والقاعدة في الأسباب الشرعية أيضاً هي جواز التداخل إذا لم يعلم أنها أسباب واقعية وذلك لان الأسباب الشرعية قد تكون أسباباً واقعية فيمتنع فيها التداخل وقد تكون معرفات فلا يمتنع فيها ذلك والأصل عدم كونها أسباباً واقعية عند الشك كي يمتنع فيها التداخل إلا أن ظواهر الخطابات الشرعية أثبتت هاهنا أصلاً آخر وهو أن الظاهر من الخطاب تترتب كل مسبب استقلالاً على سببهِ وتعدد المسببات بتعدد أسبابها لأن تعدد الخطاب يقضي بتعدد الإرادة وتعدد الإرادة يقضي بتعدد المراد وظاهر الخطابات إرادة التأسيس دون التأكيد وإذ قد أثبتت ظواهر الخطابات أصلاً شرعياً وهو أصالة عدم التداخل وجب الحكم به إلا ما أخرجه الدليل كما أخرج الدليل من إجماع وشبهه أفراد الأحداث الصغريات من نوع واحد أو أنواع متعددة في كونها سبباً لحدث واحد وهو كلي الحدث وطبيعته وكون الحدث وطبيعته سبباً للطهارة الصغرى الرافعة والمبيحة فلا يتعدد الحدث الاصغر بتعدد أفراده ولا تتعدد الطهارة الصغرى بتعددها أيضاً وكذا أفراد الأحداث الكبريات من نوع واحد كجنايات متعددة أو حيض متعدد فإنها توجب غسلاً واحد للدليل وما بقيت وبقيت أفراد الأنواع المختلفة على القاعدة من أصالة عدم التداخل واحتياج كل سبب إلى مسببه ووجوب تعدد المأمور بتعدد الأمر فيجب تعدد الغسل بتعدد ذلك النوع وتجب النية في كل غسل لما يرفعه من النوع الخاص لعموم أدلة النية ووجوب تعيين المنوي عند الاشتراك بين فردين لان المطلوب متعدد بتعدد سببه لا واحد سببه حدث واحد كما بينا ولا فرق في أصالة وجوب التعدد بين نية رفع جميع أنواع الحدث بذلك الغسل الواحد وبين عدم نيته بشيء وبين نية رفع الحدث معين لا بشرط وبين نية رفع الحدث معين بشرط لا وبين أن تكون الأسباب كلها موجبة وبين أن تكون كلها مندوبة وبين أن تكون ملفقة وكذا الحكم في الأغسال الغير رافعة من الواجبة والمندوبة فإن الأصل فيها التعدد بتعدد أسبابها سواء اجتمعت مع أغسال واجبة رافعة أو أغسال رافعة مندوبة أو انفردت عنهما وسواء نوى الجميع أو البعض لا بشرط أو بشرط لا وذهب جمع من الأصحاب إلى أصالة التداخل في الأسباب مطلقاً وفي الأغسال خصوصاً واجبة أو مندوبة لأصالة عدم تعدد التكليف ولان المطلوب في كل أمر إيجاد طبيعة المأمور به وقد وجدت الطبيعة فيحصل الامتثال للكل ولان سبب الغسل طبيعة الحدث فإذا تعددت أفراده لا يتعدد الغسل للزوم تحصيل الحاصل ولأن أنواع الحدث أسباب شرعية وهي معرفات يجوز إجتماعها على مسبب واحد وهو طبيعة الحدث ولان مشروعية الأغسال للتنظيف وسببها القذارة فإذا حصل رفع القذارة بمماسة الماء بغسل واحد حصل المطلوب لما أشعرت به الأخبار من أن علة غسل الجنابة هي التنظيف وعلة غسل الجمعة هي رفع أرياح الآباط وغير ذلك ولأن الحدث نوع واحد فلا يرتفع منه شيء ويبقى آخر ولما ورد في (حسنة زرارة) من اجزاء غسل واحد للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والزيارة وأجزاء غسل واحد للمرأة عن جنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها لله عليك حقوق أجزأك وإذا اجتمعت عنها غسل واحد وهي رواية معتبرة مشتهرة فتوى ونقلاً منقولة من أصول معتمدة موصوفة عند العلامة بالصّحة لظهور عدالة (إبراهيم بن هاشم) من القرائن المتكثرة المتظافرة ولما ورد من التعليل في الصحيح في كفاية غسل واحد للجنابة وغسل الميت بأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة ولخبر شهاب (إن غسل ميتاً وتوضأ ثم أتى أهله يجزيه غسل واحد) وللصحيح غسل الجنابة والحيض واحد وللموثق في الجنب والحائض أجزأها غسل واحد للجنابة ولكثير مما ورد بأجزاء غسل للجنابة والحيض قيل واختصاصه بالجنابة والحيض لا يقدح في إثبات تمام المطلوب إذ الظاهر عدم القائل بالفصل وظاهر هذا القول ومقتضى أدلته أن ارتفاع جميع الأحداث بغسل واحد قهري يكفي فيه مجرد نية الفعل للتقرب من غير تفاوت بين نية رفع الجميع أو نية رفع البعض لا بشرط أو بشرط لا وبين الواجب وبين غيره وبين الرافع وبين غيره ولا يخفى ضعف هذه الأدلة عن إثبات هذا الأصل مطلقاً لضعفها عن مقاومة ظواهر الخطابات وأصالة شغل الذمة بظاهر الخطاب المحتاج إلى الفراغ اليقين وعن أخبار النية الدالة على أن لكل امرئٍ ما نواه وعن القواعد المحكمة القاضية بأصالة عدم إجزاء فعل عن غيره وعدم إجزاء واجب عن مندوب وإجزاء مندوب عن واجب ولان أصولهم مقلوبة عليهم وقواعدهم مردودة إليهم بما ذكرناه في اقتضاء ظاهر الخطاب التعدد فلا يبقى مجال لأصلهم ولعدم تسليم دعوى أن سبب الغسل طبيعة الحدث في الأكبر بحيث أنه لم يكن للخصوصية مدخلية بل هو أولاً الكلام وكذا دعوى أن الغسل معلول للتنظيف ورفع القذارة وما استشهدوا به على ذلك لضعفه لا ينهض بالحجية ولمخالفته لفتوى المشهور وكذا دعوى أن الحدث نوع واحد لا يتبعض إذ هي أول المسألة وكذا ما استدلوا به في الأخبار فإنها غاية ما تدل على جواز الاجتماع في الجملة ونحن لا ننكره ولا تدل على كلية ما ذكروا بل هي بالنسبة إلى تلك مجملة لا تصلح لإثبات الحكم فيها كلياً ونحن نقول بجواز التداخل في الجملة وتفصيل الحال أن يقال أن الأغسال إما واجبة أو مندوبة أو ملفقة وعلى الأول والأخير فأما أن يكون معها غسل الجنابة أم لا وعلى كل حال فالنية إما أن تتعلق بالجميع أو البعض لا بشرط أو البعض بشرط لا أو بالمطلق والبعض إما أن يكون هو الجنابة أو غيرها فَصُوَرُ المسألة عديدة:
منهـا: أن تكون واجبة.
ومنهـا: غسل الجنابة فينوي الناوي الجنابة وغيرها بنوعه مما هو عليه ويداخل بنية في الجميع والحكم فيها جواز التداخل وهو المتيقن من الأخبار المتقدمة والمتفق عليه بين الأصحاب ظاهراً والمنقول عليه الإجماع.